انسحاب تكتيكي؟ السعودية والتهرّب من الإرهابيين
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
خلال المعارك التي دارت على الأرض السورية، كان هناك تعبير غالب، يُستخدم بشكل دائم، ويتكرر في أكثر من جبهة، إنه تعبير “الانسحاب التكتيكي”.
والمعنى الحقيقي لهذا التعبير كان بوضوح: الهزيمة في المعركة على هذه الجبهة، والتراجع إلى نقاط أخرى، إن لم يكن الانكسار الكامل والإبادة الشاملة.
لقد اشتهرت العصابات المسلّحة باستخدام هذا المصطلح، لا بل تفرّدت به تقريباً، وأطلقته على عملية الهروب من الكثير من الأماكن، في حمص وفي دير عطية وفي الغوطة وفي غيرها من الأماكن.
اليوم، يعود هذا المصطلح ليتردد بقوة، ولكن ليس للتعبير عن هزيمة عسكرية على جبهة ما في الجغرافيا السورية، وإنما عن “تراجع في الموقف” عبّرت عنه المملكة العربية السعودية، مستبقة إياه بسواتر دخانية كثيفة، وممهدة له ببروباغندا إعلامية ليس لها مثيل.
التراجع جاء بشكل صريح وبلا لفّ ولا دوران: أمر ملكي علني يجرّم قتال السعوديين في الخارج، كما يجرّم الانتماء إلى جماعات إرهابية أو تقديم الدعم لها أو إبداء التعاطف معها.
القارئ للأمر الملكي الصادر عن الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصياً يأخذه العجب من اللغة المكتوب بها هذا النص، ومن الأسباب الموجبة للقرار، حيث يظهر أن القادة السعوديين اكتشفوا فجأة أن ما يقوم به سعوديون في الخارج مخالف لأمر الله بالاعتصام بحبله، ومناقض للسنة النبوية الشريفة، ومتجاوز لقواعد الشرع الحنيف، كما “يكتشف” أن أفعال هؤلاء السعوديين هي “ممارسات عملية تخل بالنظام، وتستهدف الأمن، والاستقرار، والطمأنينة، والسكينة العامة، وتلحق الضرر بمكانة المملكة، عربياً وإسلامياً ودولياً وعلاقاتها مع الدول الأخرى بما في ذلك التعرض بالإساءة إليها ورموزها”، كما جاء في نص الأمر الملكي.
ومع التأكيد على أن ما يقوم به هؤلاء السعوديون المغرورون والمغرّر بهم على حد سواء له آثار أسوأ ممّا ذكره الأمر الملكي بكثير، فإن استفاقة القيادة السعودية المفاجئة على الآثار السلبية لمقاتلة “المواطنين السعوديين” في الخارج يرى فيه المراقبون محاولة “انسحاب تكتيكي” من صراعات عديدة في المنطقة، يقف على رأسها ـ دون شك ـ الصراع على الساحة السورية.
ولا يخفى أن السلطات السعودية قد مهّدت لهذا القرار بحملة إعلامية عنيفة عبر الفضائيات والصحف السعودية، حيث بُثّت عشرات الساعات ونُشرت مئات المقالات التي تندّد بالشخصيات التي تدفع بالسعوديين إلى ساحات الموت تحت اسم الجهاد، والتي تنقل معاناة أهالي المغرّر بهم الذين يعودون إلى أهاليهم جثثاً هامدة.
كان واضحاً أن الهدف من هذه الحملة الإعلامية هو التمهيد لـ “عملية انسحاب تكتيكية” من الأزمة السورية، ولو على الصعيد العسكري المباشر، وذلك بعد الهزائم الكبرى التي مُنيت بها السياسة ـ والعسكريتاريا ـ السعودية على أرض سوريا.
هناك ـ من المراقبين ـ من يرى أنه ما زال من المبكر الحديث عن انكفاء سعودي كامل عن التورط فيما يحصل في سوريا، لأن انكفاءً كهذا قد يعني انتقالاً للأزمة إلى الداخل السعودي مع عودة الآلاف من السعوديين الذين وجّهتهم السلطات السعودية إلى سوريا، سواء من خلال تحريض دعاة الفضائيات لهم، أو عبر إطلاق سراح المجرمين من السجون بشرط الانتقال إلى سوريا للقتال فيها، أو عبر تمويل الجماعات الإرهابية بشكل خفي كي تعمل على استقطاب الشباب وزجّهم في حرب كان عُتاة النظام السعودي يظنون أنهم سيربحونها بشكل سريع.
وهناك من يرى أيضاً أن الأمر الملكي السعودي هو محاولة لمنع هؤلاء المسلحين من التفكير بالعودة إلى بلادهم بعد انخفاض جاذبية المعركة السورية، إثر انتصارات الجيش السوري في الكثير من المناطق، ما يجعل هؤلاء المسلحين في حال عودتهم قنابل موقوتة تنفجر في الذين فخخوها وأرسلوها إلى الخارج. والرسالة من هذا الأمر الملكي للمسلحين واضحة تماماً: إياكم أن تفكروا بالعودة، فالسجون في انتظاركم، وربما ما هو أسوأ.
المهم فيما يحصل هو أن النظام السعودي ما كان ليعمد إلى إصدار أمر ملكي بهذه الحدّة والفجاجة لولا أنه وجد نفسه أمام حائط مسدود في تعامله مع الإرهاب الذي صنعه في سوريا والعراق ولبنان وغيرها من دول المنطقة، ولولا أنه يخشى من وضع نفسه في مواجهة قرارات دولية ـ بدأت القوى العالمية الفاعلة في التفاهم حولها ـ تعاقب الدول التي تدعم الإرهاب وتشكل حاضنة له وتقدّم له الدعم الفكري والمادي.
باختصار، هو “انسحاب تكتيكي”، يقوم به النظام السعودي من عملية تدعيم الإرهاب في سوريا، انسحاب مشابه لانسحابات المسلّحين المتتالية، والتي أوصلتهم ـ مع راعيتهم ـ إلى الهاوية.