انتصار البوليفارية على الامبريالية والصهيونية بتحالفها المصيري مع الصين وروسيا
موقع إنباء الإخباري ـ
سمير العدوي*:
في خضم المُعترك الشرعي والتاريخي للشعب الفنزويلي، الملتف حول قيادته البوليفارية الحكيمة، تحقيق انتصارات متواصلة على أعداء الديمقراطية، وخصوم الاستقلالية الفنزويلية، وضمن عمليات استكمال السيادة الوطنية، كان قبل فترة وجيزة نصر مؤزر على إنقلاب القوى الخارجية والداخلية المضادة المناهضة للديمقراطية، الذي يَعني تدعيم للنضال العربي التحرري لاستعادة المُغتصَبات العربية وفي مقدمتها فلسطين.
فشل الانقلاب الرجعي في فنزويلا كان استكمالاً لتراجع القوى الاستعمارية على صعيد دولي بما فيها الصهيونية التي انكسرت شوكتها، وانكفأت على نفسها، وهروب فلولها من كاراكاس الى واشنطن.
في سياقات الانقلاب الذي تم التنسيق له مع “اسرائيل”، كان إلقاء القبض على أزلامه، وهرب بعضهم الى امريكا، وبعدها كان واضحاً ان واشنطن بقيت بدون حلفاء سريين وعلنيين في الداخل الفنزويلي. فقد تم القاء القبض على عمدة مدينة كراكاس، وهو احد أكبر المتأمرين على الحكومة الفنزويلية المادورية، إثر اتهامه بالتخطيط للانقلاب، واتهمه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالتأمر ضد الحكومة البوليفارية، وأكد أن العُمدة سيُخضَع لنظام العدالة الفنزويلي الشعبي، وفقاً للدستور، سيّما وأن المتأمر كان وقع على وثيقة للمعارضة تطالب بتشكيل حكومة انتقالية مشبوهة الاهداف، علماً بأنه كان على تنسيق مباشر وسري مع الكيان الصهيوني، لتعزيز ما يسمى بـ”المصالح المشتركة” للانقلابيين معه.
وفي سبيل توضيح ملف تدخل تل أبيب في فنزويلا، لمن لا يعرف ذلك، اكتفي بالاشارة الى بعض الاحداث التاريخية بخاصة المتصلة بدولة كولمبيا المجاورة لفنزويلا، إذ تحوّلت كولمبيا الى مسرح لعمليات تدخّل في شؤون فنزويلا، وأن كولمبيا نفسها، كما تروي القصة الكولومبية الرسمية ذاتها، وهي قصة ليست مكتملة العرض، أن جيل كلاي، مدرب عسكري، ارسلته الحكومة الاسرائيلية بطلب كولومبي و “نصيحة أمريكية” لتدريب ما يُشبه عناصر القوات الخاصة في الجيش الكولومبي، وثبت “لاحقاً” خروجه من دائرة الأداء الرسمي الاسرائيلي، للقيام بتدريب عناصر من عصابات المافيا ومجموعات غير نظامية، تتولى عمليات القتل والاغتيال والتنكيل بدعم من الجيش المحلي والاستخبارات الأمريكية. وقد طالبت مؤسسات المجتمع المدني في كولومبيا بالقبض على كلاي وتسليمه للقضاء المحلي، فأُلقي القبض عليه في روسيا التي رفضت تسليمه لكولومبيا، علماً ان للدور الاسرائيلي في تدريب العصابات المسلحة الكولومبية تاريخ ما زال يُكتب بدم الأبرياء في كولومبيا وفنزويلا حتى الآن.
وعن المدرسة الرئيسة للعصابات غير النظامية في فنزويلا، فقد تكشفت مدرسة متكاملة للتفجيرات، وعمليات الخطف، وأعمال الترهيب، وأساليب القتل المُبتكر. فقد كانت المدرسة تُعلّم جميع أساليب القتل والتعذيب. بدأت تلك المدرسة ب 39 تلميذاً، ثم تحولت بعد ذلك إلى مجموعة من المدارس والمؤسسات الأصغر حجماً، التي أخذت تقدم ما يكفي من أشكال التدريب على أنواعه. وكانت المدرسة قد تأسست في “ماغدالينا ميديو”، في مزرعة حملت لقب الـ39 في كولومبيا، ثم انتقلت بعد ذلك إلى قرطبة على مقربة من الحدود مع بناما، حيث أُقيمت قاعدة عرفت بلقب “لا سيكريتا”، أو السرية. وقد انضمت إليها المجموعة الثانية من طلبة هذه المدرسة الاسرائيلية. بل وحتى قبل تلك المدرسة، عام 1983، تأسست أول مدرسة لقتلة الدراجات النارية، كانت أشبه بالموضة، لركوب قاتل على دراجة نارية، واغتيال الأفراد المطلوب تصفيتهم. عمل على “ترتيب” وتنظيم هذه الدورة مدرب اسرائيلي اسمه “اسحق غوسمان استمبر”، الذي درّب أكثر من مئة قاتل محترف، في مدينة مديين، في مزرعة اسمها لاس كاتاس، ومنحوا من قيادات رفيعة كل اشكال التدريبات اللازمة للقتل من على دراجة نارية. وفي نهاية الدورة قامت العصابة التي تعاقدت معه، باغتيال اسحق غوسمان استمبر بالطريقة نفسها، كي لا تدفع له أجراً لقاء أتعابه في تدريب القتلة، أي أن الدور الاسرائيلي كان أساسياً.
في هذه الوقائع القليلة غير المعروفة على نطاق واسع، قد ندرك حقيقة ان الدور الاسرائيلي كان وما يزال أساسياً، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الصناعات العسكرية الاسرائيلية تحتاج باستمرار إلى بؤر نزاع لترويج منتجاتها، وان تواجد عناصر الاستخبارات الاسرائيلية في المناطق الكولومبية المحاذية لفنزويلا، يساهم في تصعيد التوتر السائد على الحدود بين البلدين، وإشعال النار في كل امريكا اللاتينية، للاقتصاص من اندفاعة شعوبها نحو الحرية والاستقلال الناجز.
يقول الباحث خوان كارلوس تانوس، أن السلام اليوم بات مهدداً لما لدى إسرائيل من مصالح حيوية في الحرب، وهي مصالح تتأثر بتعزيز إيراداتها المالية من خلال الحرب دون السلام. ذلك انه إذا عم السلام في كولومبيا وفنزويلا وانتهت الحرب والتدخلات، ستتقلص الواردات المالية الصهيونية التي تحافظ من خلالها على الناتج الداخلي المرتفع باعتمادها على الحرب، و “لتمكين الولايات المتحدة من الاستمرار في استغلال ثرواتنا في هذا الجزء من القارة وبهذه الموارد تعزز علاقاتها الاقتصادية مع اسرائيل وتعزيز امكانياتها التقنية وتدخلها القذر في بلدان تعزز نزاعاتها المسلحة”. فلا شك أن النزاعات الاجتماعية يمكن تقليصها إن تراجعت الامبريالية الأمريكية عن سياسة التوسع، وتخلّت اسرائيل عن ممارسة الحروب القذرة في كولومبيا.
من ناحيته يقول الباحث خوسين زغاير، “ليس لدينا أدنى شك، في ضرورة الحفاظ على اليقظة، والعمل الدائم لتعزيز العلاقات الوحدوية على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الدولي لمواجهة تلك الأعمال وتلكم المشروع، لأن الامبريالية تنسق هذه الأعمال مع اسرائيل حيث تعجز عن العمل بالوقاحة اللازمة.
بينما تُشدّد الشخصية الفنزويلية من أصل لبناني رايمون قبشي، في تصريحاتها، “نحن نتعرض إلى حملة شرسة قد تكون فيها الأسلحة هي الوسائل التي تستعمل ضدنا، ولكن للحق أقول، بأن زمن الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية قد ولى بغير رجعة، أقول بأن شعوب أمريكا الجنوبية وخاصة الشعب الفنزويلي واعٍ تماما لواقعنا ولحقوقنا في المستقبل، وفي سيادتنا على قراراتنا، لذلك كل هذه المؤامرات سوف تفشل كما فشلت حتى الآن”.
ويُبشرنا الباحث الكبير نبيل خليل عبر قناة العالم الفضائية، بقوله، “قد لا يَصعب التكهن بمصير الصهاينة أمام الاصرار الفنزويلي على صون السيادة والوطن، لكن المؤكد حتى الآن هو أن المواجهة ستبقى مفتوحة بين حُماة السيادة في كراكاس، وعبيد السادة في البيت الأبيض. ولا شك أن للحديث بقية.
وفي سياق آخر أمريكي، يتضح أنه في غالبية الاحداث العالمية، لم تكن الولايات المتحدة في حاجة الى مشروع اممي يأذن لها التدخل المسلح والسياسي في شؤون الغير، وفنزويلا مثالاً، لأنها تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، لذا تقوم على انتهاكه وتدير ظهرها للمنظمة الاممية، وتعتبر العالم مزرعة موز لها تسود فيها على العبيد، وهؤلاء بعُرفِها هم الشعوب الفقيرة والمظلومة والضعيفة والمُستضعَفة “بفتح العين”.
وتعريةً للمخطط الامريكي وتفشيله، كان سفير فنزويلا بدمشق عماد صعب قد صرّح، في رده على سؤال لوكالة الانباء العربية السورية (سانا)، بأن عدة دول صديقة وحليفة لفنزويلا اعربت عن تضامنها مع حكومة وشعب فنزويلا وتنديدها بالعدوان الاميركي، الذي تمثَّل بالمحاولة الانقلابية، وهو ما أكد بالتالي ان الحلف الدولي سيشرع لمنع تدخل عالمي في كاراكاس، تحت أية ظروف، وسوف تحبط القوى الصديقة لفنزويلا كل مشاريع تحويلها الى مزرعة عالمية للاستثمار الاستعماري.
الولايات المتحدة خرقت سيادة فنزويلا بصورة مباشرة، ودعمت الارهاب والتدخل الاجنبي ضدها بلا توقف عبر السنين الماضيات، وقامت بتمويل المعارضة في الداخل الفنزويلي، وغير الفنزويلي، لقلب أنظمة الحُكم، لكونها تشعر بأُفول نجمها في الاحداث الدولية المتسارعة التي تُقصيها عن مسرح عملياتها الاستعمارية. فواشنطن التي لم تعد منذ عهد بعيد تتمتع بدعم الذهب، وبسبب تراجَعَ مخزونها منه تدريجياً لصالح سيادتها العسكرية على النفط في دول العالم الغنية به، لم تَعد تستطيع تغيير الواقع الدولي سوى بالتدخل الخارجي، وإبقاء العقوبات على الحكومة الفنزويلية وغيرها من الحكومات الوطنية، وبالتالي أضرت بمصالح الشعب الامريكي الاقتصادية والسياسية، باستهدافها نفسها بنفسها، وبآليات الكاوبوي القبلية القديمة التي لم تتغير في سلوكياتها بعد مئات السنين على تأسيسها.
وعن المعسكر الدولي الداعم لفنزويلا، وهو تحالف بريكس، وبخاصة الصين وروسيا، قال مسؤول كبير في شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة “بترليوس دي فنزويلا”، إن الصين أقرضت فنزويلا حوالي 10 مليارات دولار ، كان نصفها في إطار اتفاق ثنائي للتمويل والنصف الآخر لتطوير حقول نفطية، وتعمل الصين على مشروعات ضخمة في فنزويلا تماماً مثل روسيا، ويدعم البلدان القوات المسلحة الفنزويلية، واصبحت علاقات هذه الدول الثلاث الحليفة مزدهرة، وهي تقف بالمرصاد لأي تدخل في شؤون فنزويلا.
الأموال الصينية “الجديدة” هي مبعث سرور لفنزويلا التي تواجه ضائقة مالية حالياً، إذ زادت ثقة السوق في قدرة البلد العضو بمنظمة أوبك على الوفاء بالتزاماته، وارتفعت أسعار السندات الفنزويلية عقب أنباء القرض، وتحرص الصين التي تهتم بالطاقة للتعاون الاوسع مع فنزويلا التي تملك أكبر احتياطيات نفطية في العالم، في إطار تحرك أوسع تقدم فيه بكين تمويلات بمليارات الدولارات لضمان إمدادات من الخام. وفي مجال متصل بتصليب وتعميق سيادة فنزويلا، تناقلت الأنباء عن إقراض الصين أكثر من 45 مليار دولار لفنزويلا، في مقابل تسديدها بالنفط والوقود، وقال خبراء بأنه في العادة يجري إيداع الأموال في صنايق تركز على تطوير البُنية التحتية والتنمية الاقتصادية، وهو ما تعارِضه المعارضة الفنزويلية الكوزموبوليتية، التي هي في الحقيقة مرتبطة بأمريكا في صغير وكبير مشاريعها وتصريحاتها وخطواتها، وتتماهي في طبيعتها وجوهرها مع القيادات الامريكية والصهيونية، لذلك نرى كيف ان تلك “المعارضة” المزعومة بدأت بكيل الاتهامات للصين، إذ أشار سياسيو “المعارضة” في فنزويلا الى ما يُسمّونه “بمخاوف” مما يعتبرونه “إعتماداً مُفرطاً” على الصين، في حين أنهم يَضعون كل أوراقهم في جيب الولايات المتحدة الامريكية والكيان الاسرائيلي ويؤيدون احتلال لفلسطين والتدخل بشؤون مختلف الدول العربية المستقلة، علماً أن “المعارضة” الفنزويلية تقدم للولايات المتحدة والدولة الصهيونية خدمات جُلّى حتى بدون تقديم تل أبيب وواشنطن لتلك المُعارضة المُرتهنة تماماً بالعاصمتين أية مساعدات اقتصادية أو تقنية لفنزويلا، ولا تعمل على تأسيس أية مشاريع من أي نوع ولون لصالح شعب فنزويلا ودولته البوليفارية!!!.
• كاتب اردني وعضو في مجلس التضامن الاردني والعربي مع شعب جمهورية فنزويلا البوليفارية والاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.