بن لادن يتقلب في “بحره”
حسام مطر ـ
مقال خاص بمدونة الكاتب:
ينشغل السلفيون الجهاديون خلال السنوات الأخيرة في تكريس عدائهم وهجماتهم على “الشيعة” أو بالمعنى السياسي على إيران والمقاومة وسوريا, وذلك بتأثير مباشر من السعودية, كما أكد على ذلك سيمور هيرش عام 2007 في مقالته في “نيو يوركر” بعنوان “إعادة التوجيه”. من الواضح أن سلوك التكفيريين والقاعدة والسلفيات الجهادية في هذه الهجمات يخدم الأجندة الأميركية بالكامل, والأميركيون يُفترض أنهم العدو الأول, جذع الشجرة الخبيثة, وهذا التوصيف ليس إلا لمرشد هذه الجماعات وزعيمها وملهما وأميرها وشهيدها أسامة بن لادن.
كشفت الولايات المتحدة النقاب خلال الشهور الماضية عن جملة من الرسائل التي تم العثور عليها في منزل بن لادن في باكستان أثناء الغارة الأميركية عليه. وخلال تصفحنا للرسائل, كان لافتاً ورود الفقرة التالية في رسالة من بن لان موجهة الى أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أبي بصير (ناصر الوحيشي) في أواخر عام 2010, وهذه الترجمة الحرفية لإحدى فقرات الرسالة:
“أعداء الأمة كشجرة خبيثة, لها جذع أميركي بعرض 50 سنتم, و”أغصان” من قياسات مختلفة تتألف من الناتو وأنظمة عدة في الشرق الأوسط. نحن نريد ان نقطع هذه الشجرة من خلال قطع جذعها, ولكن قوتنا وقدراتنا محدودة. لذا الطريقة الأمثل هي في تركيز الضرب على الجذع الأميركي. بدقة أكثر, لنفترض أنه أثناء تركيزنا الضرب على الجذع وقد بلغنا فيه عمق 30 سنتم, وسنحت لنا فرصة لتوجيه ضربة “للغصن البريطاني” في هذه الشجرة الخبيثة, يجب ان نتجاهل هذه الفرصة. هذا التجاهل سببه أنه إذا إلتهينا بالغصون فسنشتت جهودنا وطاقتنا, ولذا يجب أن نلتزم بضرب الجذع الأميركي, لأنه حين تقطع الجذع , ستتساقط الغصون, إن شاء الله”.
الفقرة أعلاه غاية في الأهمية, إذ تكشف منهجية تفكير زعيم القاعدة, الذي يبدو أصبح أكثر عملانية وواقعية في سنواته الأخيرة بفعل “صدمة” الغزو الأميركي لأفغانستان.لا يتوهم القارىء, فالرجل لم يغادر تكفيريته بل ربما أصبح في أخر أيامه – بعد عمر من الخيبات والفشل والإنكسارات – أكثر إدراكاً لتراتبية وأولويات المعركة والأعداء. الأهم – وفيه نحاجج القوم بما ألزموا به أنفسهم وبميزانهم وبمنطق زعيمهم – فليعتبر هؤلا, وعلى أقل تقدير, أن الشيعة أو حزب الله أو إيران أو العراق أو سوريا هم مجرد “غصون” في الشجرة “الخبيثة”. ولكن تكريس كل الجهود والموارد تجاه هذه الغصون وتجاهل “الجذع الخبيث”, ألا يُعتبر خيانة كبرى “لنظرية” بن لادن؟ فكيف إن كان الضرب على هذه “الغصون” يقوي “الجذع الأميركي”؟!! ربما يصح القول أن بن لادن يتقلب في “بحره”, كأن ما فيه لا يكفيه.