بعد الاتفاق النووي: أوباما أمام حقل الألغام الداخلية
شكلت معارضة بنيامين نتنياهو للاتفاق النووي منصة انطلاق لتصريحات الساسة الأميركيين، الممثلين للقوى المتضررة من الاتفاق، معلنة أن “الشيطان لا يكمن في التفاصيل” هذه المرة، بل في مجمل الاتفاق شكلا ومضمونا وترددات انعكاساته على الاقليم والمسرح الدولي.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واجه الرؤساء الأميركيون، ابتداءً بدوايت ايزنهاور مروراً برونالد ريغان ووصولاً إلى باراك أوباما، معارضة منظمة وقاسية داخل الأروقة السياسية الأميركية لميول التفاهم والتفاوض مع المعسكر الإشتراكي آنذاك حول الحد من الأسلحة النووية ودرء أهوالها.
الإرث العسكري لأيزنهاور لم يسعفه البتة من مواجهة معارضة قوية داخل حزبه الجمهوري للتوصل لاتفاق نووي مع الاتحاد السوفياتي، وبات عليه الانتظار لقدوم الرئيس جون كنيدي ليتم التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية، والذي واجه بدوره اعتراضاً ومقاومة من الحزبين آنذاك.
أضحت نزعة مقاومة الحد من الترسانة النووية تقليداً أميركياً متوقعاً بامتياز، نظراً لنفوذ القوى المختلفة وهيمنتها على صناع القرار السياسي، وقدرتها على ضخ مبالغ طائلة للنشاطات الإعلامية المناهضة لأي اتفاق.
تشدّد الرئيس رونالد ريغان وخطابه الأيديولوجي اليميني المعتاد لم يجنبه مواجهة قاسية لعقده مفاوضات للحد من الترسانة النووية مع الاتحاد السوفياتي.
في هذا السياق ينبغي النظر إلى الاتفاقية النووية مع إيران وما رافقها من معارضة أوسع وأشمل من قبل الحزبين السياسيين، سيما وأنها تمت مع دولة نامية ذات طموحات قوة إقليمية بخلاف معادلة الندية القطبية إبان عهد الحرب الباردة.. وينبغي الانتظار إلى ما ستؤول إليه جهود الرئيس أوباما لإقناع أعضاء الكونغرس المعترضين بتعديل مواقفهم وتأييد الاتفاقية، مع أخذه بعين الاعتبار النفوذ الطاغي للوبي “الإسرائيلي” والقوى الأخرى المؤيده له.
يشار إلى أن أوثق حليف أوروبي للولايات المتحدة، بريطانيا، سارعت في حث بنيامين نتنياهو “العودة إلى خيمته،” والاستعداد “للعب دور مكمل بنّاء” في الأشهر القليلة المقبلة، كما جاء في مكالمة هاتفية أجراها معه وزير الخارجية البريطانية، ويليام هيغ. كما أرسلت فرنسا مبعوثاً رسمياً رفيع المستوى، جاك اوديبير، للقاء نتنياهو عقب الاتفاق النووي لذات الغرض. سيتوج وزير الخارجية الاميركية، جون كيري، تلك الجهود بزيارة فلسطين المحتلة منتصف الاسبوع المقبل، ولقاء نتنياهو لطمأنته حول الاتفاقية النووية مع ايران.
امام نتنياهو واللوبي “الاسرائيلي” في الولايات المتحدة خيارات ثلاث: تأييد الاتفاقية؛ شن هجوم عسكري احادي الجانب؛ او تقويض الاتفاقية. ابعد الخيارات هو التهور في شن هجوم عسكري بمفرده على المنشآت النووية الايرانية، بينما الاكثر ترجيحا هو اصطفافه واعوانه الى جانب تقويض الاتفاقية ورفع سقف الخطاب السياسي ضدها. البعض لا يستبعد استمرار نتنياهو في شن هجمات عدوانية سرية ضد اهداف ايرانية محددة، كما نسب اليه في تصفية عدد من العلماء النوويين في ايران. نتنياهو برأي بعض مناصريه بين الساسة الاميركيين “لا يرى الا التهديدات الماثلة، ودوما يستبعد الفرص لاغتنامها والتغلب عليها.” ما يعزز هذه الفرضية لدى الطرف الاميركي هو بروز منافس قوي لنتنياهو، رئيس حزب العمل الجديد اسحق هيرتزوغ، الذي اتهم خصمه “ببلورة اجواء ذعر غير مبررة،” حول اتفاقية جنيف النووية.
يصطف الى جانب معارضة الاتفاقية عدد من زعماء الحزب الديموقراطي، من بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب منينديز، على ارضية ان “مصيرها الفشل،” وتقويض مناخ الانفتاح الديبلوماسي في العلاقات الدولية. سيعود مجلسي الكونغرس الى الالتئام الاسبوع المقبل، عقب فرصة رسمية، وستتجدد الاتهامات للرئيس اوباما بأنه “يقامر” بنظام عقوبات فعال بغية التوصل لاتفاق باي ثمن. السيناتور الجمهوري المتشدد، ليندسي غراهام، اوضح لشبكة سي ان ان للتلفزة ان هدف اي اتفاقية “ينبغي ان يوقف جهود التخصيب” لليورانيوم. اقطاب المعارضة تهدد بمصادقتها على مشروع قرار لانزال عقوبات اضافية متشددة ضد ايران، ضاربة بعرض الحائط تحذيرات الادارة الاميركية بأن اي عقوبات جديدة من شأنها “وأد الاتفاقية في مهدها.” السيناتور الديموقراطي اليهودي، تشاك شومر، رجح تضافر جهود الحزبين “لاقرار مزيد من العقوبات،” في الاسابيع المقبلة.
في احدث تطور ملفت للنظر، جدد الرئيس اوباما العمل بقرار اقصاء النفط الايراني ومشتقاته من الاسواق العالمية، وتعويضه بزيادة الانتاج من كل من المملكة السعودية والولايات المتحدة، في قرار اصدره في وقت متأخر من يوم الجمعة، 29 تشرين الثاني. القرار يعد جزء من العقوبات الراهنة المفروضة على ايران، ولا يشي باجراء جديد. واوضح وزير الخارجية جون كيري ان القرار يجدد استثناء عدد من الدول التي تعتمد على النفط الايراني ومشتقاته، والسماح لها باستمرار تعاملها التجاري مع ايران. الدول المعنية تضم: الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وتايوان وماليزيا وجنوب افريقيا وسينغافورة وسريلانكا. دلالات القرار الرئاسي لا تخفى لناحية التقرب من التيار المتشدد ضد ايران في الحزبين، والظهور بمظهر المتصلب. اما من الناحية العملية فان ايران تعودت على التكيف والتغلب على تلك الاجراءات منذ زمن.
اشارت احدث استطلاعات الرأي لوكالة رويترز ان نسبة التأييد للاتفاقية النووية بين الاميركيين بلغت معدل 2 الى 1، مما يعكس عمق القلق الشعبي ضد المغامرة العسكرية على ايران؛ الامر الذي يعزز جهود الرئيس اوباما وادارته لتسويق الاتفاقية على الرغم من تدني شعبيته في اوساط العامة التي فاقمها اطلاق برنامج الرعاية الصحية الشامل وما رافقه من متاعب تقنية. وجاءت نتائج الاستطلاع لتدل على ان نسبة 44% من الاميركيين يؤيدون الاتفاقية النووية مقابل 22% من المعارضين، وثبات نسبة المؤيدين للخيار العسكري ضد المنشآت النووية الايرانية عند نسبة 20% في كافة الاحوال، مقابل معارضة 65% لخيار القوة العسكرية.
بنود الاتفاقية المنشورة، بصيغتها الاميركية، لا تنص على “تفكيك” البنية التحتية للبرنامج النووي الايراني، خاصة اجهزة الطرد المركزية. بل تعزز خيار تخفيض نسبة التخصيب الى حدود دنيا لا تشكل خطرا على المضي ببناء سلاح نووي، وموافقة ايران على عدم زيادة عدد اجهزة الطرد المركزية او ادخال معدات نووية اخرى الى حيز التنفيذ. بالمقابل، تجني ايران تعليق جزئي لاجراءات العقوبات القائمة، مما يتيح الفرصة للطرفين لرفع العقوبات في المرحلة المقبلة لو سارت الامور على الوتيرة المفترضة في بنود الاتفاق. يذكر ان من صلاحيات الرئيس اوباما تعليق اجراءات عقوبات قد يقدم عليها الكونغرس، مما يتعين عليه ضمان نسبة تأييد معتبرة لذلك بين اعضاء الكونغرس.
من ميزات الرئيس اوباما، كشخصية سياسية، استثمار فرصة الاتفاقية النووية لصرف الانظار الشعبية عن قصور ومثالب برنامج الرعاية الصحية الشامل، واعادة انتاج شخصه كزعيم دولي وصانع للسلام. في هذه المعادلة يمضي اوباما يسبح ضد التيار، سيما وان الاتفاقية لا تزال الخطوة الاولى في مسار اتفاق نهائي ورغم انها لا تستوجب مصادقة الكونغرس كي تصبح نافذة المفعول، وسينظر له عند حصول اي خلل في تطبيقها ططرف خاسر وعرضة للاتهام “بسذاجة” سياسية لتصديقه ايران.
دوافع أوباما لإبرام الاتفاقية
لجأ البيت الابيض الى اصدار “بيان حقائق” يتعلق ببعض بنود الاتفاقية النووية بدلا من النص الكامل لما تم التوصل اليه، مما ضاعف حجم الشكوك في نواياه وما يخفيه عن التداول العام بين اعضاء الحزبين السياسيين. ويخشى اولئك ردود افعال سلبية للجمهور لو تم نشر الاتفاق بكامل بنوده.
ما عزز مشاعر الريبة في صدقية البيت الابيض التصريحات الصادرة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، مرضية أفخم، والتي فندت النص المنشور من قبل البيت الابيض واتهمته بنشر نصوص لا تجانب الدقة وتسهم في تضليل الراي العام الاميركي. وجاء في التصريحات الايرانية ان “النص المنشور على موقع البيت الابيض الالكتروني هو تفسير احادي الجانب للاتفاق الذي تم التوصل اليه في جنيف يرافقه تفسيرات وتعبيرات تتعارض مع النص الوارد في خطة العمل المشتركة .. وتم تعميم النص على وسائل الاعلام باسم اتفاق جنيف، وهو أمر غير صحيح.”
البيت الابيض يعول على أهمية الاتفاقية انطلاقا من ادراكه ان ايران تشكل العمود الفقري للتوازنات الاقليمية، سيما وانها لا تمتلك احتمالات القدرة على انتاج سلاح نووي فحسب، بل لدورها الرئيس في النزاعات الاقليمية والحرب الدائرة في سورية، فضلا عن نفوذها الواسع في كل من العراق وافغانستان ولبنان. وعليه، فالتعامل الاميركي المباشر مع ايران من شأنه كسر القيود المكبلة للمواضيع ذات الاهتمام في الاقليم؛ وعززه الاعلان شبه المتزامن عن عقد مفاوضات في جنيف حول الأزمة السورية.
من وجهة نظر البيت الابيض، توفر الاتفاقية لايران بعض المكافأة الاقتصادية لجهودها في تجميد البرنامج النووي للاشهر الستة القادمة – التي تعد بحسب راي بعض الخبراء فترة زمنية حرجة بالنسبة لايران لانتاج سلاح نووي. بل تفرض عليها تحييد معدل انتاجها من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية ووقف العمل لاستكمال البنية التحتية لجهود التخصيب.
وفي الوقت عينه، بالنسبة للبيت الابيض، تبطيء التهديد “الاسرائيلي” بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية.
مثالب الاتفاق عديدة بالنسبة للرئيس اوباما. بداية، هو اتفاق وقعته السلطة التنفيذية ولم يحظَ بمصادقة مجلس الشيوخ ليصبح معاهدة معتمدة. وعليه فمسؤولية الفشل تقع عليه وعلى ادارته ويحصن الاخرين من مشاركته اللوم. فالابواق الاعلامية الفاعلة تروج للاتفاق بأنه مربح جدا لايران التي حصلت على تنازلات كبرى من الجانب الاميركي، مما قد يعقد المسألة لدى الراي العام ويعزز موقع خصوم الاتفاقية.
الثابت ايضا ان الرئيس اوباما يرى في الاتفاقية فرصة لتعزيز موقعه الرئاسي، مع عدم اهمال الدور المعطل للخصوم مما قد يقوض الاتفاقية برمتها، سيما: والاتفاقية لم يصادق عليها بعد؛ ولا تشكل حلا دائما بل تتيح فرصة للحل في غضون ستة أشهر؛ لن يرافقها دلائل مادية تشير الى تخلص ايران من مخزونها النووي، كما كان الحال عند تدمير الاتحاد السوفياتي لصواريخ استراتيجية امتثالا للمعاهدة المشتركة مع الولايات المتحدة. الأمر الذي يحول دون الترويج الاعلامي له والذي بوسعه تعزيز نسبة الرضى الشعبي لاداء الرئيس اوباما. فالاتفاق لا ينص على وقف ايران جهودها لتطوير البرنامج النووي، بل ستمضي القيادة الايرانية في اصرارها بالزعم انها ماضية في جهودها السابقة. واستنادا الى تلك التطورات فان الفريق المتشكك في واشنطن يتوجس من اعلان افتراضي لايران بامتلاكها قنبلة نووية خلال السنوات الثلاث المقبلة (نهاية ولاية الرئيس اوباما الحالية)، وقع اللوم آنذاك على عاتق اوباما والساسة الديموقراطيين الذين وقفوا الى جانبه، ويتعين عليهم مواجهة التداعيات السياسية بمفردهم.
المخاطر السياسية
ينبغي النظر بهدوء وروية الى ان الاتفاقية لا تزال في طور التفاوض بشأنها، وان الحشد الاعلامي من قبل الادارة لا يتعدى اطار الالاعيب السياسية التي ترمي الى تعزيز مكانته الشعبية اكثر مما يتعلق برغبة صادقة لحل مسالة البرنامج النووي الايراني.
فالادارة تواجه عددا من العقبات لترويج الاتفاقية، أهمها داخل اروقة الكونغرس الذي تتحكم به مصالح اطراف مؤثرة عدة، ولدى الناخب الاميركي وهو يشارف على الادلاء برايه بعد بضعة اشهر، وكذلك لدى بعض حلفاء الولايات المتحدة. باستطاعة المرء القول ان استراتيجية الرئيس اوباما للتعامل مع الوسط الداخلي تستند الى تأكيده على ان الاتفاقية كانت الخيار البديل الاوحد مقابل خيار الحرب والتاثير على الرأي العام المنهك من اثقال الحروب المتواصلة.
اما سجل الرئيس اوباما السابق فيدل على نجاح متواضع لحث الكونغرس والرأي العام لتأييد برامجه، كما يدل الجدل المرافق لبرنامج الرعاية الصحية الشامل، فضلا عن سعيه لتقييد اقتناء السلاح الفردي واصلاح قوانين الهجرة اللذين استغرقا جهدا ثمينا من رصيده السياسي ليحصد الخيبة في كليهما في نهاية المطاف، داخل الكونغرس والرأي العام على السواء. برنامج الرعاية الصحية، بالمقابل، رأى النور بفضل جهود الرئيس لممارسة ضغوط متعددة الجوانب على اعضاء الكونغرس بمجلسيه، والتي لم تخلُ من التلويح بالاغراء ولي الذراع، وحث خصومه على ثنائية الخيار: اما الاصطفاف الى جانبه او مواجهة عقبات سياسية قريبا – اي اما دعم الاتفاق النووي او تحمل تبعات خيار المواجهة العسكرية.
الدور الاعلامي الخطر والمتحيز ضد ايران “وشيطنتها” لعقود عدة قد يسهم هذه المرة في ميل الرأي العام للنظر في خيارات بديلة بعيدة عن خيار الحرب او دعم الاتفاق النووي معها، وقد تكون كفته ليس في صالح قرار البيت الابيض وانما بالتشدد والابقاء على اجراءات العقوبات لفرض وقف جهود التخصيب بالكامل على ايران.
في هذا الشان، تعددت استنتاجات استطلاعات الرأي، اذ بينما اشار استطلاع راسموسين الى تأييد 41% للاتفاق النووي المرحلي، مقابل 43% معارض له وامتناع نحو 16% عن الابداء برأيهم. اما استطلاع وكالة رويترز للانباء، الذي اجرته في الساعات الاولى بعد اعلان جنيف النووي، فقد اشار الى تأييد 44% للاتفاق مقابل 22% من المعارضين، مع تأييد نحو 49% من المستطلعة اراؤهم للخيار العسكري في حال فشل الاتفاق. تجدر الاشارة الى ان تلك النسب غير ثابتة اذ اخذنا بعين الاعتبار عدوم وضوح بنود الاتفاق عند تسجيل الاستطلاع، ونحو ثلث المستطلعين اقر بعدم اطلاعه الكافي على البنود.
ما اتضح من الاتفاق النووي هو رفع العقوبات الاقتصادية التي طبقت بناء على قرار رئاسي، مما سهل مهمة الرئيس اوباما لالغائها وتسهيل مهمة ايران في الوصول والتصرف بمدخراتها المجمدة في المصارف الدولية والتي قدرت بنحو 7 مليار دولار.
اما رفع العقوبات بالكامل فهي مهمة اشد صعوبة اذ تقتضي مصادقة الكونغرس واقراره مشروع صريح بذلك، بيد انها ليست مستحيلة نظرا لطبيعة عمل الكونغرس المستندة الى ايجاد قاسم مشترك مقبول يتيح للطرفين التموضع حولها، بالاشارة الى حدوث ذلك الأمر بشأن العقوبات ثلاث مرات منذ انزال العقوبات عام 2010، ضمت تضافر الفريقين انزال عقوبات مصرفية بشأن البنك المركزي الايراني التي ترغب ايران في الغائها. مما يتعين على الرئيس اوباما تجديد صلاته واتصالاته مع خصوم اشداء.
توقيت الاتفاقية النووية يسهم في انضاج الظروف لتمحورات واصطفافات سياسية جديدة، خاصة للطامعين من الحزبين دخول حلبة الترشيحات الرئاسية المقبلة. وسارع السيناتور المحسوب على تيار حزب الشاي، ماركو روبيو، الذي يعد نفسه للانتخابات، الى حث اقرانه في الكونغرس “لانزال عقوبات جديدة على ايران لحملها على الاقلاع التام عن جهودها في التخصيب واعادة تدوير” اليورانيوم.
امام هذه الاصطفافات ونزعات التشدد في الخطاب السياسي تقف وزيرة الخارجية السابق، هيلاري كلينتون، صامتة حتى الآن، متوجسة من انعكاس مواقفها السابقة سلبا على حملتها الانتخابية المرتقبة، سيما وانها طالبت بتخفيف العقوبات الاقتصادية الاميركية على ايران.
في هذا السياق، جدد عدد من زعماء الكونغرس من الحزبين مطالبهما لاصدار قرار ملزم قانونيا من شأنه انزال عقوبات تلقائية ضد ايران في حال فشلها بالموافقة على تسوية شاملة خلال فسحة الاشهر الستة المقبلة. يرمي المشروع من بين ما يرمي اليه من اهداف الى انزال الخوف واضعاف موقف ايران وتهديدها بانزال عقوبات اضافية ان لم تمتثل لشروط الولايات المتحدة وحلفائها في التوصل الى اتفاق قبل حلول فصل الربيع المقبل – نظرا لحلول موسم الانتخابات النصفية؛ وقد يلجأ انصار المشروع الى اعادة تعريف ما يرونه حدودا مقبولة لتسوية شاملة.
ما ينتظر اوباما ليس بالمهمة اليسيرة سيما لناحية محافظته على دعم اقرانه من الحزب الديموقراطي في المعارك السياسية المقبلة في الكونغرس على خلفية الاتفاق مع ايران. يشار الى ان كبار زعماء الحزب يضمرون حقيقة توجهاتهم لدعم قرار بالعقوبات والذي سيلغي الاتفاق تلقائيا، من عدمه. وليس من المستبعد ان يصطف اولئك في التيار المقابل للرئيس اوباما تعبيرا عن احتجاجهم وعد الرضى عن الانفتاح على ايران.
باستطاعة اوباما تجنب ذلك الاحراج باستخدام صلاحياته الرئاسية في نقض القرار لو صادق عليه الكونغرس، والذي يتطلب موافقة اغلبية ثلثي الاعضاء لابطال مفعول النقض الرئاسي، من العسير توفرها؛ بيد ان تداعيات ذلك لا تخفى على أحد وعدم وضعه في زاوية الطرف الوحيد لنسف قرار موجه ضد احد خصوم الولايات المتحدة قد يصدر باغلبية معتبرة من الحزبين. ويدرك اوباما تعرضه لاتهامات خصومه السياسيين بليونة سياسية غير مبررة، من وجهة نظرهم، امام الاخوان المسلمين وتجمعات اسلامية اخرى. وآخر ما يتطلع اليه هو وسم مواقفه بالليونة في التعامل مع “دولة راعية للارهاب.”
تدرك ايران مأزق الرئيس الاميركي بتهديد “اسرائيل” لحمله على شن هجوم عسكري على ايران، او السماح لها لانجاز تلك المهمة. تلويح الكونغرس بانزال عقوبات جديدة يكبل يد الرئيس اوباما وقد يدفعه للتوصل الى اتفاق مع ايران قبل دخول العقوبات الجديدة حيز التنفيذ، مما يؤشر على اقدامه على تقديم تنازلات في الربع الاخير من استحقاق الساعة لن تكون مستساغة سياسيا. اما من شأن مصادقة الكونغرس على عقوبات جديدة ان يقوض رغبة الطرفين للاتفاق ويتعارض مع اعلان الرئيس اوباما بان الفترة الانتقالية لن تشهد انزال عقوبات جديدة.
مستقبل التوازنات السياسية في الكونغرس غير محدد المعالم سيما وان الاتفاقيات بحاجة الى مصادقة مجلس الشيوخ عليها باغلبية بينة. نتائج الانتخابات المقبلة، 2014، لا تبشر بالخير للحزب الديموقراطي وتلوح بخسارته لموقع الأغلبية. وتشير استطلاعات الرأي بوضوح الى تململ القاعدة الانتخابية ضد مرشحي الحزب الديموقراطي، لا سيما في ولايات هامة مثل لويزيانا واركنساس وكولورادو ونورث كارولينا. ادركت زعامة الحزب الديموقراطي مبكرا أهمية اصلاح قوانين اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ، واستغلت تحكمها بالاغلبية لتعديل الضوابط التي تتحكم بالمصادقة على ترشيح القضاة لمناصبهم مدى الحياة، واستباق اقراره قبل تعديل كفة ميزان القوى المرتقب. استطلاعات الرأي العام تشير الى رجحان كفة الحزب الجمهوري بنسبة 49% مقابل 47% لخصمه الديموقراطي، مما يؤشر على نتائج غير مرضية وربما كارثية للحزب الديموقراطي والرئيس اوباما.
وسعى بعض المرشحين عن الحزب الديموقراطي الى الاصطفاف ضد برنامج الرعاية الصحية الشامل، جوهرة برامج الرئيس اوباما، والتشدد في مسالة البرنامج النووي الايراني لدرء الانهيار المحتمل في الانتخابات.
على الرغم من توفر ادلة حسية للوهن والاعياء الذي اصاب الجمهور الاميركي من المغامرات العسكرية الخارجية، الا ان مستويات عدم الرضى عن اداء الرئيس اوباما لا تزال مرتفعة، وبلغت في استطلاع اجرته شبكة سي ان ان الاخبارية نسبة 53% يعارضونه ويعتبرونه غير أهل للصدقية والأمانة، وهي المرة الاولى التي قفزت فيها نسبة عدم الرضى الى ما فوق النصف.
بل اعربت نسبة اكبر، 56%، عن عدم اعجابها بشخص الرئيس اوباما، ونسبة مماثلة اعتبرته غير ملهم لمشاعر الثقة، بينما رأى نحو 53% منهم ان اوباما شخصية مترددة لا يعد رئيسا واثقا بنفسه باستطاعته اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
في الشق الموضوعي للاتفاق النووي، فانه يستند الى عناصر تقنية عديدة. وعليه تكمن الصعوبة في تفسير بنودها للعامة وهل سيكتسب الرئيس اوباما تأييدها بعد ضمانات شخصية بأنها تعد الافضل للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة القومية.
لا شك ان هذه الناحية بالضبط هي ما سيواجهه اوباما سيما وان الرأي العام جرى “غسل دماغه” وشيطنة ايران منذ ازمة الرهائن الاميركيين عام 1979، وعدم تصديقه لأي زعيم او مؤشر مصدره ايران؛ فضلا عن ان الرأي العام بمجمله لا يثق بجهود ونوايا الرئيس اوباما. وعليه سينبري دعاة الحلول السطحية والسهلة لاستقطاب الكم الاكبر وتحريضه ضد الاتفاق النووي مع ايران.
المصدر: الميادين