الوجه المظلم للمضادّات الحيويّة!
[ad_1]
المعركة القائمة بين البكتيريا والأدوية منذ 83 عاماً لم تحسم بعد، ففي مقابل كل مضاد حيوي صنعته الشركات، طوّرت البكتيريا عوامل مقاومة تحميها من هجمات هذا المضاد. وقد بدأت هذه المقاومة بعد سنوات من اختراع دواء البنسلين في ثلاثينيات القرن الماضي، واستمرت حتى وقتنا الحاضر لتمكن البكتيريا من إنتاج سلالات جينيّة جعلت سمعة عائلات كبيرة من الأدوية الرائدة مثل الميثيسلين، الفانكوميسين وحتى الكاربابينيم- الذي يعتبر الملاذ الأخير للأطباء – في مهب الريح.
يثير هذا الأمر قلقاً كبيراً لدى المنظمات الصحيّة العالميّة وعلماء الأمراض الجرثوميّة، اللذين يخشون من أن تتحوّل العديد من الإنتانات الشائعة إلى أمراض غير قابلة للشفاء. وفيما يلي نضع بين يدي القارئ (خصوصاً الأهل اللذين يسرفون في استخدام المضادات الحيويّة بطريقة غير صحيحة أو فعّالة) أهم الحقائق التي يجب معرفتها حول هذا الموضوع، بهدف التوعية والبقاء بصحة سليمة ومناعة قويّة.
المرتبة الثانية في لائحة القتل
إنّ مقاومة المضادات الحيوية واحدة من أكبر الأخطار التي تهدد صحة الإنسان اليوم، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO) فإنّ ما تسببه هذه البكتيريا المحصّنة من أمراض معدية يحصد 17 مليون شخص سنوياً. وقد كتب جون كونلي – أستاذ الطب في مركز مقاومة مضادات الميكروبات في جامعة كالجاري- في نشرة منظمة الصحة العالمية: «إنّ مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية قد أعادتنا إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية، حيث باتت التهابات مثل السحايا أو التهاب الجهاز التنفسي يمكن أن تقتل الناس».
ويقول العلماء: «بالرغم من كون البكتيريا محاربات مخادعة إلا أنّنا منحناها (ولا نزال نمنحها) ما تحتاج إليه لتحقيق نجاحها المذهل، من خلال الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيويّة والإفراط في استعمالها».
من ضيوف مسالمين إلى محاربين
تسمح البكتيريا لأجسادنا أن تبقى متعافية، فجسم الإنسان يحتوي منها على ما معدله 10 أضعاف الخلايا العاديّة تتوزع على الجلد، الأفواه، العيون، الأمعاء وكذلك المجاري البولية- التناسلية والتنفسية. وتساعد البكتيريا الجهاز الهضمي على العمل من خلال عمليّات الهضم وتجميع الفيتامينات.
ويقول الدكتور جوليان ديفيز، الأستاذ الفخري في قسم علم المناعة في جامعة كولومبيا البريطانية: «البشر هم المضيفين لأكثر من ألف نوع مختلف من البكتيريا، وهم اللذين ينقلون المئات منها». غير أنّ الدراسات الحديثة أظهرت أن بعض المضادات الحيوية قد يؤدي إلى تعطيل تكوين بكتيريا الأمعاء لعدة سنوات، ويقضي على التوازن التكافلي (symbiotic balance) الدقيق بين البكتيريا والفطريات (مغيراً شكل الفلورا الطبيعية من كائنات مسالمة ومفيدة إلى أخرى محاربة وضارة) ممّا ينعكس خطراً على صحتنا.
هجرة الـ(DNA) المقاوم
إنّ نهاية «معجزة المضادات الحيويّة» أصبح كلاماً متداولاً في الأوساط العلميّة والطبيّة المختلفة، ويخشى العلماء اليوم من مجموعات مطوّرة من البكتيريا قادرة على نقل أسلحة مقاومتها من جيل إلى آخر. وبالرغم من كون أنواع المضادات الحيويّة قادرة على قتل المئات من البكتيريا، إلا أنّ القليل منها يستطيع النجاة وخصوصاً تلك التي تتمتع بغلاف مزدوج يصعب حتى على الأدوية القوية أن تخترقه. إضافةً إلى امتلاكها لدفاعات داخل خليّة البكتيريا نفسها.
ولكنّ المدهش في ذلك، هو قدرة أنواع من البكتيريا السلبية الغرام (gram-negative) أن تتزاوج مع بعضها البعض دون تمييز وأن تتبادل قطع الـ(DNA) الحاملة للجين المقاوم. ويشير المختصون أنّ هذا السلوك البكتيري المخادع، إضافةً إلى عدم استطاعة شركات الأدوية تطوير مركّبات جديدة ضد هذه المقاومة المتغيرة والمستعصية، يقلّل من فرص نجاح العلاج وينذر بكارثة صحيّة قادمة.
لحوم بأسعار قليلة وأخطار وخيمة
من ناحية أخرى يشكل استخدام المضادات الحيوية في صناعة الأغذية الزراعية لحيوانات المزارع والأسماك، تهديداً جديّاً لصحة البشر. فعلى الرغم من رخص ثمن هذه اللحوم الممزوجة بالمضادات الحيويّة (يستخدم المزارعون جرعات قليلة من المضادات الحيويّة بهدف تسريع نمو الحيوانات عن طريق تنمية البكتيريا التي تنتج المواد الغذائية اللازمة للنمو)، فهي تؤدي في نهاية المطاف إلى خلق مقاومة من قبل عدد كبير من البكتيريا ضد هذه الأدوية التي لا يحتاجها جسمنا أساساً.
ويسهم مثلاً استخدام المزارعين المفرط لمعظم أجيال (الثاني، الثالث، الرابع والخامس) لمركب السيفالوسبورين الفعّال (cephalosporins) إلى إضعاف فاعليّته عند انتقاله للإنسان، وبالتالي عدم قدرة الأطباء على علاج أمراض كانت تعد غير معقدة في السابق، مثل نزلات البرد.
الوجه المظلم للمنتجات المضادة للبكتيريا
الهاجس من أضرار البكتيريا بات مخيفاً إلى درجة أن كلمة «مضاد للبكتيريا» الموضوعة على العديد من المنتجات الشخصية والمنزلية أصبح يجلب الطمأنينة، في حين أنّه ينبغي أن يسبب القلق كما يرى الكثير من العلماء. ويعزو هؤلاء السبب إلى مادة كيميائية تدعى التريكلوسان (triclosan) بإمكانها أن تقلل من تجمّعات البكتيريا الجيدة وبالتالي تضعف جهاز المناعة. ويوضح الدكتور ديفيز، أخصائي الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الكنديّة، الفكرة قائلاً: «لتريكلوسان آثار سيئة وغير معروفة، فهي تغيّر توازن الفلورا في جسمنا كما تؤثر سلباً على عمل الغدة الدرقيّة».
وقد تم العثور على التريكلوسان في العديد من المنتجات كالصابون ومعجون الأسنان وغسول الفم، أدوات المطبخ، أجهزة الحاسوب، الملابس، ولعب الأطفال. لذلك ينصح المختصون بتجنب التطبيقات المضادة للبكتيريا من أي نوع كانت إلا إذا كان ذلك ضرورياً.
المواجهة حكوميّة وفرديّة
تجنب شراء أي منتج فيه مادة التريكلوسان (يمكن أن توجد في الأقمشة، المماسح، الطلاء، بلاط الأرضيات، ورق جدران ولعب الأطفال)، واطلب من الشركات المنتجة لها التوقف عن استخدام هذه المادة. انشر عبارة «لا يجب استخدام المضادات الحيوية إلا عند الضرورة» بين عائلتك ومن تعرفه، كما يجب أن تستخدم بالضبط كما هو مقرر.