بين الكتائب والقوات… حرب إلغاء دائمة
صحيفة البلد اللبنانية ـ
كبريال مراد:
بين معراب والصيفي، لا تبدو العلاقة “سمن ع عسل”. في مقاربة الحزبين لهذه الايام، يبقى الماضي حاضراً في كل حين. فالقلوب مليانة، من زمن محاولات “الالغاء المتبادل” بين امين الجميل وسمير جعجع. يتذكّر الكتائبيون أن جعجع نفسه لا سورية، من اجبر رئيسهم على ترك لبنان هرباً من التهديدات القواتية، لينسحب تعاطي “الحليفين اللدودين” مع الملفات الراهنة في تظهير غياب الكيمياء بينهما.
نهاية الأسبوع الماضي، كان المشهد فاقعاً عبر وسائل الاعلام…في التوقيت نفسه، قداس في معراب وآخر في بلدة طبرية الكسروانية، واحد للقوات اللبنانية، والثاني لحزب الكتائب. لم يرغب فتى الكتائب وشباب القوات في الصلاة معاً على الشهداء، وكأن كل طرف يسعى الى أن يقول إنه “أم الصبي” والوريث الشرعي للتضحيات.
من يجلس في حضرة مناصري الحزبين، يسمع انتقادات لاذعة من كل منهما تجاه الآخر في مقاربة مواضيع الساعة. هناك من يتهم سامي الجميل بأنه انتقل من البطولات الاعلامية في زمن الوصاية السورية، الى المزايدات السياسية راهناً من تحت قبّة الرلمان. في حين يتهم الكتائبيون القوات بالغرق في بحر المستقبل من دون القدرة على القول لا.
يقول القواتيون إن القيادة الكتائبية خدعتهم عشية تأليف حكومة تمام سلام، وان معراب تلقّت وعوداً من الصيفي بعدم الدخول الى الحكومة الاّ الكتف على الكتف مع وزراء القوات. لكن المفاجأة كانت عند ساعة الحسم، حيث أكل الكتائبيون من صحن القوات وخرجوا بحصّة من ثلاثة وزراء، ولم يتركوا للقوات الاّ السباحة وحدهم في بحر المعارضة.
مبادرة السنيورة…تقصي الجميل
في الأسابيع الماضية، تولّدت قناعة لدى مجموعة من الرابع عشر من آذار بضرورة السعي الى كسر الحلقة المفرغة. وخلف ابواب موصدة، هناك من تحدّث عن ان مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي لا تقع على العماد ميشال عون والثامن من آذار فقط، وانه لا يمكن لفريقهم السياسي ان يغسل يديه من حال المراوحة الحاصلة للاسباب التالية: فترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية بات بلا افق. فالحكيم غير قادر على تأمين النصف زائد واحد من اصوات النواب، مع التسليم جدلاً اصلاً بأن دخول 86 نائباً الى تحت قبة البرلمان لتأمين وصوله الى موقع الرئاسة، هو من سابع المستحيلات. من هنا، يتحدّث المواكبون للاتصالات التي كانت قائمة عن محاولات جدّية جرت لسحب ترشيح جعجع، ومحاولة الالتقاء في منتصف الطريق مع الطرف الآخر.
ومع تمسّك المجموعة المفكّرة بصوت عال بمرشّح من الرابع عشر من آذار، هناك من طرح اسم رئيس حزب الكتائب امين الجميل. وتشير المعطيات الى أن الجميل نفسه كان قد جسّ نبض الحلفاء والخصوم حول هذه النقطة، في مسعاه للخروج من الظل الى الضوء مجدداً. لكن المفاجأة كانت في أن رياح اصحاب التأثير داخل فريق الرابع عشر من آذار قادت السفينة الى مكان آخر. وهكذا، نجح جعجع مجدداً، بعلاقته الوثيقة بجناح السنيورة ومتفرعاته المحلية والاقليمية، في الاحتفاظ بأفضلية المرشح الأوحد. وقبيل دقائق من اعلان “مبادرة” 14 آذار من المجلس النيابي، عقب الجلسة الحادية عشرة غير المنعقدة لانتخاب الرئيس، سوّق نواب القوات أن المؤتمر الصحافي سيقتصر على حضور السنيورة والنائب جورج عدوان فقط. وما كان من عدوان الاّ أن ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد في كلمته. لطّش تيار المستقبل بقوله إن الموقف تجاه اي خطوة او مبادرة او مسعى لا يتخذ في شكل فردي، انما يخرج عن الرابع عشر من آذار مجتمعة. ابتسم احد نواب القوات داخل القاعة وقال لاحد الاعلاميين الواقفين الى جانبه “قولك سمع الشيخ امين؟”.
بعيد المؤتمر، قصد النائب ايلي ماروني ان يقول للاعلاميين ان الجميل مرشح طبيعي ومستمر للاستحقاق الرئاسي.
في الوقائع، يبدو حزبا الكتائب والقوات كمن يتحيّن الفرصة للتمريك على الآخر. يعيشان في تنافس مستمر وفي تناتش للحصص، في الوزارة والنيابة والادارات العامة. ينظر الكتائبيون الى القوات في مكان ما بنظرة فوقية، انطلاقاً من انهم الحزب الأم الذي خرجت القوات من رحمه. وتنظر القوات الى حزب “الله والوطن والعائلة” على انه حزب الشخص الذي لم يتطوّر، فيما ترى نفسها “المؤسسة نحو المستقبل” التي لن تشيخ.
يقول كتائبي قديم إن جعجع ينطلق في تعاطيه مع حزب الكتائب من نظرة مسبقة لا تحترم البيوتات السياسية والاقطاعية. يعود الى بداية التسعينات، يوم سعى جعجع الى الوصول الى رئاسة حزب الكتائب، قبل ان يخسر امام جورج سعادة. اراد توحيد الحزبين تحت قيادته، فتذوب الكتائب بالقوات، وتكون النهاية الحزبية لتجربة آل الجميل. وما لم ينجح فيه بسلوك المسار الحزبي، يحاول تكراره بالمنحى السياسي.
هو غيض من فيض…ومن يراقب تاريخ وعلاقة الحزبين، يخرج بانطباع مفاده انه بين فتى الكتائب وشباب القوات، حرب الغاء دائمة، كانت في سنوات الحرب بالانقلابات والانتفاضة، وتحوّلت اليوم الى السياسة، من دون ان تخسر حدّيتها يوماً.