اليمن .. بوابة التسوية أم الحرب الشاملة؟
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
عشية الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، استفاق العالم على تطور مفصلي في اليمن: أنصار الله يسيطرون على العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى في باقي المحافظات، وذلك دون أية مقاومة تذكر… وذلك فيما أعلنه أنصار الله في حينه من أن الرئيس اليمني ومعه الحكومة آنذاك، قاموا باستصدار قرارات مجحفة طالت مختلف الشرائح الفقيرة في البلاد ….
لم تمض أيامٌ قلائل على ذاك الزحف الحوثي، حتى أعلن في اليمن عن اتفاق سياسي جديد بين مختلف الأطياف السياسية اليمنية على إعادة الإستقرار إلى اليمن، وعودة انتظام عمل المؤسسات الرسمية في البلاد، وذلك في ظل حكومة جديدة، حازت على الرضى من معظم تلك الأطياف السياسية في البلاد، وذلك تحت خيمة اتفاق جديد بين هؤلاء جميعاً، وبرعاية وتوقيع الرئيس منصور هادي، والذي عُرف حينها باتفاق “السلم والشراكة”.
لم يكد يمضي الكثير من الوقت ـ وغداة تلكؤ الرئيس هادي في البدء بتنفيذ مندرجات هذا الإتفاق ـ حتى بدأت بوادر الاعتراض والامتعاض لدى بعض الدول الأقليمية والدولية من بنوده… والذي تُوِّج بقنبلة سياسية من العيار الثقيل، فجرها الرئيس هادي ومعه حكومته الحديثة الولادة، وذلك بإعلان استقالتيهما، وعلى التوالي…
تلك المحطة عززت ما كنا نعتقده منذ الساعة الأولى لتلك الاستقالة، من أن اليمن، وتحديداً أنصار الله، ومن يُتهم أنهم خلفهم من دولٍ إقليمية، وتحديداً إيران، قد وُضعوا أمام أمر واقع جديد بهذه الإستقالة… فأريد للمشهد اليمني ـ ومن خلال الضاغطين على الرئيس لتقديم استقالته ـ أن يصبح على الشكل التالي:
إما عودة باليمن إلى المبادرة الخليجية ، والمدموغ بمشروع الأقاليم الظالمة بحق الحوثيين، وإما فرض التقسيم الفعلي على البلاد، وذلك بعودة نغمة الانقسام والانفصال إلى الجنوب، وبعض المحافظات الأخرى، وإما جعل اليمن مسرحاً لحرب أهلية، تستنزف معها الجميع، وتحديداً لإيران، خصوصاً أن هؤلاء الدافعين بهادي إلى الإستقالة، قد اعتقدوا بتحريضهم إياه، بأنهم بذلك يفتحون جبهة استنزافية جديدة عليها، إضافة إلى الجبهات الأخرى… بحيث أنها ـ أي إيران ـ وبحسب ظنهم، لن تقوى على ذلك.
ما لفت في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد إعلان الرئيس هادي لاستقالته، انهمار التصريحات الأممية، ومعها الدولية، وبعض الإقليمية بأن هادي ما زال رئيساً لليمن، وأن الحوار يجب أن يكون تحت رعايته، وذلك على الرغم من أن تلك الإستقالة، لم يجرؤ أحدٌ لغاية اليوم على اتهام الحوثيين بأنهم هم من أرغموه على تقديمها !!!
إذاً، كان في الأمر قطبةٌ مخفية وراء تلك المناشدات والتوصيفات التي ظلت تُعطى للرئيس المستقيل هادي… إلى أن خرج هذا الأخير بالأمس من صنعاء إلى عدن، تالياً بيانه الشهير في اعتبار كل ما كان من خطوات، وافق عليها بنفسه، وذلك فيما بعد الحادي والعشرين من أيلول الماضي، هي ” إجراءاتٌ باطلة “، داعياً إلى العودة إلى المبادرة الخليجية، كمنطلقٍ للحوار، وتحت رعايته في عدن .. مذيلا ً بيانه ذاك بعبارة “رئيس الجمهورية”!!!
إذاً انكشف ما أسميته بالأمس ـ من على إحدى الشاشات ، وذلك تعقيباً على بيان هادي ـ المستور والمكشوف في آنٍ معاً.. فليست المسألة رفضاً للإعلان الدستوري، إنما المسألة تعود إلى انقلاب قام به هادي على “اتفاق السلم والشراكة”، والذي تم تحت رعايته، وذلك جعل المستور من توصيفات الأمم المتحدة وأمريكا والدول الخليجية، بحق هادي في زمن استقالته ، مفضوح الأسباب ، والتي من أهمها أن كل تلك التواقيع التي ذيّلها هادي وحكومته المستقيلة على اتفاق السلم والشراكة، وما رافقها وتلاها من إجراءات عملية، لهي ” باطلة ” كونها كانت قد تمت تحت “التهديد والوعيد”!!!
إذاً هو إنقلاب إقليمي ـ دولي ـ أممي، هذه المرة ، مقابل ما نعت به كل هؤلاء حركة الحوثي، والإعلان الدستوري الذي أعقبها، والذي وصفوه في حينه بالانقلاب!!!
للتذكير فقط، أن كل الذي جرى في اليمن يأتي في ظل تسلم الملك سلمان لدفة القيادة في المملكة العربية السعودية، بحيث تفيد المعلومات بأنه يسعى لإعادة نوع من العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين (تصريحات سعود الفيصل مؤخراً) ، مع عودة أمريكية جديدة لتظهير صورة الإخوان، عبر إبراز تلك اللقاءات التي حدثت معهم مؤخراً في الخارجية الأمريكية، مع ما رافقها من عودة للتوتر القطري والخليجي هذه المرّة مع مصر، والتي نعتقد بأن هذه الأخيرة تُعاقب على محاولاتها المستجدة في الخروج ـ ولو قليلا ًـ من العباءة الأمريكية.
تطورات أخرى رافقت الأحداث في اليمن، منها ما كنّا قد تحدثنا عنه سابقاً، وتحديداً حول الحرب السعوأمريكية النفطية على كل من إيران وروسيا، وعلى بعض من دول المغرب العربي (الجزائر)، وكذا على بعضٍ من دول أمريكا اللاتينية ( فنزويلا )، وذلك بهدف ابتزاز هؤلاء إقتصادياً، كي يُصار لاحقاً إلى تركيعهم سياسياً، وذلك بعدة طرق، وقد فصلّنا فيها سابقاْ… يُضاف إلى ذلك كله، تلك الفقرات التي تتعلق باليمن، والتي وردت في الإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي، والمنشورة مؤخراً، والتي تدعي أنها ستعمل على “استقرار اليمن”، إضافة ً إلى ضرورة القيام “بإصلاح بنيوي” في هذه الدولة، مضيفةً ـ أي تلك الفقرات ـ بأن أمريكا ستبقى “تحارب القاعدة ومتمردين آخرين هناك”، وهوية هؤلاء لا تخفى على أحد …
لقد تناولنا تلك الإستراتيجية في مقالة سابقة، والتي كانت بعنوان “الأقلمة بين ثنايا الصبر الإستراتيجي”، والتي توصلنا فيها إلى أن أوباما يسعى فيما تبقى من ولايته إلى تعميم مشروع الأقلمة من العراق، فسوريا، وصولا ً إلى اليمن … وبالتالي فإننا لم نستهجن مطالبة هادي الأخيرة بالعودة إلى المبادرة الخليجية، ومشروع الأقلمة فيها، فذاك تماهٍ مع هذا…
بالعودة إلى ذاك المشهد اليمني المرغوب ـ والذي أشرنا إليه أعلاه ـ والذي يسعى إليه كل أولئك الذين يملكون الرقم السري لتلك القنبلة الإنقلابية التي فجرها هادي بالأمس، من أمريكا، وصولا ً إلى المملكة العربية السعودية تحديدا ً … فلأجل ذلك سنحاول تبيان الصورة في اليمن، وذلك وفقاً لأية شاكلة من المشهد المبتغى أعلاه، ودائماً بحسب ما يخطط له أولئك الدافعون بهادي إلى هذه الإستقالة، ومن ثم ذاك البيان.
ـ في ظل مشهدية الأقلمة، والتي تنطوي على التقسيم المقنّع، والمتماهي مع “الإصلاح البنيوي” والذي ورد في استراتيجية الأمن القومي الآمريكي، فإنها لا مكان لها في الجغرافيا اليمنية، وذلك لإعتبارات، تبدأ داخلية، ولا تنتهي عند مثيلاتها الإقليمية وحتى الدولية، وخصوصاً أن هذا النموذج يُحارب، ومنذ حوالي الأربع سنوات، في المنطقة برمتها… وذلك نظراً لتداعياته الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية على مجمل النظام الدولي، والذي يعيش العالم مخاض إعادة تشكيله من جديد، وذلك في سبيل الخلاص من الأحادية القطبية، والتي ستعزز أكثر فأكثر مع هذه المشهدية الكارثية..
ـ في ظل مشهدية الحرب الأهلية، والتي يُدفع اليمن إليها رويداً رويداً، علّ ذلك سيجعل من إيران والقوى التي تُحسب عليها في الداخل اليمني، ستتراجع تحت وطأة الخوف من الإستنزاف الجديد …
هذه النظرية، لعل أبسط ما يُقال فيها بأنها ترتكز على قصر نظرٍ سياسي فاضح، ناهيك عن أنها سيفٌ ذو حدين، فمن جهة الاستنزاف، فهو ليس مضموناً إطالة زمانه من جهة، ولن يكون بالتأكيد محسوباً على جهة واحدة من دون جهة أخرى… هذا فضلا ًعن أن دخول اليمن في معترك الحرب الأهلية والفوضى، مع موقعه الإستراتيجي المميز على البحر الأحمر، وعلى الكتف السعودي، سيجعل من هذه اللعبة لعبة خطرة ، قد تنقلب في تداعياتها على من يروج ويُسهّل الوصول إليها، وخصوصاً أن هذا الشريان الحيوي الذي يمتلكه اليمن على البحر الأحمر، لا يختص بمحور دون أخر في العالم، ولا بدولة دون أخرى. فمضيق باب المندب هو من البوابات الإقتصادية الوازنة في الاقتصاد العالمي ككل، وبالتالي فإن العبث بالأمن اليمني قد يجعل من مراهنات أمريكية وأوروبية، ومعهما بعض الخليجية أيضاً، والتي تسعى إلى تركيع المحور المقابل لهم في العالم، قد تجعلها ـ أي هذه المراهنات ـ تنقلب رأساً على عقب، بحيث أن ذاك العبث بتلك المنطقة الحساسة في العالم سيؤدي ـ برأي بعض الخبراء في المجال النفطي ـ إلى أن تعود أسعار النفط إلى الإرتفاع مجدداً، الأمر الذي سيحدُّ من الإنتعاش المستجد في الاقتصادين الأمريكي والأوروبي، وتعود به خطوات إلى الوراء …
في حال تحقق تلك المشهدية الاحترابية في اليمن ـ لا سمح الله ـ ستجعل بعدها بالتأكيد من كلفة التسوية في اليمن، ولربما في المنطقة برمتها، عالية التكلفة، وتحديداً على من سعى لهذا الإحتراب… وذلك بدلا ً من أن تكون ـ أي هذه التكلفة ـ محدودةً في المرحلة الآنية.. وهذا احتمال ـ إن كُتب له التحقق ـ سيجعل من تطورات الأوضاع في اليمن، مفتاحاً توأماً لمفتاح الجبهة الجنوبية في سوريا.. وذلك إن حكمت لغة العقل ـ إن وُجد ـ لدى بعض ٍمن مجانين القرار والسياسة في هذا العالم ….أو أن ذلك سيجعل من هؤلاء يسيرون باليمن، ومعه المنطقة ولربما العالم بأسره إلى ما لا تُحمد عقباه..
باحث وكاتب سياسي