“النووي السعودي”.. ورسائل الوهم الخائبة

hassan-choukeir-saudi-nuclear

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
كثُر الحديث مؤخراً – بحسب ما تناقلت وكالات الأنباء – عن توجه المملكة العربية السعودية إلى  باكستان، للتقدم منها بطلب شراء قنبلة نووية جاهزة، وذلك في حال سُمح لإيران بالإحتفاظ بالبرنامج النووي الإيراني السلمي، واحتفاظها بالأبحاث المتعلقة به.. مع العلم أن  هذه المعلومات ليست وليدة ساعتها، وانها جاءت في أعقاب احتدام الخصومة الإيرانية السعودية في المنطقة.. أو إنها كانت في سياق نتيجة  طبيعية لاقتراب موعد التوقيع المزمع ما بين إيران ودول الخمسة زائد واحد، وذلك قبيل نهاية حزيران/ يونيو القادم… إنما كانت هذه التسريبات  في أوقات سابقة لهذا وذاك…
إذا تخطينا موضوع التوقيت، إلى الخوض في الهدف الأساس من هذه التسريبات الحديثة، فإننا نعتقد أن توقيت نشرها اليوم ينطوي على مجموعة من الدلالات والرسائل السعودية.. وفي غير اتجاه في آن واحد، بحيث نستطيع إجمالها، وإلى من يعنيهم الأمر، ضمن أنواع ثلاثة:
١- رسالة معنوية: تتوجه السعودية بهذه الرسالة إلى الداخل السعودي، ومعه الخليجي والعربي بشكل عام، إلى أنه ما أرادت المملكة أن تُوصف به بعد عدوانها المستمر على اليمن، بأنها “مملكة الحزم”، فإنها بالفعل أضحت كذلك… لا بل إن المملكة قد قطعت فعلاً، لا قولاً،  المرحلة السابقة في زمن الملك عبدالله، بحيث أن زمن الأفعال قد حلّ وزمن الأقوال قد ولى!!
ربما يعتقد الحكم الجديد في السعودية أن هذا قد يُدغدغ آمال وتطلعات بعضٍ من الشعوب العربية والإسلامية، وأنها والحال كذلك، فإن “مملكة الحزم” قد أصبحت اليوم بوصلة الشعوب العربية والإسلامية في استرداد العنفوان والكرامة العربية المفقودتين منذ ما قبل أربعينيات القرن الماضي على أقل تقدير..
ولكن، ربما أن الحكام الجدد في المملكة العربية السعودية قد تناسوا بأن من يريد أن يضطلع بدور محوري كهذا في الأمة، فإنه عليه – وعلى أقل تقدير – أن يحمل هم الأمة وقضاياها المحورية، وذلك ابتداءً من فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني..
ولكن إن تجاوزنا ذلك أيضاً، وتماشينا مع منطق الدواعش، بأن الوصول إلى الكيان الصهيوني، هو مسألة لاحقة، وليست سابقة !! وبالتالي فإن الأمة يجب أن تتخلص من “أدرانها” الداخلية قبل الخارجية… فإن “المملكة الحازمة” – وبهذا المنطق الذي تسير به اليوم – قد أضحت أكثر ضعفاً ووهناً من قبل.. وخير دليلٍ على ذلك، هو تخبطها الحالي في الوحول اليمنية، وإيغالها في سفك الدم اليمني، وبلا تحقيق أية مكاسب وأهداف تذكر، والتي يمكن من خلالها أن تصبح معها ذات مهابة واعتزاز عند من ترسل لهم هذه الرسالة النووية.
أضف إلى ذلك أيضاً، فإن استجداءها الجيوش من باكستان وتركيا والسنغال وماليزيا، وغيرها من باقي الدول، يُعمّق الشعور المعاكس لدى الشعوب العربية والإسلامية، بأن هذه الاستجداءات ما هي إلا ّ دليل العجز والضعف والوهن الذي تعانيه.. لا بل إن تطور الميدان في اليمن سيُعرّي “حزمها وعزمها” أكثر فأكثر لدى الشرائح الاجتماعية الخليجية والعربية، وحتى الإسلامية على حد سواء.. لا بل إن انفجار فقاعة تضخيم دورها المأمول لديها سيصيبها بندوبٍ لا مجال للتفصيل فيها الآن..
٢- رسالة إغرائية – التفافية: ربما يكون هذا التسريب السعودي لإمكانية شراء القنبلة النووية، ومن باكستان تحديداً، يهدف فيما يهدف إليه إلى توجيه رسالة إلى باكستان – الدولة الممتنعة عن تلبية الطلب السعودي في الاشتراك في الحرب البرية على اليمن ـ بأن باب الإغراء المادي الدسم قد فُتح على مصراعيه، وأن المساعدات السعودية السابقة لها لا تساوي شيئاً أمام هذه الصفقة الكبرى.. علّ ذلك يجعلها تُعيد النظر في قرارها ذاك.
السؤال المطروح: هل يمكن لباكستان أن تستجيب لذلك؟ وهل أن ذلك سيخدم المصالح الباكستانية العليا؟ وهل أن القرار الباكستاني، في هذا الشأن تحديداً، هو قرارٌ داخلي صرف؟
لا أعتقد البتة أن القيادة الباكستانية الحالية – وبغض النظر عن دفء العلاقة مع المملكة – هي اليوم في وارد الاستجابة لهذ العرض السعودي الدسم.
والأسباب تكاد لا تُعد ولا تحصى في هذا المضمار .. فأولى الصعوبات هي فنية تكنولوجية تتعلق بما لا تمتلكه المملكة من عقول وقدرات تستطيع التعامل مع برنامج نووي متكامل.. ولكن إن تخطينا ذلك، فإن هذه ستعد سابقة خطيرة في تجارة الأسلحة الفوق تقليدية، والتي تفتح على محاذير ذات نتائج وتداعيات خطيرة جداً في العلاقات الدولية.. هذا فضلا ً عن أن ذلك سيعد خرقاً للأعراف والقوانين الدولية في تسهيل التعاون بين الدول في التكنولوجيا النووية السلمية فقط، وذلك من خلال المنظمات النووية ذات الصلة، والتي لا تسمح بذلك، هذا فضلاً عن أن قراراً استراتيجياً كهذا لن يكون بمقدور باكستان أن تتخذه بعيداً عن معادلات الصراع القائمة اليوم في المنطقة والعالم برمته على حد سواء..لأن ذلك سيجعل من سوق السلاح النووي ليس مطروحاً أمام دولٍ ، تكاد تفقد صفتها كدولة، إنما قد يتعداها إلى منظمات عالمية قد تمتلك صفات دولتية أكثر من بعض الدول بحد ذاتها.. والتي تتربع السعودية على عرشهم جميعاً في هذا المجال!!
ماذا يعني ذلك؟ إنها الرسالة الثانية، ذات النتائج المعكوسة أيضاً، والتي لن تجرؤ السعودية على تبنيها – وبشكل رسمي – نظراً لأنها تُدرك جيداً حدود الملعب الذي يُسمح لها أن تلعب فيه في المنطقة والعالم أيضاً.
٣- رسالة تحذيرية – تبليغية: تتوجه الرسالة النووية السعودية إلى إيران تحديداً بوجوب الوقوف أمام ما تدعيه السعودية بأن هناك انتفاضة حقيقية في السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية .. وأن حدود هذه الإنتفاضة قد تخطى السياسة إلى الإستراتيجيات التي ستعتمدها المملكة من الآن فصاعداً.. وعليه فإن المحاولة الإيرانية للحصول على قنبلة نووية، أو حتى الإحتفاظ ببرنامج نووي سلمي، قد يدفع المملكة إلى فعل نووي يفوق نظيره الإيراني.. وذلك قد يكون قد تم – على عكس ما يعتقده البعض – بشكلٍ منسق مع أمريكا في الزمن الفاصل والضيق المتبقي من انتهاء مهلة التوقيع في نهاية حزيران القادم.. وذلك ربما يكون محاولة لرفع مستوى الضغوط على المفاوض الإيراني، وخصوصاً أن هذا الأخير يدرك تمام الإدراك بأن أمريكا تريد الإلتفاف على النصر الإيراني في مفاوضاتها معها، وذلك بعد أن رضخت لفصل السلة النووية عن الدور الإقليمي لإيران في المنطقة.. بحيث أن أمريكا تسعى للالتفاف على ذلك من خلال دعم المحور والدور السعودي المواجه لإيران في المنطقة إلى أبعد الحدود.. وأن هذه الأخيرة لا قيود أمريكية عليها، وحتى لو كانت نووية!!
لا نعتقد البتة بأن هذه الرسالة الإحتيالية الأمريكوسعودية سيكون لها أي تأثير على المفاوض الإيراني في هذه المرحلة تحديداً، وخصوصاً أن إيران ـ العارفة بدهاليز السياسة الأمريكية الإحتيالية والضبابية ـ ستنطلي عليها تهويلات كهذه.. فيكفي أن نستذكر بأن أمريكا لا تجرؤ على بيع سلاح تقليدي للسعودية، أو لأية دولة عربية أخرى، قد يكسر التفوق التقليدي للكيان الصهيوني عليهم جميعاً.. ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا، ومن خلفها الكيان الصهيوني، يدركان الرمال المتحركة التي تقف عليها السعودية اليوم، بفعل الداخل المخيف – بحسب أوباما – من جهة  وإمكانية ارتداد كرة النار اليمنية عليها  من جهة ثانية…
هذا فيما خص السلاح التقليدي…  فكيف بالنووي؟ هذا محال..
والتساؤل الثاني، والذي يمنع حتماً من تحقق ذاك الحلم السعودي النووي، يتعلّق بأمريكا والكيان الصهيوني معاً .. فهل أن الأولى  تُريد لإيران أن تنقلب على تعهداتها في الإتفاق النووي العتيد؟ وذلك تحت ذريعة التكافؤ مع المملكة النووية.. وهل أن الفرار الأمريكي من الهجوم على إيران في المرحلة السابقة، والعجز الصهيوني عن الانفراد بتوجيه ضربة استباقية للبرنامج النووي الإيراني.. سيصبحان أسهل في زمن التخلي عن التعهدات الإيرانية، وبذريعة محقة هذه المرة، والتي ستجعل من  السبحة النووية بعدها، يمكن لها أن تكر إلى دولٍ أخرى..؟؟؟
هذا  الأمر لا تحبذه أمريكا، ولا يستسيغه الكيان الصهيوني أيضاً.. وبالتالي فإن هذه الرسالة ليست ذات معنى، ولن تصل إلى من يعنيهم الأمر بكل تأكيد..
خلاصة القول، تسير السياسة السعودية اليوم – مع الأسف الشديد – خبط عشواء في زمن البحث عن الدور الإقليمي المنشود،  من أمريكي متخففٍ ماكرٍ، يريد لهذه المنطقة الاحتراب الطائفي والمذهبي لعشراتٍ من السنين القادمة، وذلك كله لإصابة هدفين لم يُقرءا بالتأكيد ضمن استراتيجية أوباما للأمن القومي الأمريكي الأولى في العام ٢٠١٠.. وهما: ضمان الأمن للكيان الصهيوني بأقل تكلفةٍ على أمريكا، ودمج هذا الكيان بمنظومة أمنية صهيونية – عربية لتضييع وإبعاد وطمس بوصلة الأمة عن فلسطين وقضيتها المحقة… فهل ستستيقظ “مملكة الحزم ” من سباتها العميق؟
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.