تعليمات إسرائيلية صداها في الإعلام اللبناني – الخليجي
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يبقى ملف “كاريش” من الملفات التاريخية الشاهدة على الفارق بين تعاطي المقاومة والقوى الوطنية الحقيقية مع الثوابت الوطنية المتعلقة بالحقوق والسيادة على الأراضي، وبين القوى الخانعة والمرتهنة للخارج والتي تشي تحركاتها وخطاباتها بأنها غير معنية بهذه الثوابت بقدر عنايتها بالنكايات السياسية والمصالح الضيقة.
كما يبقى ملف “كاريش” شاهدًا على التعاطي العربي والصهيوني والأمريكي مع القضايا المتعلقة بالحقوق. وهنا يمكننا إيراد بعض التفصيل كما يلي:
أولًا: غياب أي موقف عربي مساند للبنان وهو بلد عربي وعضو بالجامعة العربية، في استعادة حقوقه وحدوده وثرواته، على الرغم من بيانات الجامعة العربية الثابتة والمكررة في كل اجتماع عن الجزر الإماراتية وهي المحسوم قانونيًا سيادة إيران عليها، ولكن حينما يتعلق الأمر بالعدو الصهيوني، فلا حديث عن حقوق عربية!
ثانيًا: على مستوى التعاطي الصهيوني والأمريكي، نرى تحركات سريعة حتى لو كانت مخادعة، وهو ما يعني بشكل مباشر لا يقبل الجدل ولا التشكيك، بجدية المقاومة ونجاحها في بلورة القضية وطرحها بشكل جدي، وللجميع أن يتخيل الوضع في غياب مبادرة المقاومة، حيث كانت الأمور ستسير باتجاه بدء التنقيب الصهيوني ونهب ثروات لبنان دون زيارات ولا تحركات، بل وربما بلا اخطارات للجانب اللبناني!
ويبقى ملف “كاريش” شاهدا أيضا على المعضلة الأمريكية والصهيونية، والتي سببها الرئيسي هو شجاعة المقاومة وجرأتها والتي أربكت العدو ووضعته أمام استحقاقات داخلية ودولية، مفادها عدم السماح له بترويج تفوقه وأسطورته بالإقليم أو بالداخل، حيث أصبح مطالبا بكشف حجمه الحقيقي، وهل هو مطلق اليد في النهب والتخويف والردع، أم أنه محدود ومردوع أمام المقاومة وصمودها وثباتها وإقدامها على استعادة الحقوق.
وهنا لا بد من القاء الضوء على بعض النقاط الهامة في هذا الملف:
1- على المستوى اللبناني، هناك اجماع رسمي إيجابي على الحقوق، ولكن هناك سلبيات خطيرة تتعلق بالقوى السياسية ورهاناتها العابرة للمصالح الوطنية، والتي تمارس النكايات وربما تفضل الإرجاء لما بعد استحقاقات الداخل والتي تريد نزع الملف عن أي انجاز أو فضل للمقاومة، رغم أن المقاومة أعلنت أنها بمثابة القوة الضاغطة والدافعة للإنجاز ولا تريد شكرا أو جزاء من أحد.
2- على المستوى الأمريكي، هناك سياسة عامة موروثة من عهد كيسنجر وربما من قبله، وهي الاحتفاظ الأمريكي بكلمة الفصل في الملفات الكبرى والقضايا العالقة والشائكة، وهو ما يجعل أمريكا تتشبث بدور الوسيط وصاحب العقدة والحل، وهي تراوغ لعدم تحقيق أي ضرر لحليفها الصهيوني وأي منفعة للبنان والمقاومة، ولكن لها سقف في المراوغة لا يصل إلى سد المنافذ وافشال التفاوض حتى لا تفقد هذا الدور ولا تفقد مقود المفاوضات.
وهذه الحالة والسياسة الأمريكية هي السبب وراء طول أمد التفاوض والفخاخ المستمرة والنقاط العالقة، وهي سبب الاعلان عن التفاؤل بشكل دائم للاحتفاظ بالدور والاستمرار بالمماطلة.
3- على المستوى الصهيوني، العدو وتاريخه لا يخدمان فكرة التنازل عن أي مغتصبات بشكل سلمي أو تفاوضي، وكل ما تم انتزاعه من العدو كان عبر الميدان وبالقوة. وهنا لا يجب الإفراط في التفاؤل الذي تحاول بعض وسائل الإعلام اللبنانية تسييده، لأنه مقدمة لتحميل المقاومة الخطأ في حال الوصول لنقطة الصدام مع العدو.
4- لا ينبغي التركيز مع وسائل الإعلام الصهيونية والمتعددة المشارب والمسيسة، لأنها تأتي بتقارير متضاربة، تارة توحي بحسم الملف سلميًا، وتارة أخرى توحي بالمواجهة الحتمية، وهي موجهة للداخل الصهيوني المشتت والذي يعاني من الخلافات والانشقاقات السياسية والاختلاف على طريقة التعاطي مع ملف كاريش، كما أنها موجهة ضد بيئة المقاومة، لإشاعة حالة من البلبلة، لا يستطيع معها جمهور المقاومة التماسك والتوحد والاستعداد الكافي لجميع الاحتمالات.
وهنا من الواجب على بيئة المقاومة الاستماع والانصات لرسائل المقاومة ووسائلها وخطاباتها والتي قالت كلمتها بوضوح يقطع الطريق على أي بلبلة، وهو أنها تستعد لجميع الاحتمالات مطالبة الجميع بالثقة في قدراتها وجهوزيتها وأنها لن تسمح بإضاعة الفرصة والتي قد تكون الأخيرة لإنقاذ لبنان من الانهيار.
صدرت رسالة من صحيفة “اسرائيل اليوم” على لسان مسؤول مجهول، وهي ربما تعبر عن مضمون الرسالة الصهيونية التي تريد إرسالها للمقاومة وجمهورها، حيث قال هذا المجهول:
“نحن نراقب وتبقى سياستنا سارية: سنبدأ في استخراج الغاز من كاريش بمجرد اكتمال الاستعدادات وأي هجوم على منصة حفر الغاز سيؤدي إلى رد إسرائيلي… على الرغم من التقدم، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به وعلى الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار… الحكمة التقليدية في “إسرائيل” هي أن لبنان يرغب في التوصل إلى تسوية مع “إسرائيل”، لكن حزب الله هو الذي يحاول العجلة في أي صفقة، والأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصر الله، يود أن ينسب الفضل إلى أي تنازلات يحصل عليها لبنان في إطار المحادثات. وهناك احتمال أن يبحث عن ذريعة للمواجهة مع “إسرائيل”، ربما بسبب تعليمات إيرانية، ولكن أيضًا لاعتباراتها الداخلية” حسب زعمه.
هنا ينبغي كشف الخطط الصهيونية التي توحي بأن التأجيل لأسباب فنية وليس خوفًا من المقاومة، وتحاول وضع اسفين بين المقاومة والشعب اللبناني، بل وبين فريق التفاوض اللبناني، وتحاول بث دعايات بأن المقاومة تعمل لمجد شخصي وبتعليمات إيرانية، ولو راقبنا سلوك بعض وسائل الاعلام الخليجية واللبنانية، سنرى أنها تخدم ذات الفكرة، وبالتالي هي تعليمات وتعميمات استخباراتية اسرائيلية تكشف الكثير من المتعاملين مع العدو أو على الأقل من المتقاطعين معه.
ولكن على الأرض وفي الميدان فإن المقاومة حسمت خطابها وخيارها الوطني ويدها على الزناد بانتظار الموقف النهائي من العدو، مع ملاحظة أن المماطلة والتسويف تعني في قاموس المقاومة موقفا نهائيا.