تفجيرا طرابلس أمام القضاء: منقارة والغريــب بريئان
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
رضوان مرتضى:
كما كان متوقعاً، فقد تم نسف معظم نتائج التحقيق الأوّلي الذي أجراه فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي مع الموقوفين في تفجيري طرابلس. أمس، مثل الموقوفون الثلاثة هاشم منقارة، أحمد الغريب ومصطفى حوري أمام قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا. والنتيجة أن الشيخين منقارة والغريب مظلومان ولا صلة لهما بتفجيرَي طرابلس
لم يُظهِر توتّراً. مشى بهدوء إلى جانب الجندي الذي اقتاده نحو نظارة المحكمة العسكرية. ناداه أحد الشهود المنتظرين في الردهة: «شيخ أحمد. شيخ أحمد غريب»، لكنه لم يلتفت إليه، ربما لم يسمعه. خرج خلفه وكيله المحامي حسين موسى. دقائق قليلة، عاد الجندي نفسه مصطحباً رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الشيخ هاشم منقارة. ورغم الابتسامة التي لم تفارق شفتيه، بدا منقارة غريباً. منظره من دون الكوفية البيضاء على رأسه لم يكن معتاداً. ظهر أصغر سنّاً ببشاشة محبّبة.
دخل إلى مكتب قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا لحضور جلسة الاستجواب الأولى في قضية التفجيرين الارهابيين اللذين ضربا طرابلس في 23 آب بصفته مدّعى عليه في جرم تشكيل خلية إرهابية وتفجير سيارتين مفخختين أمام مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، وكتم معلومات عن الأجهزة الأمنية. رافقه وكيله المحامي إبراهيم الأيوبي. لم يمكث منقارة طويلاً، خرج بعد أقل من نصف ساعة، على عكس الغريب الذي استمر استجوابه قرابة ساعتين. بعدها جُلب الشاهد الموقوف مصطفى حوري مخفوراً. دخل لدقائق ثم خرج برفقة العسكري نفسه. وذُكر أنه استمهل لتوكيل محام. بدت أجواء جلسة الاستجواب إيجابية، تلاها قرار أبو غيدا إخلاء سبيل منقارة، لكنّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية استأنف قرار إخلاء السبيل لأسباب مجهولة.
جلسة الاستجواب حسمت أموراً كثيرة. لم تجر الرياح كما تشتهي سفن كثيرين، فبدت أقرب إلى تبرئة الشيخين بدلاً من إدانتهما.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر قضائية مطلعة على التحقيق، فقد أصرّ منقارة على أقواله بأن لا علم لديه بحصول أي تفجيرات. وأكد أن الغريب لم يُطلعه على أي أمر من هذا القبيل. وقالت المصادر نفسها إنّ قرار ترك القاضي أبو غيدا لمنقارة مردّه إلى غياب أي اقتناع تؤكد الشبهة.
أما جلسة استجواب الشيخ أحمد الغريب فكانت حافلة في مضمونها. وخلال ساعتين أجاب غريب، نافياً معظم ما ورد في إفادته أمام محقّقي فرع المعلومات. كرّر الشيخ الغريب مراراً لازمة أنه «لا يجوز شرعاً قتل أي كان إلا في حال الدفاع عن النفس». وقال: «إن كل ما قيل في التحقيق، إما أن المحقق كتبه، وإن كنت قلته فذلك حصل بالإكراه والتهديد».
وكشفت المصادر أن الغريب افتتح الجسلة بالإجابة عن سؤال القاضي قائلاً: «تعرّضت للضرب والشتم وهددوني بإيذاء عائلتي والتشهير بي». وعن قوله إن الشيخ منقارة نفّذ عملية التفجير، ردّ بأنه قال ذلك من باب السخرية عندما أخبره المحققون في فرع المعلومات بأن «الشيخ هاشم تركك وحدك هنا وفرّ إلى سوريا». وأضاف:«إذا كان الشيخ هاشم هرب إلى سوريا فذلك يعني أنه هو من نفّذ عملية التفجير»، وهذا من باب التحليل.
ولدى سؤال القاضي الشيخ الغريب عن ردّه على النقيب السوري محمد علي لدى طلبه منه سيارات لبنانية لتفخيخها وإعادتها إلى لبنان وعمّا إذا أعطاه بعض الأسماء المراد اغتيالهم، ردّ الموقوف بأن ما كُتب في التحقيق عند فرع المعلومات عار من الصحة. وأضاف أنّ ما قاله جاء بعد مرور أيام من دون أن يُسمح له بالنوم تحت وقع التهديد.
وذكر الموقوف أنه أجاب المحقق بأن اكتب ما تريد، فكتب أن «النقيب السوري طلب مني سيارات لتفخيخها بقصد اغتيال الشيخ سالم الرافعي واللواء أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر والدكتور مصطفى علّوش». كذلك تطرق القاضي إلى ما ورد في مضمون إفادته الأولية بشأن عرض الضابط السوري دفع مبالغ طائلة في حال نفّذت حركة التوحيد التفجيرات، فردّ الموقوف بأنّ طلبه دعم حركة التوحيد مالياً من الضابط صحيح، لكن لا دخل للملف الأمني بهذا الدعم.
وتطرّق الغريب إلى محاولة اغتياله سابقاً، كاشفاً أن العقيد المتقاعد عميد حمود اعتدى غير مرة على مسجد عيسى بن مريم عبر شبابه الذين أطلقوا النار. أما ما أفاد به الشاهد مصطفى حوري بأن الشيخ الغريب طلب منه تأمين قاتل مأجور للتخلّص من حمود مقابل مبلغ عشرة آلاف دولار، فردّ عليه الموقوف بالنفي باعتبار أنه لا يملك المبلغ أصلاً، كاشفاً عن دين له في ذمة حوري قدره ستون ألف دولار بدل شراء سيارة بث فضائي «SNG»، وأن الأخير كان يتهرّب دائماً من سداد الدين.
كذلك تطرق الاستجواب إلى مزاعم حوري أن الغريب طلب منه درس إمكان اغتيال النائب محمد كبّارة ومصطفى علوش واللواء أشرف ريفي وتفجير مقرّ قناة آسيا، فردّ الغريب بأن ذلك كلام كاذب، كاشفاً أن حوري افتتح الكلام في هذا الأمر غير مرة من دون سياق منطقي. وأضاف قائلاً: «أظن أن لديه عدم توازن في أفكاره، ويدّعي أنه كان يقوم بعمليات أمنية خارجية في زمن الحزب الشيوعي»، كاشفاً أن حوري أخبره أنه في إحدى المرات رمى شخصاً من الطابق الثالث للتخلص منه. وقد سأل قاضي التحقيق العسكري الشيخ: «هل تعتقد أن مصطفى حوري مكلف بتوريطك ولديه ارتباطات أمنية؟»، فأجاب بأن «ذلك محتمل، لكن ما يربطني به لا يعدو علاقة عمل وسيارة الـsng».
وبحسب المعلومات القضائية، فإن المخبر الموقوف حوري قال لمحققي فرع المعلومات إنه سأل الغريب عن سبب استهداف هذه الشخصيات بالتحديد، مدّعياً أن الغريب أجابه بأن «سالم الرافعي يرسل مقاتلين إلى سوريا ويشكل اغتيال اللواء ريفي ضربة لتيار المستقبل، أما خالد الضاهر فيرسل السلاح إلى المعارضة السورية، فيما مصطفى علوش كثير الكلام إعلامياً».
ولدى مواجهة الغريب بذلك، ردّ بأنه «كلام غير صحيح وذلك لا يجوز شرعاً». ولمّا سأله القاضي عمّا إذا طلب منه حوري تأمين صاروخ لاو لضرب موكب الضاهر أو الرافعي، أجاب بأنه «ذكر ذلك أمامي، لكن لم يطلب مني ذلك». ولدى سؤاله عن عدم إبلاغ الأجهزة الأمنية بمفاتحة حوري له بموضوع تفخيخ سيارات، ردّ بأنه لم يفعل ذلك لاقتناعه بأن حوري «كثير الكلام من دون فعل ومضطرب فكرياً». كذلك سُئل الغريب عن مضمون إفادته الواردة في محضر التحقيق بشأن طلب النقيب السوري تنفيذ حركة التوحيد عمليات الاغتيال، وإجابة الغريب له بأن الشيخ منقارة رفض ذلك، ثم عرض الضابط السوري عليه أخذ الأمر على عاتقه وموافقة الغريب، فنفى الشيخ الغريب لقاضي التحقيق حصول أي شيء من هذا القبيل، معتبراً أن تلك الإفادة فُبركت بعدما عثر المحققون في هاتفه الخلوي على مضمون رسالة نصية من النقيب السوري: «تأخرت يا شيخ بعد ما صار الأمر جد».
وسأل المحقق الغريب عن تفسيره لهذه الرسالة، فأوضح أن الامر يتعلق بخلافه مع حوري على سيارة البث المباشر. وذكر الغريب أن الضابط السوري أخبره أن سبب عرقلة إعادة سيارة البث الخارجي من سوريا أن شريكه مصطفى حوري لديه مشكلة مع السلطات السورية و«ممنوع من دخول الأراضي السورية»، وسبب ذلك كما أفاد الغريب أن سوريا تشتبه في أن حوري يتعامل مع أجهزة استخبارات أجنبية. وعن ضبط صور للسيارات وتفاصيل عن مالكيها وتجمعات تحصل في ساحة النور على جهازه الخلوي، أجاب بأنه كان يجمع المعلومات منذ ما قبل عام 2010، لكون حركة التوحيد كانت مستهدفة، وسبق أن تعرض لمحاولة اغتيال وأصيب بطلق ناري في كتفه وهاجم مجهولون منزله.
القاضي أبو غيدا أبقى على الغريب موقوفاً وكذلك على حوري.
«صوناً لدمائهم»
أصدر تيار أهل السنّة في لبنان، الذي يرأسه إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي، بياناً وجّه فيه تهديداً لـ«أهل السنّة المدافعين عن النظام» السوري، مطالباً إياهم بإعلان براءتهم من هذا النظام، «صوناً لدمائهم وأعراضهم وتجنيباً لفتنة داخل ساحتنا».
ورأى التيار أن موقف الشيخ هاشم منقارة الداعم حتى اليوم للنظام السوري المجرم هو في حدّ ذاته جريمة قد تجر لمثيلاتها. وتابع: «لو ثبت بالدليل القطعي ضلوع هؤلاء بالجريمة، فإنا نطالب بإنزال أشد العقوبات بهم ولن تأخذنا بهم رحمة».
وتساءل التيار عمّا إذا كان «المطلوب من عودة حواجز «الخطف عالهوية» اقتطاع جزء من لبنان ليكون تحت حكم ذاتي، تمهيداً لسيناريو التقسيم»، كما تساءل عن «سياسة التمييز العنصرية الإعلامية والأمنية والقضائية التي تمارس ضد مناطق أهل السنّة على قاعدة: مناطق لبنانية تسيطر عليها الدولة، يجب الخوف منها وتترك مستباحة، ومناطق تسلب الدولة الحكم تحت دعوى المقاومة، يجب الخوف عليها وإعطاؤها سلطة الحكم الذاتي». واستغرب البيان «صدور كلام من بعض كبار المسؤولين في الدولة يبررون لغلبة السلاح ويدافعون عنه، واضعينه بمنزلة سلاح الدولة».
بين الدار والسرايا
لم يمرّ توقيف رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الشيخ هاشم منقارة مرور الكرام، إذ تداعى عدد من مشايخ الطائفة السنية لمطالبة دار الفتوى بالتدخّل لـ«رفع ظلم شعبة المعلومات عن الشيخ منقارة». إزاء ذلك، استجابت دار الفتوى فأصدرت بياناً تندد فيه بالتقارير الأمنية المفبركة والمخبرين المأجورين، معتبرة أن «رئاسة مجلس الوزراء دأبت في الآونة الأخيرة على استخدام سلطتها بمزاجية مطلقة، وخاصةً في ما يتعلق بدار الفتوى، وصولاً الى المعلومات التي وردت أخيراً عن قيام الجهاز الأمني المرتبط إدارياً برئيس الحكومة مباشرة بتلفيق التقارير الأمنية المفبركة بحق بعض العلماء المسؤولين في دار الفتوى واتهامهم زوراً بتشكيل عصابات مسلحة بغية الإيقاع بهم في وقت لاحق كيداً وانتقاماً». وحذّرت دار الفتوى «كل من تسوّل له نفسه من مغبة الاستهداف في إطار نهج الأحقاد الكيدية المتبعة في التعامل مع علمائها المسؤولين فيها».
في المقابل، رأت رئاسة مجلس الوزراء أن البيان الصادر عن دار الفتوى الذي يزعم قيام «الجهاز الأمني المرتبط إدارياً برئيس الحكومة مباشرة بتلفيق تقارير أمنية مفبركة في حق بعض العلماء المسؤولين في دار الفتوى»، هو ادعاءات مفبركة.