اوهام الرهان على الكونغرس هل هي خط الدفاع عن دمشق؟
وكالة أنباء آسيا ـ
خضر عواركة:
لا اوهام في طهران ولا احلام في دمشق، الرهان هو على القوة الذاتية في العاصمتين، وعلى اوراق قوة اثبتت فعاليتها في وقت الشدة…حزب الله وروسيا .
الأول لن يقصّر في تلقين الاسرائيليين درسا أشد من دروس حرب تموز ليس من لبنان فقط ، بل أيضا انطلاقا من الاراضي السورية. وأما روسيا فرغم التذبذب والمناورات السياسية والديبلوماسية للحصول على تفاحة الشيطان بندر دون مقابل، الا انها بشهادة قائد الجيوش الاميركية في قلب محور المقاومة وإن بالدعم لا بقرار من لافروف بل برئاسة بوتين (صاحب العمل الاضافي في الانذار المبكر ضد الصواريخ الاميركية الى رئاسته لروسية). فديمبسي أوحى وإن لم ينطق بصراحة بأن الروسي لن يتوانى عن تقديم ما تحتاجه المعركة من اسلحة متطورة (مدفوعة نقدا من ايران) وتكنولوجية عسكرية ومعدات الحرب الالكترونية وافضل رادارات الدفاع الجوي ومراقبة فضائية للمنطقة توسع من قدرات سورية الدفاعية بحيث اصبح مجال انذارها المبكر على كامل البحر المتوسط وحوضيه الغربي والشرقي، وقدرات استطلاع وانذار مسبق، وكفى الله الروس شر القتال.
بصريح العبارة، يقول مقاومون:
” ما يوقف الحرب ليس الكونغرس الأميركي، بل ما ظهر وما سيظهر من استعداد سوري للقتال ضد الجبهة الرخوة للأميركيين- اي اسرائيل- وابلاغ رسائل تُفهم على انها قرار جدي بضرب العمق الاسرائيلي بكل الأسلحة التي تحويها الترسانة السورية، واعتبار المعركة ان حصلت آخر المعارك بين محور المقاومة واميركا فإما ينتهي التاريخ هنا او تنحو اميركا نحو التصالح مع العالم وتقبل بما يقبله الروس من شراكة وواقع”
وكما يقول قيادي مقاتل في المقاومة العربية:
” الاستعداد للحرب وتفعيل القول بالفعل..هذا هو الحل لوقف الحرب قبل أن تبدأ وضرب اكثر المناطق ايلاما لأسرائيل واميركا في المنطقة من تل ابيب الى حقول ومصافي النفط ومراسي التعبئة والتصدير السعودية الى محطة تسييل الغاز القطري”
“هذا ما جعل اوباما يتوقف عن ممارسة الدور الذي اغرقه مستشاروه فيه ” دور الأزعر الذي يهدد ويزبد “.
اغلب الظن ان التصويت على قرار العدوان ليس نهاية المطاف، وسقوط القرار بالتصويت مستبعد. الرهان على ضمير غائب لشلة من الاثرياء (الذين يصلون الى عضوية الكونغرس وعينهم على مصلحة اسرائيل) لا تترك للرهان على العقل والمنطق والعدل مكانا، فمن المستحيل ان نطلب من فاقد الشيء ان يعطيه.
الطريقة الوحيدة للتصويت “بـ لا” هو في رعب اسرائيلي يتحول الى عمل في الكونغرس من “ايباك” لاسقاط العدوان خوفا من انتقام سوريا وايران وحزب الله من اسرائيل.
وإن لم يحصل هذا الامر فالرهان بعد اقرار الكونغرس لقرار العدوان سيكون ايضا على رسائل عملية تقنع الرئيس الاميركي ان الضربة بضربة والصاروخ بصاروخ وان احدا لن يرفع الراية البيضاء.
ما ظهر من نقاشات في الكونغرس تؤكد ما نعرفه، قلة من الاعضاء تملك اهتماما حقيقيا بالضمير والانسانية والسلام، حين يكون المفعول به غير اميركي وبعيد عن اسرائيل… فكيف والحديث عن اعدائها.
اذا، فالرهان على رفض الكونغرس الاميركي للعدوان على سورية ساقط، بحسب ما شاهدته حتى الان من كلمات الاعضاء الذين استجوبوا وزيري الخارجية والدفاع الاميركيين والجنرال ديمبسي.
الرجل الوحيد الذي تحدث بعدائية مطلقة ضد العدوان كان السيناتور الجمهوري عن كنتاكي “راند بول” وهو لسخرية الاقدار طبيب عيون يعالج الفقراء مجانا واصغر اعضاء مجلس الشيوخ سنا(٥٠ عاما) . الرجل لم يفعل ذلك خوفا على حياة المدنيين في سورية بل خوفا على مصلحة بلاده.
راند بول رفض طلب اوباما اقرار هجوم عسكري على سورية تحت “عنوان معاقبة الرئيس الاسد على استعماله للكيميائي” و لا ينبع رفضه من انسانية تظهر في تعامله مع فقراء ولايته، ولكنه رفض ان ترمي البشرية بحسب قوله ” الدور الوسخ على الاميركية” وهو طلب ان يفعل ذلك العرب او الناتو او الاتراك او الاوروبيون وحدهم وتسائل” ” لماذا نتدخل نحن في سورية وغيرنا لا يفعل ” .
راند بول الجمهوري طلب تعليقا من الرئيس، وهو الامر الذي رفضه سنّيد الارهابيين وحليف جبهة النصرة ودولة الشام والعراق ” جون ماكين” المتحمس لاجتياح شامل ولو ادى ذلك الى ارسال جنود اميركيين الى دمشق. وما لا يقوله الرجل صراحة يصرّ عليه حليفه وزميله في السعي نحو مصلحة اسرائيل على حساب المصلحة الاميركية ليندس غراهام. كلاهما يريد عقابا قويا لا يؤدي الى اي رد سوري محتمل على حلفاء اميركا (اي اسرائيل حصرا).
اخرون في الكونغرس مثل السيناتور “بوب كروكر” يريدون ضربة ولكن بشرط ان لا ينزل اي جندي اميركي فوق الاراضي السورية.
كيري تحدث عن ضربة محدودة ولكنه رفض التعهد بعدم ارسال جنود الى سورية. وهو الامر الذي قد يجعل الكثير من اعضاء لجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكونغرس التي كانت تناقش مسألة التدخل في سورية لثلاثة ونصف يوم امس الثلاثاء في الثالث من ايلول سبتمير ٢٠١٣، يعملون على اضافة مثل هذه الفقرة قبل التصويت على القرار في جلسة موسعة لمجلسي الكونغرس في التاسع منه.
وبين ميل الصقور الى ضربة وتورط شامل، ورفض اخرين اعطاء موافقتهم الا بشرط محدودية الضربة وحصرية الوقت، تدخل كيري ليقول : ” ستكون ضربة قوية تمنع الاسد من استخدام الكيميائي مستقبلا، وستجعل من قوته الحالية امرا من الماضي بما لا يجعلنا نضطر للتورط في الحرب الاهلية في سورية”
قوله يرضي الطرفين …الصقور والحمائم، وكلاهما ليس باحثا عن حقيقة من استعمل الكيميائي، ولا سأل أي منهم عن واقع ان القوة الحقيقية التي تقاتل الجيش السوري هي القاعدة والتكفيريين من حاملي فكرها.
والنقاش لا يدور حول امكانية رفض القرار بل حول المدى الذي سيصل اليه العدوان، الصقور الصهاينة مثل ماكين وليندسي غراهام(اطلق عليه ابوه هذا الاسم تيمنا بمؤلف سلسلة ” لفت بهايند ” الخيالية الشهيرة التي تعتبر انجيلا ثانيا “للمسيحيين الصهاينة “)
اما الجنرال ديمبسي (رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية) والمعروف عنه رفضه للتدخل العسكري بعد ورطة العراق، فقد بدا متحمسا ايضا لتوجيه عدوان يقضي على الفاعلية العسكرية للحكومة السورية. قال ديمبسي ردا سؤال لاحد اعضاء الكونغرس: “عدم توجيهنا لضربة لقوات الرئيس الاسد هو المشكلة وليس الضربة”.
الروس هم الشغل الشاغل للكونغرس، وسأل احد الاعضاء الجنرال ديمبسي:
” هل تعتقد ان الروس سينتقمون من قواتك اذا ضربت قوات الاسد”
فرد ديبمسي: ” لدى الروس قوة فاعلة في المتوسط وانا لست قلقا من وجودهم مع انهم بالفعل تعهدوا للسوريين بتزويدهم بالتعويض عن اي سلاح يخسرونه خلال هجومنا عليهم…هل سيتحركون عسكريا ضدنا؟ ليس هذا ما يقلقني بل ان لا نتحرك ضد الاسد هو ما يقلقني لاننا لن نكون قادرين على تحمل الوضع الذي سينشئ عن ذلك”
كيري كان يخوض في الكونغرس معركة شخصية، يبدو بأن احدا لا يصدق ما يقوله عن الادلة السرية التي يملكها ولكن اغلب المتحدثين مستعدون لشراء اي كلام كاذب يقوله زميلهم السابق في الكونغرس لأن في نفوسهم هوى لضرب اي بلد عربي كرمى لإسرائيل، وإن خرج من بين المشرعين الاميركيين من طالبه بأدلة على الاتهام الموجهة لسورية سعيا لكسب رضى المعترضين دوليا (الروس) فقال:
” لا يمكن لنا كشف الادلة السرية”
ذكّره السيناتور الذي كان يستجوبه بالكذب عن العراق فاجاب:
” السوريون والايرانيون هم من اكدوا ان السلاح الكيميائي جرى استخدامه لذا ارى انه من غير المنطقي ان نشكك نحن فيما اقرّ به خصومنا”
وختم قائلا:
” ما قالوه هو ان المعارضة استعملت السلاح الكيميائي وهذا غير منطقي ولا يصدق” سأله السيناتور عن” الحكمة من التصرف بسرعة بدل انتظار نتائج فحوصات الامم المتحدة” فقال:
” لن يخبرونا ما لا نعرف “
….موقف ديمبسي والايجابية التي ابداها غالبية الاعضاء الذين تحدثوا اليوم توحي بأننا ذاهبون الى اقرار للعدوان إلا ان حصل ما ذكرناه سابقا من تأمين شروط التراجع الاميركي الموضوعية بتأكيد ان خسائر عدم الخوض في العدوان تبقى اقل من التورط فيه وهذا ما تعمل عليه القيادات في المحور المعادي لأميركا.
القرار بالموافقة على عدوان ضد سورية لا يعني الحرب الحتمية، بل يعني امرا من امرين:
إما سيؤدي الى تشجيع اوباما على خوض الحرب بغض النظر عن نتائجها التي يمكنه تحميل السيء منها لقرار الكونغرس بدعمه، وإما فانه سيعتبر ان الكونغرس فوضه ولكنه لا يستطيع ان يتحمل مسؤولية تدمير شامل لبعض المدن الاسرائيلية، ولا يجد في اغلاق مضيق هرمز أمرا يمكن المخاطرة بحصوله، ولا يمكن لرئيس مثله أن يحتمل المخاطرة بسقوط قتلى اميركيين بالالاف ولا أن يحتمل التسبب بتدمير أهم منشآت تسييل الغاز في العالم وهلاك منشآت تحميل البترول في السعودية.
والأهم أن اوباما قبل الكونغرس وبعده، بحاجة للتصديق بأن صاروخ “سجيل” الايراني وصواريخ تشرين السورية ليست موادا اخبارية للصحافيين ليكتبوا عنها، بل هي اسلحة جاهزة للإستعمال، وحينها فقط سيعلم المعتدين أن اميركا بعظمتها لا يمكنها ان تحتمل سقوط المئات بل والآلاف من الصواريخ الثقيلة على ما تعتبره بلاد العم سام اهم من ارواح مواطنيها…اسرائيل والنفط .