ثورات صناعة امريكية
موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:
قبل موسم الثورات، أو ما يسمى بالربيع العربي، كنا نطالب بالوحدة العربية، كنا نطالب بغطاء يجمعنا جميعاً، من المحيط إلى الخليج. كنا نطمح إلى تحرير فلسطين، قضيتنا منذ نعومة أظافرنا. كنا نريد حقوقاً وليس فقط واجبات. كنا نريد الحرية والديموقراطية، فأين نحن اليوم مما أردناه في الأمس القريب؟
من كان مهتما منا بأوضاع أمريكا الاقتصادية منذ سنين سيعرف أنها على شفير الهاوية، وانها وصلت إلى سقف ديونها مما يهدد بسقوطها. وهذا كان سبب ثورات الورق المفتعلة مجتمعة مع الحفاظ على أساس مصالحها في المنطقة، ألا وهو إسرائيل.
فلنعد إلى عام 2001، حينها ابتدأ ما يسمى بالحرب على الإرهاب، بعد حادث 11 سبتمبر الذي هو مدبّر بحسب كل التحقيقات الأخيرة. تفجير يكون مبرراً للبدء في حملة لنشر الـ “نو” للعالم المتخلف ولمحاربة الاسلاميين المتطرفين.
فماذا سينقذ أمريكا من ورطتها الاقتصادية سوى النفط؟
نعم بكل شفافية، هي كذلك، فلنفتعل هجوماً من إسلاميين، ولنبدأ حربنا ضدهم أينما كانوا.
فلنبدأ بأفغانستان، أولئك الذين سلحناهم في الأمس القريب كي يواجهوا الروس، فمتى انتهت مهمتهم علينا القضاء عليهم والاستيلاء على أرضهم بحجة نشر الحريات. وعلينا أيضاً أن نستغل فرصة سانحة لنا من غباء بعض الشعوب العربية، وتوقها الشديد للحرية، ونقنعها أننا المنقذ. نحن من نحمل لهم الحقوق وكل أحلامهم الوردية على طبق. فلنبدأ بالعراق ونستغل قهر المواطن العربي، ونشعل الشرق الأوسط كافة لنحمي مصالحنا، وبالذات ابنتنا المدلّلة إسرائيل، ولنستغل هذه الفرصة بإلهاء الشعوب العربية عن قضيتهم فلسطين، ونشغلهم بكل شيء ما عدا هذا. فلنسلّح لكن بتروٍّ، فنحن لا نريد أن تفلت الأمور من بين أيدينا، نريد أن نبقى مسيطرين على زمام الأمور.
علينا أن ندخل إلى العراق وندمرها ونسرق مواردها ونعيدها إلى زمن يطمح فيه المواطن إلى البقاء حياً، فمن كان شغله الشاغل أن يبقى على قيد الحياة لن يفكر بخطورة إسرائيل، ولن تخطر بباله فلسطين، ولن يفطن للاجئين، ولن يتذكر حق العودة، ولا حقوقاً أصبحت بدرجه الكماليات. سيصبح كل همه أن يمر اليوم دون أن يموت.
وحين نوصلهم إلى هذا الحد، نكون قد جعلناهم متعلقين بنا، لا يقوون على فعل أي تصرف دون اللجوء إلينا. نحن من سيدير دفة الأمور، نحن من يقرر، نحن من يستفيد، ونحن من نأخذ كل شيء: مواردهم، أموالهم، كل شيء.
فلنزِل حجر عثرة كبيرة، الرئيس صدام حسين، الذي هدد أمن إسرائيل وجعل من بلاده قوة لا يستهان بها. فكيف نطيح به؟ فلنجد حجة وجود أسلحة دمار شامل. للتذكير، تبين لاحقاً أنها كانت أكذوبة، وهكذا استولت أمريكا وشركاتها على النفط العراقي. وتتوالى السنين ونصل إلى ما يسمى الربيع العربي بدايةً في تونس ومن ثم ليبيا ومصر ثم اليمن واخيرا سوريا .
مخطط مدروس أخبرنا عنه بعض المسؤولين الامريكيون، حين قالوا إن هنالك مخططاً بالتخلص من 7 دول عربية لتكون أمريكا هي المسيطر على الشرق الأوسط، الآمر والناهي فيها. تساقطت الأنظمة واحداً تلو الآخر بشكل هستيري كاد المواطن العربي معه أن يفقد عقله. فها هو القائد الذي كان حلم رحيله كان مستحيلاً سقط في غضون أسابيع.
وتوالت الثورات، وتوالى سقوط الدول العربية التي لم تكن مهيأة لاستقبال الحريات، ونما فيها فكر متأسلم متطرف، مدعوم من أمريكا، حريص كل الحرص على الحفاظ على التدهور في الحقوق، ليبقى المواطن همه أن يبقى حياً ويحصل على ما يسد رمقه، فباقي المطالب أصبحت بعيدة جداً، بعد ما ظنوا كل الظن أنها قريبة.
في مصر ثورتان ورئيسان ووضع أمني رديء وظهور “رابعة” وفكر متأسلم لا يمت للاسلام بصلة. اليمن أصبح يمنين وصار الدم رخيصاً جداً، وليبيا ذهبت في مهب الرياح وذهب نفطها، والعراق كذلك.
وهنا في آخر معقل للسيادة، في سوريا، اعتقدت أمريكا أن تحقيق حلمها بات وشيكاً، ولم تكن تعرف أن النظام رغم كل ما قد تقوله عنه من فساد ومحسوبيات، التي لا تخلو أمريكا منها ومن كونها دولة استخبارات، فسوريا كانت معقلاً للمقاومة على مدار أعوام وساهمت بكل ما تملك في سبيل المقاومة ضد المحتل، وقامت على الاكتفاء الذاتي مع نظام اقتصادي جدير بالاحترام، لتكون الدولة الوحيدة التي لا تدين للبنك الدولي، فالدين معناه خنوغ وسوريا لم تكن يوماً خانعة، وأتى الجيش ليثبت أنه لا يقهر، وأنه قادر على خوض حرب عصابات، حرب فشلت فيها أمريكا في فيتنام، وأنه قادر على قلب الطاولة على دمى أمريكا وتغيير الأمور بحكمة قيادته.
صمدت سوريا على مدار ثلاث سنوات من حرب متواصلة ودعم أمريكي وتهديد بالضربة بحجة تشبه تلك التي كانت للعراق، استخدام الكيماوي، الذي تراجعت عنه لأنها عرفت حق المعرفة أن اسرائيل باتت مهددة، وأن الصورايخ السورية تتوجه إلى عقر دارهم، فأعادت حساباتها وباتت تبحث عن خروح من هذا المأزق، فنحن إن متنا نموت وقوفاً كالأشجار.
واليوم أعود وأقول لكم: هل تذكرون من هو عدوكم؟ هل تذكرون القدس وحيفا، وفيروز حين تغني لزهرة المدائن؟ هل تذكرون الحقوق التي طالبنا بها؟ هل تذكرون أحلامنا؟
والجواب نعم، فسوريا حاربت حرباً نيابة عن كل عربي وطني شريف وانتصرت.
هل فكرتم لما لم يصل الربيع إلى الأردن أو السعوديه أو قطر؟ لن أجيب، سأترككم أنتم تبحثون عن الإجابة، وأنا على ثقة أنكم بتّم تعرفون لماذا؟ ولماذا قمعت ثورة البحرين ولمَ لم يحدّث الإعلام عن تحركات الشعب القطري؟
نهايةً، وتأكيداً لما جاء في بداية مقالي: هل فكرتم أن تعيين فورد سفيراً في أوكرانيا ووجود برنارد ليفي راعي الائتلاف في أوكرانيا صدفة محضة، أم أنها ورقة للضغط على روسيا لكن روسيا سرعان ما انتهت فأمريكا ما زالت تحاول البحث عن أي شيء ليكون ورقة مقابل سوريا، وأيضاً لتعيد اقتصادها، فبعد أوكرانيا فنزويلا وهلم جرى، المهم أن العم سام ما زال يحاول، ولكنه فاشل بإذن الله. فأرجوكم أن تستيقظوا من غيبوبة الحريات. أمريكا لن تأتي بشيء سوى الخنوع.