الموازين الاقليمية تحدد وجهة الحل اللبناني
منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرئاسة دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التسويات والترتيبات… بدءا من الاتفاق النووي الاميركي الإيراني في ظل تعقيدات وتجاذبات لا تقل حماوة عن الحرب، مما يجعل المشهد معقدا وسط التناقضات الكبيرة المصحوبة بتوترات عسكرية، وتباينات سياسية، إضافة إلى الاصطفافات الجديدة.
لم تكن عودة الاميركي للتفاوض مع إيران مفاجئة خاصة أن إيران، وبالتعاضد مع محور المقاومة، نجحت في قيادة إدارة الحصار، ومواجهة العقوبات، واستطاع المحور التقدم على أكثر من جبهة إن في اليمن، أم سوريا، أم العراق، فكبح صفقة القرن، مع إبقاء نوع من التوازن في فلسطين، وتأجيل ملف الساحة اللبنانية إلى مرحلة لاحقة.
كل هذه المتغيرات تطرح إشكالية واقع الساحة اللبنانية التي تنحدر نحو مزيد من الإفلاس السياسي، والانهيار الاقتصادي، فالقوى التي ارتضت إدمان المراهنات الخاطئة تستمر في رهاناتها على قوى باتت قاب قوسين من الخروج من المعادلات الإقليمية، فلقد كانت السنوات العشر المنصرمة كفيلة بتهشيم دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية.
صحيح أن دول الخليج هي إحدى أركان منظومة النظام العربي، ولكنها خسرت معركة الربيع العربي، وفشلت في ترويض سوريا، والعراق، واليمن، وتونس، وعجزت عن اللعب في الجزائر، ومؤخرا الأردن وتقترب من خسارة لبنان بالكامل، والخروج من معادلته نهائيا، وربما يكون قرار منع دخول المنتوجات الزراعية اللبنانية إلى المملكة من هذا القبيل.
على الجبهة المقابلة، وبنتيجة الانتصار في الحرب السورية، تعزز صعود روسيا، والصين، وبدا جليا انحسار الدور الاميركي الذي يبحث اليوم عن تقليل خسائره في المنطقة، وليس السعي إلى مزيد من الربح خلافا لما درج عليه تاريخيا.
من هنا يطرح سؤال كبير: لماذا لايزال قسم من اللبنانيين يتهيب العقوبات الأميركية والأوروبية مع أن فشل المبادرة الفرنسية كشف هشاشة الغرب من خلال فشل مبادرة الرئيس الفرنسين ماكرون عقب انفجار مرفأ بيروت.
ان محاولات البعض إعادة تركيب نفس السلطة يزيد من حدة الأزمة اللبنانية دون القدرة على إيجاد حلول، وكل ما يجري الآن هو تعبير عن عقم تلك القوى، وفشلها، فقد تغيرت المعادلات والتوازنات بما لم يعد متلائما مع إعادة تركيب الكيان والنظام اللبنانيين وفق الأسس السابقة التي بني عليها منذ نشأته ١٩٤٣.
تغير الوقائع بات متعذرا، ولن يعد بمقدور الاميركي وحلفائه فعل شيء سوى إطالة الأزمة، وما يجري اليوم هو مرحلة تأسيس، وإعادة تشكل، وسيكون من البديهي أن تجري التسويات مع المنتصرين وهذا سينعكس على لبنان تلقائيا.
قد يستمر هذا الحال عاما كاملا بدون حكومة، وبدون توافق داخلي، بل سيستمر الوضع اللبناني في التدهور الاقتصادي، والمعيشي، منذرا بتطور الأوضاع بلوغا إلى فوضى اجتماعية بانتظار استقرار المنطقة.
والقوى المنتصرة في الاقليم، ولبنان، تعتبر نفسها جزءا من المشروع المنتصر، تنظر إلى الانتخابات النيابية كمحطة فاصلة في إعادة ترتيب وضع الساحة اللبنانية، خاصة إنها قادرة على تجديد نفسها عبر تأكيد التمثيل الشعبي، وهذا يعطيها الشرعية مجددا.
والاعتقاد السائد ان الأشهر القادمة ستكون صعبة، ومؤلمة، حيث يشتد الحصار، وتزداد العقوبات، ويزداد غياب المساعدات الخارجية.
ان المروجين لأفكار الهزيمة، والانفجار، يعبرون عن أمنيتهم ورغباتهم غير مستفيدين من التجارب، وكأن موازين القوى بنظرهم ما تزال كما كانت زمن نهوضهم، رغم أنه بات من الجلي انقلاب الموازين، وتقدم محور المقاومة. فالواقع مختلف تماما، والمؤشرات تشير إلى قرب تظهير انتصارات محور المقاومة بعد العودة المتوقعة إلى الاتفاق النووي، ولا بد لها من انعكاس إيجابي على لبنان في الحل المرتقب له في حينه.
*كاتب وباحث لبناني