تصعيد للتراجع أم مقدمات حرب كبرى ؟
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
تشير التطورات المتلاحقة على الحدود التركية السورية إلى حالة من التأزم والتصعيد يترتب عليها اختبار قوة جديد للتوازنات والمعادلات الدولية والإقليمية المتصلة بالأحداث السورية والمتشابكة بها.
أولا: يبدو واضحا أن الهجوم الذي شنته العصابات الإرهابية في سورية وصل إلى حافة الفشل النهائي والتفجيرات الانتحارية التي شهدتها مدينة حلب كانت تعبيرا عن مأزق العصابات وعجزها أمام صلابة المقاومة التي أظهرها أبناء حلب وقوات الجيش العربي السوري منذ بدأ تدفق الإرهابيين متعددي الجنسيات إلى المدينة ومراهنة الحلف التركي الخليجي على تحقيق ضربة نوعية للدولة السورية بدعم من الولايات المتحدة ودول الناتو.
ما جرى في حلب يوم أمس يقود إلى الاستنتاج بشكل واضح أن العصابات الإرهابية باتت في وضع حرج وهي ذهبت إلى الانتقام الجماعي عبر سلسلة من التفجيرات الانتحارية لأنها عاجزة عن تحقيق أي انجاز في الميدان.
ثانيا: الدور التركي المباشر في التفجيرات الإرهابية في القامشلي وحلب ودمشق معروف وظاهر وكذلك الاحتضان التركي للعصابات الإرهابية التي أدخلت إلى سورية واردوغان الغارق في مأزق حقيقي بنتيجة تورطه في سورية يهرب إلى الفرقعة الإعلامية والعنتريات الصوتية وهو مجددا يشتغل على طريقة “ضربني وبكى” ويحتمي بالحلف الأطلسي بمناسبة حادث حدودي ليس ما يثبت حتى الآن أن المخابرات التركية ليست هي من دبره فهي التي تدير عددا من الجماعات الإرهابية الموجودة داخل الأراضي السورية على مقربة من خط الحدود مع تركيا وهذا واقع قائم ومستمر منذ معركة جسر الشغور قبل أكثر من سنة.
ثالثا: يبرز احتمالان في مآل الأحداث المتسارعة ومع التحرش التركي بالاعتداء على الأراضي السورية:
الاحتمال الأول ان تكون عمليات التحرش المدبرة بعد إفلاس العصابات الإرهابية وعجزها مقدمة لشن حرب عدوانية من قوات الناتو ضد الدولة السورية وهذا ما يطرح احتمال الذهاب إلى الانفجار الكبير وفي حساب توازن القوى فإن للدولة السورية وحلفائها قدرة كبيرة على ردع أي اعتداء، ونتائج العدوان الأطلسي في انعكاسها داخل سورية ستكون تعظيما لحالة الالتفاف حول الجيش والدولة والرئيس بشار الأسد ، خلافا لما يراهن عليه المخططون واحتمالات تطور المواجهة إلى إشعال أكثر من جبهة إقليمية سواء من خلال تحرك الحليف الإيراني أو روسيا والصين أو المقاومة لردع حلف العدوان في أكثر من مكان سيبقى أمرا واردا في تداعيات أي خطوة عدوانية يتخذها الناتو ضد سورية انطلاقا من تركيا أو غيرها وبالتالي فستكون العملية التي ينفذها اردوغان بمثابة فتح علبة باندورة الشهيرة التي يستحيل إغلاقها وإعادة حبس قوى الشر والحرب داخلها.
الاحتمال الثاني أن تكون عملية التأزيم المتعمدة من الجانب التركي مقدمة لبحث دولي إقليمي متعدد الأطراف يؤمن مخرجا لائقا لاردوغان من ورطته السورية تحت عنوان منع الانفجار الإقليمي والتداول السياسي والدبلوماسي الأميركي الروسي يمكن أن يتداخل أيضا مع دور إيراني في الاتصالات وبالتالي فان التصعيد الحدودي قد يثمر بحصيلة التداول الدولي والإقليمي تفاهما يقود إلى إخراج الانكفاء التركي بحيث لا يبدو اردوغان مهزوما أمام الرأي العام التركي ويكون قد استثمر عنترياته لإيجاد المخرج ليس إلا ، لأن في صلب التداول المحتمل وضع ضمانات دولية و إقليمية لوقف تدفق السلاح و المسلحين و الأموال عبر الحدود السورية من جميع دول الجوار و هذا بذاته ما قد يكون غطاء لتراجع الولايات المتحدة و سائر دول حلف العدوان على سورية.
رابعا: ان ما يدعونا إلى التشديد على وضع احتمالات العدوان في الحساب هو التحذيرات الروسية التي صدرت مؤخرا وهي بالتأكيد مبنية على معلومات بشأن ما يطبخ في كواليس الناتو ضد سورية وبالتالي فإن على جميع القوى والحكومات الوطنية الحرة في المنطقة والعالم أن تستعد لمواجهة احتمال تعرض سورية لعدوان أطلسي.
إن سورية تستهدف من قبل حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة بسبب ما تمثله في منطقتنا كقوة استقلال وحرية مناهضة للهيمنة الاستعمارية وللصهيونية وداعمة لحركات المقاومة وبوصفها جزءا أساسيا من الحلف العالمي المناهض للهيمنة الأميركية وبالتالي فان جميع أحرار العالم والمنطقة يواجهون اختبار الحقيقة في موقفهم من أي عدوان على سورية ولا مجال هنا لأنصاف المواقف بأي ذريعة كانت بعدما أسقطت قيادة سورية وشعبها جميع الحجج والذرائع البالية التي سوقها حلف العدوان عبر منصته الإعلامية منذ بداية الأحداث إنها قضية صراع بين خيار الاستقلال والمقاومة وبين قوى الهيمنة والاحتلال وكل شيء آخر يقال ويحكي ليس إلا لذر الرماد في العيون.