“اوكوس”: حرب باردة جديدة؟
موقع قناة المنار-
سمية علي:
في الخامس عشر من أيلول، وفي مؤتمر صحافي إفتراضي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والأسترالي سكوت موريسون، عن تحالف أمني يجمع البلدان الثلاثة أُطلق عليه تحالف “AUKUS”. لم يكن الإعلان مفاجئاً إن كان لجهة التوقيت أو الأسباب والخلفيات، لكنه يدحض ما قاله البعض عن أن الرئيس الديمقراطي يسعى لنسف إرث سلفه الجمهوري بالكامل. لقد ورث جو عن دونالد “استعداء الصين”، لا بل إنه كان أكثر جرأة وعدوانية، دافعاً بكين إلى القول على لسان المتحدث بإسم خارجيتها تشاو ليجيان، “إنها عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن”، وأن هذا التحالف “يلحق أضراراً جسيمة بالسلام الاقليمي”. كما أنه ومن خلال بيع غواصات نووية لأستراليا، يؤزم العلاقة مع الأوروبيين (المتأزمة أساساً منذ عهد ترامب)، تحديداً فرنسا التي كانت تسعى لاتمام صفقة غواصات تقليدية مع كانبرا. ماذا يريد بايدن؟ بمعنى آخر، بعد انكفائه الحاد في أفغانستان، ما هي المعادلات التي يحاول ارساءها من خلال “اوكوس” على منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟ وكيف ستتلقفها بكين؟
لماذا “اوكوس”؟
ذكرت مجلة “فورين بوليسي” في مقال نُشر في 24 أيلول/سبتمبر، أن “الولايات المتحدة الأميركية لم تشارك استراليا تقنية غواصاتها العاملة بالدفع النووي بالمجان، خصوصاً أن بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي شاركتها واشنطن هذه التكنولوجيا عام 1958 على خلفية أسباب تتعلق بالحرب الباردة”. تشرح المجلة أن ذلك “حدث في ظروف استتثنائية، ويعد مؤشراً على تحول كبير في النظرة الاستراتيجية الأميركية باتجاه تقوية الحلفاء وصقل ائتلاف يدفع بالصين إلى الخلف، إضافة إلى إرساء وجهة جديدة لجهة إعادة انتشار وزيادة القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
يتقاطع ذلك مع ما ذكرته صحيفة “فايننشال تايمز” عن أن التحالف “يأتي في إطار تصدي أميركا للتهديد الذي تشكله الغواصات النووية الـ14 التي تنشرها بكين في النقاط الإستراتيجية الساخنة وطرق التجارة الرئيسية في المحيطين الهندي والهادئ”.
أما بالنسبة لأستراليا، فترى المجلة نفسها أن “الحكومة الأسترالية باتت تعي بشكل متزايد التهديد المباشر الذي يشكله تعاظم القوة العسكرية والبحرية لدى الصين، إضافة إلى القوة الاقتصادية، وأن هذا بحاجة إلى ردع جدي”، بحسب الفورين بوليسي. والجدير ذكره، أن علاقة قديمة تربط كانبرا بواشنطن، إذا شاركت الأولى الثانية القتال في أكثر من جبهة كمعارك فيتنام، كما تستضيف استراليا ألفين وخمسمئة عنصراً من القوة البحرية الأميركية (المارينز) في داروين، إلى جانب التعاون العسكري والاستخباراتي بين البلدين.
لكن ماذا عن بريطانيا؟ يرى خبراء أن الأخيرة في ظل بريكست، وما سببه من تضاؤل لدورها في الشؤون الأوروبية، تسعى بشكل حثيث لإعادة تعريف لدورها ونفوذها عالمياً، وذلك من خلال منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن هنا يشكل تحالف “اوكوس” محفزاً كبيراً لوجود قوي لها في آسيا.
الصين
حتى اللحظة، لم يصدر عن الصين رد فعل واضح يعكس ماهية الخطوات التي قد تتخذها مقابل التحالف المعلن. اكتفت بدور المراقب والمحذر، إذ أكدت خارجيتها أنها “تولي اهتماماً كبيراً بتطورات الاتفاق”، وحذرت من أنه “في حال استوردت أستراليا، وهي دولة موقعة على معاهدة عدم ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ ومعاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادي، تكنولوجيا الغواصات النووية فإن جيرانها والمجتمع الدولي لديهم أسباب للتشكيك في صدقها في تطبيق المعاهدات”.
وفي السياق، لفت الخبير في الشؤون الصينية محمود ريا لموقع المنار، إلى أن “ما حدث يضع استراليا في موضع الخصم بالنسبة للصين”، وانطلاقاً من ذلك رجح ريا أن تشهر بكين السلاح الاقتصادي بوجه كانبرا “خصوصاً أن قسماً كبيراً من صادرات الأخيرة تذهب للصين”، إذ تستوعب السوق الصينية نحو 40 بالمئة من الصادرات الأسترالية. لكن بالرغم من ذلك فإنه حتى الآن لم تجد الصين بديلاً سريعاً للحديد الأسترالي بالكميات الكبيرة التي تحتاجها أسواقها، الذي يمثل نحو 66 بالمئة من واردات الصين من هذا المعدن.
وبعيداً عن “اوكوس”، فإن العلاقات التجارية ساءت بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، مع ظهور فيروس كورونا بالصين نهاية 2019، إذ كانت أستراليا أول بلد يدعو رسمياً وعلناً إلى إجراء تحقيق من قبل منظمة الصحة العالمية، في الصين، كاتهام مبطن بأنها قد تكون وراء “تصنيع” هذا الفيروس. كما أصدرت أستراليا في 2018 قانوناً يمنع تمويل الأحزاب السياسية من دول أجنبية، وكانت الصين على رأس القائمة من حيث حجم التبرعات بنسبة 80 بالمئة.
ترى الـ “فورين بوليسي” أن “التوازن العسكري” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذي برأيها تسعى إليه الولايات المتحدة مقابل تعاظم القوة الصينية، “يعتمد على مدى سرعة انتقال تحالف اوكوس من كونه مفهوماً إلى كونه قوة فعلية في تلك المنطقة، لكن التحديات التي تفرضها الصين تبقى أكبر”. فهل خرج بايدن من النفق الأفغاني، ليدخل نفقاً أكثر تشعباً، أم أن ما قام به هو مجرد تأكيد لالتزامه عقد تحالفات إقليمية لمواجهة الصين، ليس أكثر خصوصاً في ظل شكوك تتعلق بمدى استعداد بريطانيا وأستراليا لقبول العواقب التجارية والإستراتيجية المترتبة على استعداء الصين، وإشكالات أخرى تتعلق بالاتفاق نفسه، منها أن الغواصات النووية الجديدة قد لا تكون جاهزة خلال العقد المقبل.