بوتين.. رجل المفاجآت فماذا عن سوريا؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
استنفر بوتين كل إمكاناته في دعم إردوغان في مجالات متعددة، بهدف إقناعه بضرورة المصالحة مع الرئيس الأسد، وطلب إلى ابن سلمان وابن زايد الدخول على خط هذه المصالحة.
بعيداً عن كل ما حققه أو ما لم يحققه في الحرب الأوكرانية في شهرها الثامن، فلقد نجح الرئيس بوتين في الرد على التفوق الأميركي في أوروبا بانتصارات تكتيكية في الشرق الأوسط، عبر التنسيق والتعاون مع “المحمدين” (ابن سلمان وابن زايد)، واتخذا معاً موقفاً موحداً في مواجهة الضغوط الأميركية لزيادة الإنتاج في الاجتماع الأخير لمنظمة “أوبك +”.
كان ذلك كافياً لفتور ثم لتوتر جديّ بين واشنطن والرياض، التي كانت على حق في موقفها، لأن الرئيس بوتين هو الوحيد الذي وقف إلى جانب ابن سلمان عندما كان “منبوذاً” خلال قمة العشرين في أوساكا في حزيران/يونيو 2019، أي بعد 8 أشهر من جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
كما لا يمكن لابن سلمان أن ينسى موقف الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه رئيساً لأميركا، بحيث كشف تفاصيل الملف السري للتحقيقات الأميركية الخاصة بالجريمة.
كان الاستقبالُ الفاتر للرئيس بايدن في جدة خلال زيارته لها في 15 تموز/يوليو الماضي ردَّ الفعل الأول من ابن سلمان على سياسات واشنطن التي لم تضع في الاعتبار السلطة الحقيقية لابن سلمان بعد أن تخلص من جميع منافسيه داخل الأسرة الحاكمة، وهو ما أثبته عبر إعلان نفسه رئيساً للوزراء وتعيين شقيقه خالد وزيراً للدفاع، وهو ما سيجعل منه ولياً للعهد بعد أن يعتلي شقيقه العرش خلفاً لوالده.
أمّا فيما يتعلق بالإمارات، فحالها حال السعودية، فلقد حققت، وما زالت، أرباحاً هائلة من مبيعات البترول والغاز بعد ارتفاع أسعارهما بسبب الحرب في أوكرانيا، والفضل في ذلك لروسيا.
يضاف إلى ذلك نشاط ما لا يقل عن 3 آلاف شركة روسية في الإمارات، التي يقال إنها استقبلت المليارات من الدولارات التي هربت من روسيا والأسواق العالمية في بداية الحرب الأوكرانية.
كما أن الدور الإماراتي “الوسيط”، على صعيد التحركات الإقليمية، يرى فيه الرئيس بوتين عنصراً مساعداً لتحركاته الشرق أوسطية مع استمرار محاولته جمع الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب إردوغان، في قمة تحقق له معظم أهدافه، وخصوصاً إذا حظيت هذه القمة أو ساهمت فيها الرياض وأبو ظبي، وهو ليس مستبعداً أبداً، وفق معلومات ما خلف الكواليس في أنقرة.
يفسر ذلك الزيارة المفاجئة التي قام بها إبراهيم كالين، المتحدث باسم إردوغان، لجدة في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، وبالتالي المكالمة الهاتفية بين إردوغان ومحمد بن زايد، الأحد الماضي (16 تشرين الأول/أكتوبر) بعد يوم من لقاء الرئيس بوتين وإردوغان في أستانة، وحديثهما عن إنشاء مركز دولي في تركيا لتوزيع الغاز الروسي.
عدّ كثيرون ذلك “رشوى ذكية” من بوتين لإردوغان، الذي يستعد لانتخابات الرئاسة في ظروف اقتصادية ومالية صعبة جداً. وقدّر البعض حجم مثل هذا الاستثمار، في المديين المتوسط والبعيد، بنحو 50 مليار دولار ستساعد إردوغان على حل معظم مشاكل أنقرة الداخلية، وتجعل تركيا دولة مهمة جداً في كل المعطيات الاستراتيجية في حال إنشاء مثل هذا المركز، وهو يحتاج إلى تقنيات عالية موجودة في اليابان وألمانيا.
فتركيا، التي تستورد نحو 45% من استهلاكها من الغاز من روسيا عبر أنبوبين، أحدهما يتابع طريقه إلى اليونان ومنها إلى أوروبا، يصل إليها أيضاً أنبوب ثالث ينقل البترول الأذربيجاني، ويتم إنشاء آخر موازٍ له لنقل الغاز، ولاحقاً التركمانستاني والكازاخستاني أيضاً.
يضاف إلى ذلك أنبوب رابع ينقل الغاز من إيران، وخامس ينطلق من كركوك إلى ميناء جيهان المطلّ على الأبيض المتوسط، ينقل البترول العراقي والبترول الكردي، وقد يكون إلى جانبه أنبوب آخر لنقل الغاز الكردي، ولكن الأهم الغاز القطري.
في الوقت نفسه، استنفر إردوغان كل علاقاته لإقناع “تل أبيب” لنقل الغاز الإسرائيلي إلى ميناء جيهان، ليشجع ذلك قبرص ومصر، ولاحقاً لبنان، على المساهمة في هذا الأنبوب، الذي يريد له إردوغان أن يجعل تركيا الدولة الأهم اقتصادياً، وبالتالي سياسياً، على الصعيدين الإقليمي والدولي. ودفع ذلك إردوغان إلى المصالحة مع السعودية والإمارات والكيان الصهيوني (منظمات اللوبي اليهودي في أميركا)، ولاحقاً مصر.
ويعرف الجميع أن العلاقة بالرئيس بوتين كانت وما زالت العنصر الأهم، الذي جعل الرئيس إردوغان الأكثر قوة في تكتيكاته الذكية، بعد أن رفض التزام أي من العقوبات الأميركية والأوروبية (وصل اليوم إلى أنقرة وفد أميركي من
أجل البحث في هذه الامور)، واستمر في علاقاته الوطيدة بصربيا وهنغاريا، الدولتين الحليفتين لموسكو في أوروبا، على الرغم من استمرار بيعه المسيّرات لكييف.
وجاء الحديث عن مباحثات روسية – تركية لبناء مفاعل نووي جديد قرب مدينة سينوب، على البحر الأسود، ليدعم علاقات التنسيق والتعاون، إن لم نقل التحالف، بين أنقرة وموسكو، التي تستمر في بناء 4 مفاعلات جنوبي تركيا، على الأبيض المتوسط.
استغلّ إردوغان كل هذه المواقف الروسية الإيجابية بالنسبة إليه من أجل الاستمرار في سياساته المعروفة في سوريا وليبيا والعراق، في ظل غياب الاهتمام العربي الذي قد تتضح ملامحه بعد القمة العربية التي ينتظر إردوغان نتائجها بفارغ الصبر، إذ سيقرر حينها إذا كان سيصالح الرئيس الأسد أم لا، ويتفق مع السيسي على مشروع مشترك لمعالجة الأزمة الليبية، وخصوصاً بعد الاتفاقية الأخيرة بين طرابلس وأنقرة، ويسعى إردوغان من خلالها للحصول على حصة الأسد في الغاز والبترول الليبيين، من أجل نقلهما إلى تركيا، إن لم ينجح في مخططاته لمد أنابيب مشتركة مع إيطاليا إلى أوروبا، وهو ما يبحث فيه مع روما منذ فترة طويلة.
يحدث كل ذلك في الوقت الذي يبحث الرئيس بوتين مع شريكيه الجديدين، اي ابن سلمان وابن زايد، في عدد من المشاريع المشتركة في مجال الطاقة، أي البترول والغاز والبتروكيماويات والصناعات الاستراتيجية، مع مباحثات جادة لبيع أس – 400 للرياض وأبو ظبي والقاهرة، حليفة “المحمدين”.
وسيكون ذلك السبب الآخر في جنون واشنطن، التي يبدو واضحاً أنها ترى أميركا “حديقة رائعة وتعدّ سائرَ دول العالم أدغالاً تسرح وتمرح فيها الفيلة الأميركية”، وهو ما تحدث عنه، بصيغة أخرى، مفوض الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل.
وآخر مثال على ذلك هو حديث الرئيس بايدن بغباء عن باكستان، بحيث توقع لها ان تكون “أخطر دول العالم لأنها تملك السلاح النووي، وهي دولة غير متماسكة”، ناسياً أن واشنطن هي التي أطاحت رئيس الوزراء عمران خان، وجاءت بالحكومة الحالية بسبب علاقة خان بموسكو.
ويبقى السؤال الأخير والأهم في مجمل هذه المعادلات، وهو: هل سيضحّي بوتين بسوريا من أجل حساباته المصلحية مع إردوغان، ما دام خيار المواجهة المسلحة غير وارد في سوريا أو القوقاز، بل ليبيا. وربما، بسبب هذا السؤال، استنفر بوتين كل إمكاناته في دعم إردوغان في مجالات متعددة، بهدف إقناعه بضرورة المصالحة مع الرئيس الأسد، وطلب إلى ابن سلمان وابن زايد الدخول على خط هذه المصالحة، التي إن لم تتحقق فالعودة إلى نقطة البداية لن تكون مستبعدة، في ظل المعطيات المتغيرة يومياً بعد سيطرة “النصرة” على عدد من مناطق الشمال السوري، بما فيها عفرين الاستراتيجية، التي سيطر عليها الجيش التركي بدايات عام 2018 بالتنسيق والتعاون مع مسلحي ما يسمى “الجيش الوطني السوري”، الذي تأسس في أنقرة، وكان ذلك في إطار عملية غصن الزيتون. ويبدو أن أنقرة مدت “هذا الغصن” إلى “النصرة”، من دون أن يدري أحد لماذا فعلت ذلك، مع التذكير بأن الآلاف من إرهابيي هذا التنظيم من أصول شيشانية وتركستانية صينية، وهم مصدر القلق الجدي بالنسبة إلى بوتين، حليف إردوغان!