انتفاضة “تقسيم ـ جيزي”.. عام على تعرية أردوغان

انتفاضة "تقسيم ـ جيزي".. عام على تعرية أردوغان

في السابع والعشرين من أيار من العام الماضي بدأت فرق من بلدية اسطنبول بقطع بعض الاشجار في حديقة «جيزي» المجاورة تماماً لميدان «تقسيم» في اسطنبول للمباشرة في تنفيذ مشروع يرمي إلى إلغاء الحديقة وهدم «مركز أتاتورك الثقافي» وتشييد ثكنة على النمط العثماني شبيهة بثكنة كانت في العهد العثماني نفسه، وبناء جامع إلى جانب نصب العلمانية الذي يعكس معركة الاستقلال التي قادها مصطفى كمال أتاتورك.

وفي اليوم التالي تجمعت مجموعة من 28 شخصاً تعترض على المشروع. وفي التاسع والعشرين من أيار بدأوا بإقامة خيم في حديقة «جيزي» لمنع الاستمرار في قطع الأشجار. وفي الثلاثين من الشهر نفسه كانت الشرطة تتدخل صباحاً لمحاولة منع هؤلاء من الاستمرار في تحركهم وأحرقت الخيم. وما أن انتشر خبر اعتداء الشرطة حتى تقاطر المئات فالآلاف إلى ساحة «تقسيم» و«جيزي» لمقاومة الشرطة، وحولوا المكانين إلى حصن عصي على الشرطة لمدة عشرين يوماً.

ولم تنفض المقاومة إلا بعد هجوم كثيف للشرطة وسقوط ستة قتلى من المحتجين وجرح خمسة آلاف شخص، وفقدان 11 شخصاً لعيونهم.

وقد تحولت «انتفاضة تقسيم ـ جيزي» إلى إحدى المحطات الأساسية في التاريخ التركي الحديث التي تؤرخ لأول مقاومة لسلطة «حزب العدالة والتنمية» بزعامة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إذ شارك فيها عدد كبير جداً من النخب الثقافية والفنية المعروفة ومنظمات المجتمع المدني، في حين لم تتخذ الأحزاب السياسية المعارضة موقفاً واضحاً مؤيداً للانتفاضة.
وقد صدرت عشرات الكتب التي توثق لهذا الحدث الذي كان بداية لهز صورة سلطة «العدالة والتنمية» وأردوغان بالذات، اعتراضاً على نهجه الاستئثاري في السلطة والذي أفضى لتكون تركيا من أولى الدول المقيدة للحريات، ولا سيما الصحافية، وتصنيفها كبلد لا حريات صحافية فيه.

وقد اتهم أردوغان المحتجين بأنهم مجرد «لصوص وحرامية» (تشاولجولر) وبأنهم أداة في مؤامرة خارجية. وقد اعتقل المئات الذين يخضعون الآن لمحاكمة بتهم القيام بأعمال «إرهابية»، بينهم أجانب.

غير أن المحتجين كسبوا في النهاية المعركة ضد أردوغان، عندما أصدرت المحكمة قرارها النهائي قبل عشرين يوماً بوقف مشروع بناء الثكنة والجامع نهائياً.

مع ذلك، فإن أهمية الانتفاضة أنها أطاحت بصورة كان أردوغان يريدها أن تترسخ، وهي أن لا يواجه معارضة جدية لسياساته الداخلية والخارجية. فإذا بالانتفاضة تحرج أردوغان وتكشف ضيق السلطة بالحريات وتشكل بداية لأحداث أخرى عكست مدى الفساد المستشري في سلطة كانت تتباهى بنظافة الكف.

ولقد اشتعلت اسطنبول ومدن أخرى في الذكرى السنوية الأولى للإنتفاضة، غير أن الشرطة كانت أغلقت ميدان «تقسيم» وحديقة «جيزي» عبر 25 ألف شرطي استقدموا من 11 محافظة لمنع دخول المحتجين من جديد إلى الساحة. وقد سقط عشرات الجرحى وتوفيت امرأة بنوبة قلبية.

محمد نور الدين – صحيفة السفير اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.