اليوم العالمي للّغة العربيّة
صحيفة البعث السورية-
د. معن منيف سليمان:
اعتمدت الأمم المتحدة في إطار دعم وتعزيز تعدّد اللغات وتنوع الثقافات، قراراً للاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. و تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول، كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة سنة 1973، والذي قررت الجمعية العامة بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. ويتمثل الغرض من هذا اليوم بزيادة الوعي بتاريخ كل من اللغات الرسمية الست وثقافتها وتطورها. ولكل لغة من هذه اللغات الحرية في اختيار الأسلوب الذي تجده مناسباً في إعداد برنامج أنشطة لليوم الخاص بها، بما في ذلك دعوة شعراء وكتاب وأدباء معروفين، إضافة إلى تطوير مواد إعلامية متعلقة بالمناسبة.
جاء إعلان الأمم المتحدة عن تخصيص يوم عالمي للغة العربية كجزء من مبادرة أطلقتها المنظمة الدولية للاحتفال بالتعدد اللغوي والتنوع الثقافي، وكذلك لترويج المساواة في استخدام لغات العالم الست الرسمية في الأمم المتحدة.
واللغة العربية من أكثر لغات العالم تحدثاً وانتشاراً، وقد سادت في الوطن العربي لغة عربية واحدة منذ فجر التاريخ، وإن تعدّدت لهجاتها. ففي الألف الأول قبل الميلاد غطت الإمبراطورية العربية الكبرى لهجة واحدة هي اللهجة السورية الآرامية (العربية القديمة). وقد تطورت اللهجة الآرامية إلى اللغة العربية الحديثة (لغة قريش والقرآن الكريم) التي ورثت الماضي الثقافي المصري والسوري.
في وقتنا الحاضر يتحدث باللغة العربية أكثر من 422 مليون نسمة في الوطن العربي والعالم. وهي مرجع لملايين العرب ومرجع اعتباري لنحو مليار مسلم، وهي أقدم لغة في العالم ما زالت حية حتى يومنا، في وقت تتجه بعض اللغات في العالم نحو التناقص. والعربية من اللغات القادرة على الحضور العالمي ولا يمكن لأحد أن ينكر التطور الذي شهدته، أو ينكر انتشارها الواسع وتداولها الكبير في الإعلام والاقتصاد والسياسة والتعليم.
وقد أثّرت الفتوحات العربية في ارتفاع مكانة اللغة العربية، فأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي فتحها العرب، وأثرت العربية، تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم، كما أنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول المحاذية للوطن العربي. وهي لغة رسمية في كل دول الوطن العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في بعض الدول الأفريقية.
إن التطور المعرفي والمعلوماتي والتقني، يتطلب انتشار العربية وتداولها وتمكينها في محيطها، وضرورة العمل على تطوير أدائها، وتعزيز مكانتها، وبناء على ذلك لا بدّ من استثمار المؤهلات الذاتية والموضوعية للغة العربية، وكل الأبعاد الفاعلة فيها، واستثمار مؤهلاتها، حيث أن اللغات تستمدّ وجودها الفعلي من المتكلمين بها، وبفكرهم وبهويتهم، وبوزن هذه اللغة الاقتصادي، أو بجاذبيتها المعرفية المرنة. وهذا ما يدحض مزاعم أن اللغة العربية تعاني مخاطر الذوبان والاضمحلال والتراجع في ظل عصر العولمة.
إن النهوض باللغة العربية وتحديثها عبر الاستخدام في التواصل الحضاري والمعرفي والإعلامي، وعبر التدريس والبحث العلمي، هو من أهم عناصر النهضة العربية.