الخليج الإماراتية ـ ثقافة
يرجع بعض الدارسين تاريخ العولمة إلى فترات قديمة تقدر بنحو خمسة قرون، حيث يعتقدون أنها بدأت باجتياح الإسبان للأندلس، ومن ثم اكتشاف جغرافية القارات لاسيما أمريكا وأستراليا، وما تبعه من إراقة دماء السكان الأصليين كما حصل مع الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، مرورا بمجيء الثورة الصناعية، وتقدم الغرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً .
وقد ساق المثقفون الحداثيون عبر تفسيرهم لمفهوم العولمة أمثلة كثيرة لها، لعل أبرزها ما فسر انتشارها السريع في ضوء الفرز الحاد في القوة بمفهومها التوحشي، والتي قسمت العالم إلى محورين واضحين شمالي وجنوبي، الأول يتحكم بمصير الثاني ويحدث خلخلة في بنية نظامه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي .
غير أن ما هو لافت في مقاربة تاريخ العولمة، هو ذلك الكتاب الذي صدر في عام 2008 تحت عنوان “قبعة فيرمير: القرن السابع عشر وفجر العولمة” للبريطاني تيموثي بروك المتخصص في تاريخ الصين، ونقله للعربية الدكتور شاكر عبد الحميد عن دار “كلمة” في أبوظبي .
والكتاب مثير لجهة تأكيده الجانب الفني التشكيلي واعتباره مرجعاً موثوقاً يمكن الاستناد إليه في التأريخ لعولمة، عبر نقد ثقافي ينقل قارئه زمانياً إلى القرن السابع عشر ومكانياً إلى هولندا، حيث يرجع لمدينة دلفت بالتحديد مكان مولد فنان الضوء فيرمير الذي يصفه المؤلف بأشهر فناني الضوء في تاريخ الفن التشكيلي بعامة، ويشير الكتاب إلى القرن السابع عشر بوصفه بداية عصر العولمة، حيث هناك إشارة مهمة لتجارة اللوحات والخزف والفراء والمنسوجات وصناعة السفن وتجارة التبغ وعمليات التبادل الثقافي والحروب والصراعات الكبرى التي دارت هنا وهناك، والتي استهلت الحقبة الاستعمارية الكبرى في تاريخ البشرية .
ثمة ما يؤكد أهمية هذا الكتاب باستعراض لغته الأصلية وهي الإنجليزية التي يشير المترجم إلى أنها “جاءت زاخرة بالاستعارات والتشبيهات والأبيات الشعرية والإشارات الثقافية، إلى الشرق تارة وإلى الغرب تارة أخرى”، كما انعكس ذلك في ترجمة الكتاب إلى العربية التي تؤكد قدرة د . شاكر عبدالحميد وتميزه، وحيث جاءت لغة الترجمة في مستويين: كلاسيكي حيناً ومعاصر حيناً آخر، فبدت المفردات والتعبيرات وأسماء الأعلام الصينية والغربية وغيرها حاضرة بقوة عبر نص الكتاب الممتع .
ثمة إشارة مهمة في الكتاب إلى تأثر الفنان الهولندي فيرمير الذي عاش بين 1632 و1675 واستعان بتقنيات الخداع البصري والغرف المظلمة، بالعالم والفيلسوف المسلم الحسن بن الهيثم .
هو أحد الكتب المتميزة من حيث تقديم مسوغات ثقافية وفنية، ويمكن اعتبارها سنداً بالغ التأثير في استعراض بدايات العولمة من وجهة نظر فنية، ومن خلال لوحات فيرمير ومفرداتها كالفضة والقبعات والكؤوس وأطباق البورسلين والخرائط وغيرها .