الولايات المتحدة لا ترى في الصين إلا عدواً!
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
هل ستندلع الحرب بين الصين والولايات المتحدة؟. بالنسبة لبعض الأمريكيين يبدو أن هذا الأمر لا مفرّ منه، حيث تمّ الترويج لهذا الرأي من قبل النخبة الأمريكية على مر السنين، حتى بات هذا الرأي يحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة. هذه النخبة لا شك أنها أسّست أفكارها وفقاً لعقيدة مكيافيللي.
يتعامل السياسيون الأمريكيون مع الصين كمنافس بناءً على إيمانهم بـ”فخ ثوسيديديس”، فالقوة الصاعدة لا بد أن تتحدّى القوة القائمة، والقوة الحالية ملزمة بالردّ على التهديد، من هنا تصبح الحرب حتمية. تستند هذه العبارة إلى تأكيد ثوسيديديس، المؤرّخ اليوناني القديم الشهير، أن الحرب بين إسبارطة وأثينا كانت بسبب الخوف الذي غرس في القوة المهيمنة الراسخة لـ إسبارطة من قبل القوة الصاعدة لأثينا.
اشتهر مكيافيللي بمقولة: “الغاية تبرر الوسيلة”، وبسبب مصدر الفكر هذا، فإن الليبرالية أو الواقعية الغربية هي أدوات فقط ليس لديهما نيّة للتعايش والتسوية مع العالم الحالي، فكلاهما يسعى إلى أقصى درجات النقاء، أو التطرف في النظرية والممارسة وفقاً لمنطقهما وأفكارهما. الفرق هو أن الواقعية الغربية المتشائمة تصرّ على مصالحها الخاصة وتريد القضاء على الأعداء الوهميين وقهر عالم “غير مؤكد” بالقوة، بينما تنظر الليبرالية الغربية المتفائلة إلى العالم غير الغربي على أنه “فرصة”، هدفها ووسائلها إضفاء الطابع الفردي على العالم غير الغربي وتفتيته وإضفاء الشيطنة عليه بمختلف “الحريات” ذات المعايير الغربية، بحيث لا يكون لديه أي نيّة أو قدرة على مواجهة تدفق رأس المال الغربي وانتشار الوعي المتمركز حول الذات. لكن أكبر مشكلة مع أمريكا هي أن الأمريكيين لا يفهمون ما هو التعاطف، وكيف يتعاملون مع الآخرين، وما يسعون وراءه هو فرض أفكارهم وأيديولوجيتهم على أي دولة أخرى لديها إيديولوجيات أو أنظمة سياسية مختلفة.
لدى العديد من الأمريكيين فهم أحادي الجانب للصين، لذلك هم بحاجة إلى فهم جديد للروح الصينية، لأن الأشخاص الذين بنوا سور الصين العظيم لم يغزوا، لكنهم قالوا : “إذا لم تغزوني، فلن أغزوك أبداً”. وبالمثل، يتمّ تقديم العمود الروحي للأمة الصينية برسم تخطيطي يُعرف باسم “تاي تشي” الذي يرى أن الثقافة الصينية يمكن أن تتسامح مع الحضارة الغربية، ولهذا يجب على الحضارة الغربية أيضاً أن تتسامح مع الثقافة الصينية بدلاً من إثارة “صدام حضارات”.
لا يوجد اليوم سوى بلد واحد يعتمد نموه على 70 عاماً من الجهد، لا نهب، لا استعمار، لا يمارس سياسة تمييز ضد العمال المهاجرين، محاولاً التغيير من التجارة الخارجية، شيئاً فشيئاً. القوة الصينية المتراكمة هي سبب كونها على ما هي عليه اليوم، فالثقافة الصينية هي ثقافة تقوم على الانسجام، وتعامل الإنسانية على أنها استمرارية وهي مفتاح رئيسي لحل الارتباك الثقافي. كما لم تقدم الصين نفسها على أنها عدو للغرب، ولكن البعض داخل الغرب أدى إلى وجهة نظر معادية للصين، وهذه هي وجهة نظر الغرب للعالم. إنهم يسيئون فهم الصين في تصوراتهم بناءً على تبنيهم الخاطئ لقانون الغاب الذي يشير إلى الانتقاء الطبيعي والبقاء للأصلح. لكن قانون الغاب لا ينطبق على الحضارة الإنسانية التي تتكوّن من مخلوقات ذكية، على عكس البرية التي هي غابة بدائية تنافسية. ففي عملية تطور المجتمع البشري، مع التحسين المستمر لمستوى الحضارة، لا يبقى الناس مثل الحيوانات في الغابة، من هنا المجتمع البشري سوف يدمّر نفسه في النهاية إذا اتبع قانون الغاب.
على مرّ السنين، تحتفل الثقافة الصينية بالقيم الترابطية للاحترام والاعتماد المتبادل، فهي تحترم خصوصية الآخرين بما يعزّز التفاهم والتوافق بين الحضارات المختلفة من خلال التبادلات المتكافئة، وتعزّز القيم المشتركة للبشرية من خلال التعلم المتبادل. ولهذا فإن ثقافة الانسجام الصينية ليست جزءاً من أيديولوجية، إنها رؤية أخلاقية وطريقة للوجود في العالم. وأن اعتبارها مورداً ثقافياً ليس رومانسياً، بل ينبع من الضرورة. وعلى الرغم من تجاهلها منذ مئات السنين، إلا أن ثقافة الصين هذه تستحق مكانها، فلديها الكثير لتقدمه وستحدث فرقاً في العالم.
وعليه على المجتمع الدولي أن يتجاوز أيديولوجية الفردانية، وعلى الجميع تحمّل المسؤولية ليس فقط بالتفكير في الذات، ولكن فيما يعنيه ذلك بالنسبة للجهات الفاعلة الأخرى التي تتشارك العالم الذي نعيش فيه.