تحليل الكاميرات مستمر… تفجير السفارة: «إبحث عن توفيق طه»
صحيفة السفير اللبنانية –
جعفر العطار:
مساران يسلكهما التحقيق لدى الجيش و«فرع المعلومات» في شأن تفجيري السفارة الإيرانية: الأول تقني، يعتمد على مراقبة سيارة الـ«شيفروليه- بلايزر» التي فجرها الانتحاري عدنان المحمد، بالإضافة إلى ملاحقة مسالك الانتحاريين، والثاني استعلامي يستند إلى جمع المعلومات وتحليلها في ما يتعلّق بالجهة المخططة والمنفذة، والمساعدة.
المسار الأول صعب، بقدر الصعوبة التي واجهها «فرع المعلومات» خلال جمع كاميرات المراقبة المتعلقة بتفجيري طرابلس، إذ تم تفريغ وتحليل محتوى أكثر من مئتي كاميرا خلال 28 يوماً قبل بلوغ النتيجة النهائية.
يوضح ضباط مخضرمون في الجيش آلية البحث عن السيارة المفجرة في بئر حسن، بعبارة مقتضبة: «مثل البحث عن إبرة في غابة».
مع ذلك، يقول الضباط المعنيون إن «الخطوات الأولى في رصد السيارة ومتابعتها، تبدو صعبة: شاهدنا في صوَر الفيديو العشرات من طراز السيارة ذاتها تسير في شوارع متعددة. وحين نشتبه بسيارة معيّنة، نواجه صعوبة في ملاحقتها بسبب عدم وجود كاميرات في الشارع الثاني أو الثالث».
لدى أحد الأجهزة الأمنية المحترفة، ثمة فريق متخصص بـ«تفريغ وتحليل واستثمار الكاميرات». الفريق مقسم إلى مجموعتين، تتناوب كل منها على الجلوس أمام 63 شاشة من نوع «آبل»، مهمتها محصورة بالاطلاع على محتوى الكاميرات: «مع ذلك، لا يوجد في لبنان برنامج تقني يستطيع دمج الصوَر المطلوبة أثناء رصد السيارة المشتبه بها»، يقول مرجع أمني لـ«السفير».
أما المسار الثاني، المعروف أمنياً بـ«الاستعلامي»، فيبدو حتى الساعة، وفق إفادات ضباط مخضرمين، مدعوماً بالتكهنات أكثر من المعلومات: «بعد تحديد هوية الانتحاريين، اكتشفنا كيف تم بيع وشراء السيارة وأي طريق سلكت إلى يبرود السورية، ثم انتقلنا إلى مرحلة استعلامية في شأن الانتحاريين، تعتمد على التحري عن ارتباطاتهما وتاريخهما، ثم قمنا بتحليل ما توافر لدينا من معلومات مؤكدة».
بعد ذلك، يضيف ضباط معنيون، تم رسم صورة أوّلية لأبرز التنظيمات المتهمة في ضلوعها بالتفجيرين. «التحليل السهل والبديهي يكمن في اتهام الشيخ أحمد الأسير، بسبب ارتباط الانتحاريين بأفكاره وتعاطفهما مع حركته. لكن المعطيات المتوافرة تؤكد أن الأسير أضعف من عملية مماثلة».
يتكتم بعض الضباط المعنيون في التحقيق، عن التوسّع في المعلومات المتعلقة بمعطيات أمنية تتعلق بالقيادي في «كتائب عبد الله عزام- سرايا زياد الجرّاح» أبو محمد توفيق طه، متوقفين عند عبارة واحدة: «عملية السفارة تحمل بصمات هذا الرجل. نحن نعرفه جيداً، ونعرف كيف يعمل بصمت واحتراف. منذ أشهر، حذّرنا المعنيين منه».
وفي تلك الأشهر، نقل الضباط تقارير أمنية عن نشاط طه وأمير «الكتائب» السعودي ماجد الماجد، تتحدث عن أعمال إرهابية يحضرها التنظيم بالتنسيق مع «القاعدة»، تستهدف الجيش و«حزب الله». لكن «الجواب كان يأتينا كالتالي: ماذا نستطيع أن نفعل بما أن طه موجود في مخيم عين الحلوة؟ وما الضمانة بأن تقاريركم الأمنية دقيقة؟ المخبرون لا دين لهم».
إلا أن عبارة واحدة من جهازي المخابرات الأميركية والفرنسية قلبت المعادلة: «تأكد لدينا من خلال وسائل التنصت أن أصوليين في لبنان يجهزون لأعمال إرهابية» أبلغ الجهازان الأجنبيان «فرع المعلومات»، ثم نقل المعنيون في الفرع المعلومة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية في الساعة ذاتها.
كان الجيش، قبل المعلومة الغربية وبعدها، يعمل على رصد شبكات تكفيرية مقسمة إلى مجموعات متفرقة. وتمكن خلال أيام قليلة من توقيف أشخاص غير لبنانيين كانوا يجهزون لعمليات إرهابية في البقاع والضاحية.
ورصدت مخابرات الجيش، وفق معلومات «السفير»، وصول وفد من «القاعدة» إلى مخيم عين الحلوة، قبل اشتداد معركة القصير، يضم عابد المصري ومصعب العمري وجهاد المغيمس. كانت مهمة الوفد واضحة: وضع خطة واضحة للتمويل والتجنيد والتخطيط والتنفيذ، ونقل مطالب طه إلى القيادي في تنظيم «القاعدة» إحسان المغالي.
يقول ضباط معنيون إن طه أصرّ أمام الوفد على ضرورة إبعاد اسمه عن أي عملية، نظراً لحساسية مخيم عين الحلوة وكي لا تفتح الفصائل الفلسطينية المعنية «النار السياسي» عليه. وإذا كانت هذه المعلومة غير موثّقة بل تستند إلى مخبرين، إلا أن البيان الرسمي الصادر عن «كتائب عبد الله عزام» قبل تفجير السفارة الإيرانية بعشرين يوماً، بدا واضحاً: «تهديد باستهداف مصالح إيران وحلفائها في لبنان».
لكن البيان الرسمي، ثم تبنّي القيادي في «الكتائب» سراج الدين زريقات عملية التفجير في اليوم ذاته قائلاً إن المنفذين «لبنانيين من أهل السنّة»، لم يذكرا «سرايا زياد الجرّاح» التابعة لطه، بل تم حصر العملية بـ«سرايا الحسين بن علي».
زريقات شيخ لبناني. الانتحاريان لبنانيان (أحدهما فلسطيني الأصل). أفكارهما متعاطفة مع الأسير. زريقات يقول إن «سرايا الحسين بن علي» هي المنفذة. «الكتائب» هددت قبل عشرين يوماً. «سرايا الجرّاح» متوارية. بذلك، يتم إبعاد طه عن الصورة.
«في الأمن ثمة بصمات لا تخطئ. بصمات طه موجودة في تفجير السفارة الإيرانية» يقول ضباط معنيون، ويضيف أحدهم: «الجهة المخططة للعملية، تعمدت أن تدلّنا على الفندق الذي مكث فيه الانتحاريان، ثم من هناك أخذتنا إلى محل الهواتف الخلوية، ومن المحل إلى صورة اللبناني معين أبو ضهر. هذا أسلوب شخص اسمه توفيق طه».