الهرمل: الانتحاري يجول في المدينة قبل التفجير
صحيفة السفير اللبنانية –
علي جعفر :
للمرة الثانية تضرب آلة الموت بجناحيها الإرهابي والتكفيري مدينة الهرمل، مستهدفة المدنيين الأبرياء الآمنين، موقعة عشرات الضحايا بين شهيد وجريح، وتخلف دماراً كبيراً في محطة للمحروقات ومنازل وسيارات. الهرمل التي لم يغادرها السواد، تعلن الحداد في المدينة والقضاء استنكارا للأعمال الإرهابية.
وللمرة الثانية خلال أسبوعين تتبنى التفجير «جبهة النصرة في لبنان». تلك الجهة التي باتت مجهولة – معلومة، ورؤوسها بين أيدي الأمن والقضاء. وقد تمكن المجرمون من الوصول مساء أمس الأول إلى الشارع الرئيس، عند مدخل المدينة، من دون أي رادع، عبر سيارة مفخخة رباعية الدفع يقودها انتحاري، فجرها داخل «محطة الأيتام للمحروقات» قرب «مستشفى البتول»، ما يظهر مدى الاستهتار الأمني، بالرغم من التهديدات المتكررة للمنطقة.
وأفادت المصادر المتابعة للتحقيقات، أن «كشف بعض الخيوط يحتاج إلى الانتهاء من مسح الموقع، والاطلاع على كاميرات المراقبة القريبة من المكان»، لافتة إلى أن «هوية الانتحاري غير معروفة، والأجهزة الأمنية تعمل على محاولة كشف تفاصيل هذه الجريمة المروّعة». ورجحت معلومات خاصة لـ«السفير» أن «الانتحاري المجهول جاء من منطقة عرسال، سالكا طريق اللبوة العاصي – الهرمل. حيث قام بجولة في المدينة قبل تنفيذ عمليته. وقد أثبتت ذلك بعض كاميرات المراقبة المنتشرة في بلدة اللبوه، وعند مدخل الهرمل الشرقي».
ولم يختلف مشهد الدمار كثيرا داخل «محطة الأيتام» التي استهدفها تفجير أمس الأول، عن المشهد السابق في انفجار ساحة السرايا، في 16 كانون الثاني الماضي. والقاسم المشترك بينهما عملية انتحارية تحمل بصمات الفكر الإجرامي الذي يتوزع على مختلف المناطق اللبنانية.
وفي التفاصيل، أنه عند الساعة السادسة والنصف من مساء أمس الأول، دوى انفجار كبير، تبين أنه ناتج عن انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري، وهي من نوع «غراند شيروكي»، لونها جردوني، داخل «محطة الأيتام»، التابعة لـ«جمعية المبرات الخيرية»، بالقرب من «مستشفى البتول» في مدينة الهرمل. وبحسب شهود عيان أن الانتحاري دخل إلى المحطة بسرعة، وفجر نفسه والسيارة. وعلى الفور هرعت إلى المكان سيارات الاسعاف و«الصليب الأحمر»، والدفاع المدني، و«الهيئة الصحية الإسلامية». وعملت على نقل المصابين وإسعاف الجرحى وسحب المواطنين من السيارات المحترقة.
وتمكنت فرق الإطفاء من إخماد النيران التي شبت في المحطة بسرعة كبيرة، قبل وصولها إلى الخزانات الرئيسية للوقود، حائلة دون انفجارها، ما جنب المنطقة كارثة حقيقية.
وقد تم نقل المصابين الجرحى والشهداء وأشلاء الانتحاري، الذي لا تزال ملامح وجهه واضحة إلى مستشفيات «البتول»، و«العاصي»، و«الحكومي» في الهرمل. والانتحاري أبيض اللون، وحليق الشاربين واللحية، عمره نحو 20 عاماً، وبعد نحو عشرين دقيقة على الانفجار انتشرت القوى الأمنية والجيش اللبناني، وضربت طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، مانعة المواطنين من الاقتراب، حرصا على سلامتهم، وتحسبا لأي طارئ أمني قد يحدث.
وسطر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر استنابة قضائية، كلف بموجبها الأجهزة المعنية من أدلة جنائية وشرطة عسكرية ومخابرات الجيش اللبناني، إجراء التحقيقات وجمع الأدلة والأشلاء والمعلومات، تمهيداً لكشف الفاعلين ومن يرسلهم.
صباح أمس، حضر عناصر الأدلة الجنائية، وخبراء المتفجرات، والشرطة العسكرية إلى المكان، وعملوا على رفع الأدلة وعاينوا السيارة المفخخة التي تناثرت إلى قطع صغيرة، وطارت بعض أجزائها إلى عشرات الأمتار. فتبين أنها من نوع «شيروكي»، رباعية الدفع، تحمل لوحة مزورة رقمها 371683، تعود ملكيتها الحقيقية إلى ي. إ. من صور. أما رقم محرك السيارة، فكشفت التحقيقات أنه موجود على ثلاث سيارات في الوقت عينه، وهي غير مسروقه، تعود ملكيتها إلى ج. س.، ون. ع.، وم. ق.،901Mx14. ولم تعرف الهوية الحقيقية للسيارة بانتظار انتهاء التحقيقات.
وأفاد مصدر أمني أن العبوة تقدر بنحو 25 كيلوغراما من مادة «ت.ن.ت.» شديدة الانفجار. كما وجد داخل السيارة المفخخة قذائف لم تنفجر، وهي من عيار 120 ميلليمتراً، إضافة إلى قنابل يدوية ومسامير. وأشرف على التحقيقات المقدم جان غنطوس من الشرطة العسكرية.
وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه» أمس الأول، البيان الآتي «حوالي الساعة 18.25، حصل انفجار وسط مدينة الهرمل في محطة الأيتام، ناجم عن تفجير أحد الإنتحاريين نفسه وهو يقود سيارة من نوع غراند شيروكي لون جردوني، ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح مختلفة، وحصول أضرار مادية جسيمة في الممتلكات. وقد فرضت وحدات من الجيش طوقاً أمنياً حول المكان المستهدف، كما حضرت وحدة من الشرطة العسكرية وعدد من الخبراء المختصين، للكشف على مكان الانفجار ومعرفة ملابسات التفجير». وإلحاقا بالبيان الأول صد عن «قيادة الجيش – مديرية التوجيه» بيان ثان أمس، جاء فيه أنه «بنتيجة كشف الخبراء العسكريين على موقع الانفجار الذي حصل مساء أمس (أمس الأول) قرب محطة الأيتام في مدينة الهرمل، تبين أن كمية المتفجرات المستعملة تتراوح ما بين 25 و 30 كيلوغرام، وهي عبارة عن مواد متفجرة وعدد من القذائف والرمانات اليدوية».
وكانت عشيرة علوه قد قطعت الطريق العام عند جسر العاصي ليل أمس الأول، استنكاراً للأعمال الإرهابية واستشهاد أحد أبنائها في الانفجار. كما استنكرت عشائر وعائلات وفعاليات المنطقة تلك الأعمال الإجرامية وطالبت الجميع وخاصة أبناء منطقة بعلبك الهرمل بإدانة هذه الأعمال.
مسح الأضرار
وقد تفقد مكان الانفجار رئيس لجنة مسح الاضرار في الجيش اللبناني العميد حاتم ملاك، وأجرى مسحاً شاملاً للموقع أمس. ثم قامت «مؤسسة جهاد البناء» التابعة لـ«حزب الله»، بتسجيل الأضرار للتعويض على أصحابها.
وأدى الانفجار إلى أضرار مادية كبيرة في المنازل المجاورة والسيارات التي كانت متوقفة على المحطة والتي صودف مرورها لحظة الانفجار. وفي حصيلة أولية للأضرار المادية، تضررت عشر سيارات بالكامل، وخمس سيارات بشكل جزئي. وتكسر زجاج نحو 30 منزلاً.
وأدى الانفجار إلى تلف مواد غذائية في بعض المحال التجارية، إضافة إلى أضرار كبيرة في منزل المواطن عاهد أمهز، القريب من المحطة.
وقد نجا أمهز وعائلته وعدد من أقربائه كانوا في المنزل لحظة وقوع الانفجار، يبلغ عددهم 12 وبينهم أطفال، من موت محقق، لولا تدخل العناية الإلهية.
ومن المتوقع فتح الطريق اليوم بعد أن تنتهي الجهات الأمنية من تحقيقاتها.
ليسوا أرقاماً
الحصيلة النهائية للشهداء والجرحى الذين توزعوا على مستشفيات «العاصي»، و«البتول»، و«الحكومي»، في الهرمل وبعض مستشفيات البقاع وبيروت، بلغت شهيدين، هما، علي أمير علوه، وعصام خير الدين (نازح لبناني من سوريا)، ونحو 30 جريحاً، اثنان منهم في حال حرجة. والجرحى هم
حسن نايف طه (حالته حرجة نقل إلى «مستشفى رياق» في البقاع الأوسط)
محمد احمد الجوهري (حالته حرجه نقل إلى «مستشفى الجعيتاوي» في بيروت)
حسين محمد مرتضى وأولاده الثلاثة: غدير، وزهراء، ومحمد.
وكل من حسن مشيك، وكلود شعيب، وحسن مرتضى، وعلي يوسف أبو بكر، وسهيل منير حمادة، ونافذ حمادة، ومحمود بريطع، وحسين محسن المسمار، وعلي محمد خزعل، وحسين خزعل، وكهيل حمادة، وحسن جابر حمادة، وصلاح أمهز، وحسين الفيتروني.
وقــــد غادر القسم الأكبر منهم المستــــشفى بعد تلقــــي العلاج اللازم، في حــــين بقي في «مستـــشفى العاصي» 3 جــرحى، وفي «مستـــشفى البتـــول» 5 جرحى.
إلى ذلـــــك، أعــــلن وزير الصـــحة في حكومـــة تصــريف الأعمال علي حسن خليل أن «الحصيلة النهائية لتفجــــير الهـــرمل الارهــــابي بلغـــت 3 شهــــداء و28 جريحاً، غادر 17 منهم المستشــــفيات، وبقي 11 توزعــــوا على المستشفيات التالية: 4 جــــرحى في «مستشــــفى البتول»، و4 في «مستشفى العاصــــي»، وجــــريح في «مستــــشفى دار الأمل»، وجريح في «مستشفى ريــــاق»، وجــــريح نــــقل إلى «مستشفى الجعـــيتاوى» فـــي بـــيروت، لإصــابته بحـــروق بليـــغة.