بعثة "فاطمة" ذات الـ99% ذهبت لأخرى معدّلها 90%!
[ad_1]
حبست نفسها في البيت طوال 3 سنوات لكي تتمكن من إحراز معدّل دراسي يؤهّلها للحصول على بعثة لدراسة الطب. كانت أمنية فاطمة (الطالبة الشيعية البحرينية) منذ صغرها دراسة الطب، وأصرّت على هذه الأمنية أكثر عندما علمت بمرض والدها.
في المرحلة الإعدادية (الصف التاسع)، تخرّجت فاطمة محمد علي بنسبة 99.5%، لتكون في المركز الثامن على مستوى البحرين. ظلّت فاطمة على لوحة الشرف، حتى تخرّجت من المدرسة هذا العام، وأحرزت نسبة 99%.
في يوم الإعلان عن توزيع البعثات، حبست فاطمة أنفاسها، لم تكن تتوقّع أن ينالها الظلم الذي نال مئات الطلاب على مدى 5 أعوام، منذ انطلاق ثورة 14 فبراير. عبثا كانت تأمل أن يكون تفوّقها الصارخ شفيعا، يحصّنها من الاضطّهاد. لم تتوقّع أن يجرأ النظام على الاقتراب منها، ومسّها بهذا الظلم، حتى لو ألحق به ذلك عارا لا يزول.
وزارة التربية في البحرين رأت أن حق فاطمة لا يتعدّى منحة دراسية، مبلغ مالي قدره 400 دينار (1060 دولار) يقدّم لها سنويا لتغطية تكاليف الدراسة، التي تبلغ في أقل تقدير 8000 دينار (21164 دولار) سنويا.
في المقابل، أعطى النظام إحدى الطالبات البحرينيات، التي لا يتجاوز معدّلها الدراسي 90%، بعثة فاطمة.
لم يقف الظلم على فاطمة وزملائها الذين يقدّرون بالمئات، عند هذا الحد. فقبل عام من الآن، أمرت وزارة التربية جامعة الخليج(الفارسي) (وهي جامعة تابعة لمجلس التعاون وتمتلك حكومة البحرين أسهماً فيها، وكانت الجامعة الوحيدة التي تقدم دراسة الطب في البلاد قبل تأسيس الكلية الملكية الإيرلندية للجراحين)، بأن لا تقبل أي طالب بحريني في دراسة الطب، إلا بترشيح منها، في سابقة لم تحصل على مر تاريخ هذه الجامعة منذ تأسيسها قبل 34 عاما.
أما وزارة التربية، التي راجعتها فاطمة يائسة، من أجل التقديم مجدّدا لجامعة الخليج (الفارسي)، ولو على حسابها الخاص، فرفضت رفضا قاطعا حتّى أن تستلم أوراقها للمتابعة!
حتى لو حاربت فاطمة الظلم، واستطاعت توفير هذه المبالغ الضخمة لتمويل دراستها، فإنّها لن تفلح أيضا.
ورغم أن جامعة الخليج (الفارسي)، في ردّها على والد فاطمة، أكّدت له أن هناك 40 مقعدا قدّمتها الجامعة للبحرين، إلا أن وزارة التربية لم تعلن إلا عن 25 مقعدا فقط، في خطة البعثات!
لمن ذهبت بقيّة المقاعد؟ نكاد نراهن أنّ الوزارة، إذا لم تحصل على مرشّحين لهذه المقاعد، ستكبّها في القمامة، على أن تعطي واحدة منها لفاطمة. ضميرها المليء بالذنوب، يسمح لها بما هو أبعد بكثير.
فاطمة محاصرة، أينما ولّت. ذهب والدها إلى سفارة اليابان، فأكّدوا له أنهم قدّموا بعثات لدراسة الطب إلى حكومة البحرين، لكن القبول في هذه البعثات، صار أيضا (ومؤخّرا فقط) عن طريق الوزارة! وبحسب ما تبيّن، فقد طارت هذه البعثات أيضا، إلى حيث ما لا نعلم!
الوزارة إذن، هي كمن ينطبق عليه المثل القائل: لا يرحم، ولا يترك رحمة الله تنزل على عباده. هي تريد أن تتحكم في “الداخل والطالع”، من البعثات الدراسية. بل في كل من تسوّل له نفسه بأن يتقدّم لجامعة ما، ليدرس. في العام الماضي فقط أعلنت الوزارة أنّها ستلغي الاعتراف بمؤهّلات جامعات الصين، فقط لأن الطلاب الشيعة ذهبوا (إلى الصين) بالمئات ليدرسوا الطب على حسابهم، بعد أن ضاق بهم كل مكان ذرعا، بسبب نظام طائفي مجرم، أراد أن يحاصرهم أينما ذهبوا!
فاطمة علي
والد فاطمة، الذي يكاد قلبه يتفطّر على ابنته، قصد جامعات خليجية. قالوا له مثل ما قال غيرهم “ليس لدينا مانع من قبول ابنتك لكننا ملزمون بموافقة وزارة التربية والتعليم في البحرين”!
الأب المسكين، قصد جمعية النور للبر، وهي إحدى الجمعيات الخيرية في منطقة سكنه، بعد أن سمع أنّها تقدّم أيضا بعثات دراسية. قالوا له نعم: نقدّم البعثات لطلّاب المنطقة المتفوّقين. سألهم هل تتوافق نسبة 99% مع اشتراطاتكم؟ أجابوه: نعم. قدّم أوراقها، وحين اتّصل للمتابعة اعتذروا له. قال لهم: لماذا لم تقبلوا ابنتي مع أن نسبتها 99%؟ صمت القبور كان جوابهم.
تبيّن لاحقا أن طالبة لا يتجاوز معدّلها الدراسي 97% حصلت على بعثة من عندهم!
جامعات أخرى، ذهب الوالد إلى وزارة التربية ليستفسر عما إذا كانت ستتفضلّ متكرّمة بأن تقبل أن يسجّل ابنته فيها، فكان ردّهم بأنّهم لا يوصون بها.
لن تستطيع فاطمة دراسة الطب، حتى لو حصلت على مموّل، لأنّ كل الجامعات المتاحة، صارت أدوات في يد وزارة التربية البحرينية، إمّا أن يكون التسجيل عن طريقها، أو أن يكون مؤهّلها غير معترف به!
ووزارة التربية، التي تمثّل حكومة البحرين، لا تريد مزيدا من الأطبّاء الشيعة في المستقبل، بل لا تريد أن تقوم قائمة لأي من هؤلاء، ولا أن تكون بينهم طبقة متوسّطة، تحظى بتعليم عال، وتستطيع أن تعيش باستقلال تام، وأن تكون شوكة في حلقها دائما.
لا تعرف فاطمة ماذا تقول، ولا تستطيع الكلام، تحس بأنّها أسيرة نظام هدّام، قاتل، مخرّب. لكنّها لم تفقد عنفوانها وصمودها. قالت لنا إنها لن تتخلى عن طموحها ولو حاولت وزارة التربية حرمانها منه ظلما وعدوانا.
كانت تحلم في أن تتخصص في طب الأورام “بدأت أقرأ عن أخلاقيات الطبيب والجهد الذي يبذله منذ أن كنت في الصف الثالث إعدادي، كما كنت أحاول التزود بالمعلومات الطبية أكثر فأكثر، لا أجد نفسي إلا في هذا التخصص، وقد بذلت جهودا كبيرة جدا حتى أحافظ على معدلي الدراسي”.
عاشت فاطمة ظروفا صعبة للغاية في السنتين الأخيرتين، بسبب مرض والدها وسفره إلى العلاج خارج البحرين برفقة والدتها، أثّر ذلك على نفسيتها وعلاماتها، لكنها قهرت الظروف القاسية، وتخرّجت مع مرتبة الشرف.
سنة بعد سنة، استحوذت الوزارة على كل شيء، لكي يأتي اليوم الذي تنتقم فيه من فاطمة، من سبقها، ومن يليها، لا لذنب اقترفوه، سوى أنّهم من طائفة اعتبرها هذا النظام المارق عدوّا.
هو قتل على الهويّة، تعدّدت صوره، والضحيّة واحدة.