المكاسب الاسرائيلية من تحييد سوريا عربيا
مجلة باحث للدراسات ـ
مريم مرتضى:
لا شك ان سوريا اليوم تعاني من عزلة قسرية عن محيطها الواسع وهو العالم الرحب، وعزلة اخرى عن محيطها الاقرب وهو العالم العربي ، وقد تختلف وجهات النظر حول مبررات و دوافع هذا العزل، في زمن تحولت فيه الازمة السورية الى عامل انقسام اضافي، يساهم في شطرهذا العالم الى جبهتين متواجهتين بالنار حينا، وبالحصار والعقوبات والعزل والتهديد باستعمال القوة حينا آخر. ولا بد في هذا المجال من تسليط الضوء على موقع اسرائيل اليوم من الاحداث الجارية في سوريا، اسرائيل التي هي اليوم،الى حد كبير بمأمن من الدخان الاسود الذي تنفثه الازمة السورية، ولا شك ان ما آلت اليه الامور في سوريا من تدهور، والمناخ الدولي المحرض على النظام السوري منذ اندلاع الازمة، قد زاد من مكاسب اسرائيل التي تستغل كل فرصة سانحة لتعزيز قوة كيانها ومد نفوذه، وضرب قوى الممانعة التي تشكل سوريا طرفا اساسيا فيها.
فلطالما أعار المفكرون والسياسيون الاسرائيليون اهتماما خاصا لموقع سوريا في الصراع العربي الاسرائيلي ، وقد عبر البروفسور الاسرائيلي موشيه ماعوز عن ذلك بالقول ان “الاسرائيليين مسكونون بالخوف من سوريا ذلك ان فكرة الوحدة السابقة مع مصر، اضافة الى خطاب الاعلام السوري والخطابات الشعبية للقادة السوريين زادت من منسوب العداء لاسرائيل لدى العرب كما تعززت فكرة ازالة اسرائيل بالقوة عبر الدعم السوري لحركات المقاومة”(1). والأهم من ذلك ان اسرائيل تدرك ان النظام السوري تاريخيا والى يومنا هذا حمل فكرا مناهضا لاسرائيل من حيث النشأة والطموح التوسعي والأطماع والدور في قلب المنطقة العربية.
وفي جولات المفاوضات السورية الاسرائيلية السابقة، تعمد الاسرائيليون جر سوريا لتقديم تنازلات في مسائل الامن والمياه والتطبيع، ولم ينجحوا في ذلك، اذ كانت سوريا دائما تقف عند حد الحصول على تعهد اسرائيلي واضح وصريح بالانسحاب الكامل من الجولان من ضمن تصورها الخاص للسلام العادل والشامل، وهناك من قال ان سوريا ارادت تسوية مختلفة عن التسويات الاخرى من الجوانب المعنوية والمادية والاجرائية كافة.
وقبل الخوض في تبيان مكاسب اسرائيل من تحييد سوريا، لا بد من شرح سريع لبعض النقاط التي تبين معنى خطوة العزل و مفاعيلها على الصعيد السوري.
اولا: خطوة التحييد العربية ومفاعيلها على المستوى السوري:
أ- ماذا يعني تحييد سوريا بالمنطق القانوني في ميثاق الجامعة العربية والسوابق التاريخية؟
لا يحتوي ميثاق الجامعة العربية على إجراء تعليق أو تجميد العضوية، لكنه نص على الطرد أو الفصل في المادة 18 منه، التي تقول إن “لمجلس الجامعة أن يعتبر أي دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها.” الا ان الشواهد التاريخية اثبتت أن الجامعة فشلت في تطبيق هذا النص، فهي لم تستطع فعل شيء حيال مصر عند وقعت اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، واكتفت بعقوبة “تجميد” عضويتها في الجامعة، ونقل مقر الجامعة من القاهرة الى تونس. ولم توقع الجامعة أيضا عقوبة الفصل على ليبيا واكتفت بتجميد عضويتها، اثر قرار الاخيرة الانسحاب من الجامعة في العام 2003 بسبب ما وصفته بخيبة الامل من الموقف العربي، وكذلك الحال بالنسبة للعراق عام 1990 عند احتلاله لدولة الكويت، بحجة أن الجامعة لا تريد تدويل الأزمتين، غير أن التدويل هو ما حصل فعلا في كل من العراق وليبيا(2). ذلك ان العرب غالبا لم ينجحوا في تطويق أزماتهم ولم يملكوا يوما مفتاح الحل بأيديهم دون سواهم، او على الاقل لم يتقوا الانجراف نحو خيارات الغرب ومخططاته للمنطقة التي ثبت انها تصب في صالح اسرائيل بالدرجة الاولى ، فنحت ازمات وحروب العالم العربي مناح معقدة، ومرد ذلك يعود الى هشاشة العمل والتنسيق والتعاون العربي وانقياد الانظمة العربية وتبعيتها .
واليوم اتى دور سوريا، حيث جاء قرار تعليق العضوية في الجامعة العربية في شهر كانون الاول من العام 2011 على خلفية الاحداث الجارية فيها، وتماشيا مع رغبة اغلبية الدول العربية ان تنحو الامور على هذا النحو من التصعيد السياسي مع سوريا.
ب- ما هي نتائج خطوة العزل على الصعيد السوري؟
لا شك ان تسرب الضعف الى جسد الحكم المركزي في سوريا نتيجة تعدد جبهات النزاع الداخلية، واتخاذها مظاهر اشتباك عسكري حقيقي تارة، ومظاهر جريمة منظمة او حرب استنزاف تارة اخرى، واشتداد الهجمة والحصار العربي والدولي، لا شك ان هذه الحال تفتح شهية التدخلات على مختلف اشكالها العسكرية والسياسية والاستخباراتية والامنية (كما حصل سابقا في العراق من استقدام شركات امنية تقوم بعمليات اجرامية يكون لها ارتدادات خطيرة على الساحة التي ترتكب فيها تلك العمليات)، ويذهب البعض الى القول ان خطوة تجميد عضوية سوريا بقيادة بشار الاسد في الجامعة العربية قد تزيد من فرص تنفيذ تدخل عسكري في سوريا على اعتبار ان العرب بهذه الخطوة قد كشفوا النظام بالكامل، واسرائيل بطبيعة الحال هي الذراع العسكري التنفيذي الجاهز لشن ضربات تكتيكية او موسعة في العمق السوري. والتدخل الاجنبي في سوريا يمكن ان يجري على مستويات عدة، نوجز عنها:
1- فتح باب التدخل العسكري الدولي عبر ذراع الناتو
ضج مقر الأمم المتحدة في نيويورك بدعوات كثيرة للتدخل العسكري الدولي في سوريا من جانب دول غربية وعربية ، الا ان هذه الدعوات اصطدمت بمعارضة اساسية من قبل روسيا والصين في مجلس الأمن. وهذه الدعوات ترتفع بين الفينة والأخر لممارسة المزيد من الضغوط على النظام في سوريا، و يشير مراقبون للموقف الدولي حيال الأزمة السورية الى ان اقصى ما يمكن توقعه من مجلس الأمن اليوم هو قرار يدين النظام السوري ويفرض عقوبات اقتصادية على دمشق، وذلك بعد ان سجل الموقف الروسي والصيني من الأزمة ثباتا متكررا على موقف عدم دعم الخيار العسكري لقلب النظام في سوريا والتمسك بالحل السياسي، الا انه لا يستبعد أن يسعى الغرب إلى قرار يتوكأ على تدهور الوضع الإنساني للمطالبة بإقامة “ممرات إنسانية” أو حتى “مناطق عازلة”، وتبقى امكانية اقرار هذه الخطوات المذكورة متصلة بموافقة الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن (3).
وبعد ما يزيد عن سنتين من اندلاع الأزمة، صرح الامين العام السابق للامم المتحدة و المبعوث السابق لجامعة الدول العربية والامم المتحدة الى سوريا كوفي عنان، بانه “فات اوان التدخل العسكري الآن في سوريا وإن تسليح معارضي الرئيس بشار الأسد لن ينهي الأزمة المستمرة منذ عامين” (4).
وما دفع كوفي انان لقول هذه الخلاصة، هو ميله لاعتماد الحل السياسي المستند الى توافقات الدول الكبرى حول سوريا، فيما عسكرة النزاع بنظره لا طائل منها، وهي تساهم في صب الزيت عوض صب الماء على النارالسورية. وتزامنا مع تصريح انان ، دعا الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فون راسموسن الى حل سياسي للأزمة وقال ان هناك فارقا واضحا بين سوريا وليبيا (5).
2- تسليح المعارضة السورية ودعمها سياسيا
اكدت بعض الصحف الغربية كجريدة “الإندبندنت” البريطانية أنَّ المعارضة السورية تحصل على أسلحتها من دول الخليج عن طريق تركيا وبمساعدة من الاستخبارات التركية (6) . كما اشارت صحيفة الواشنطن بوست نقلا عن ناشطين في المعارضة السورية، ان عمليات شراء للاسلحة تتم معظمها في السوق السوداء من الدول المجاورة لسوريا أو من عناصر في الجيش النظامي، وان ذلك قد ازداد بشكل كبير بعد قرار السعودية وقطر وغيرهما من دول الخليج تخصيص ملايين الدولارات لتمويلهم كل شهر (7).
فبعد استعصاء التدخل العسكري الدولي في سوريا، ذهب بعض العرب الى فتح باب التسليح العسكري “العربي” للمعارضة السورية رسميا على مصراعيه، وكان هذا التوجه العربي قد استهل بداية الازمة عبر دعم قيام الجيش السوري الحر ورفده بالسلاح والذخيرة والمقاتلين من خارج سوريا وانشاء معسكرات التدريب في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة او في بعض الدول المحاذية للجغرافيا السورية. وقد صدر القرار العربي الخاص بسوريا في آخر القمم العربية التي انعقدت في الدوحة و أعطى صراحة الحق لكل دولة عربية بتسليح المعارضة السورية. في وقت تجلى التدخل السياسي العربي في الشأن السوري في اوضح صوره عندما سلم مقعد سوريا للائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي لا يحمل اي هوية تمثيلية حقيقية واضحة، كما وصدر قرار عن القمة المذكورة بعقد اجتماعات مع جماعات المعارضة لمناقشة المرحلة الانتقالية في مستقبل سوريا(8).
3- اضعاف فرص الحل السياسي
عندما تقطع أزمة او حرب ما شوطا من دفع الأثمان والدمار واستنزاف القوى، يطرح على مائدة دولية او اقليمية ما تصورات لفض النزاع، قد تفشل او تنجح او يفتح المجال لجولات من المساعي لإرساء تفاهم او اتفاق او وقف لإطلاق نار بالحد الادنى. وفي الحالة السورية، تكررت دعوات النظام للمعارضة السورية للبدء بحوار سياسي، ووضع الاخير شروطا عنوانها العريض الحفاظ على النظام القائم وفتح باب الاصلاح و التغيير الديموقراطي عبر صندوق الانتخاب اضافة الى انجاز بعض التغييرات لا سيما على الصعيد الدستوري. ومن الجانب الآخر كان هناك تشكيك كبير في نوايا النظام واصرار على طروحات يرفضها النظام بشكل قاطع، كالدعوى الى تغيير فوري يبدأ بتنحي رأس النظام دون السير في عملية سياسية متدرجة.
وجاءت خطوة الجامعة العربية بتجميد عضوية سوريا في البدء، ومن ثم تسليم مقعد سوريا لممثل المعارضة، وقرار فتح باب تسليح المعارضة على مصراعيه، الصادر عن القمة العربية الاخيرة في الدوحة، جاءت لتزيد من استعار نار الازمة، ذلك ان الاستمرار في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية المسلحة التي تتحرك على مساحة المدن السورية الكبرى كما الارياف، وقرار المضي في هذا الخيار من جانب الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية الكبرى، يضعف بشكل كبير فرص التوصل الى حل سياسي في سوريا في الافق المنظور، وبالتالي يؤدي هذا الامر الى مراكمة المزيد من الاضرار والخسائر المادية و البشرية ومفاقمة مأساة التهجير واللجوء.
4- فرض العقوبات الدولية:
توالت مراحل فرض العزل الدولي على سوريا بعد اندلاع الأزمة فيها، وبعد تبلور المواقف الدولية التي صدرت بشأنها، فسجلت حماسة كبيرة لفرض العقوبات من قبل الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي وغالبية الدول العربية عطفا على تركيا، في حين سجلت الصين وروسيا بشكل اساسي في مناسبات عديدة تحفظهما او تمنعهما عن القيام بذلك.
فمن ناحية الولايات المتحدة يعود تاريخ فرض العقوبات الى عهد جورج بوش الابن بعد محاولة العزل الدولية التي تلت صدور قانون محاسبة سوريا في العام 2004، وهذه العقوبات يتم تجديدها سنويا. وفي الوقت الراهن أصدرت وزارة الخزانة الأميركية قرارات بفرض عقوبات على شخصيات سورية وعدد من المؤسسات، وشملت العقوبات الامريكية ضد سوريا سلسلة كبيرة من السلع والمنتجات الامريكية باستثناء المنتجاب الغذائية والادوية. كما تشمل قائمة الحظر قطاع تقنية المعلومات. كما يحظر على المؤسسات المالية الامريكية التعامل مع البنوك والمصارف السورية اذ يمنع تحويل الاموال الى المصارف السورية وخاصة المصرف التجاري السوري الذي تمتلكه الدولة (9).
وقامت دول الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على النظام السوري طاولت اشخاص وشركات وصفتهم بأنهم ” يرتبطون بالعنف ضد المعارضين للنظام، او شركات تتهم بتوفير الاجهزة التي يستخدمها النظام لقمع المناهضين له”.كما طاول الحظر الاوروبي الواردات السورية والاستثمار في مجال النفط السوري وحظر التجارة معه في الذهب والمعادن الثمينة. وتحظر العقوبات ايضا على سكان دول الاتحاد الاوروبي شراء او شحن او تأمين او تقديم اي نوع من المساعدة للشركات السورية التي تتاجر بالاسلحة او تنقلها (10).
وكانت الدول العربية قد قررت فرض عقوبات على سوريا في اعقاب اجتماع اللجنة العربية الخاصة بالازمة في سورية في القاهرة اواخر شهر تشرين الثاني 2011، والتي ترأستها قطر، وشملت هذه العقوبات منع سفر كبار المسؤولين السوريين الى الدول العربية، ووقف التعاملات التجارية مع دمشق، وتجميد أي أرصدة مالية للحكومة السورية في الدول العربية. كما شملت العقوبات تجميد أي مشروعات أو استثمارات داخل سورية. كما شملت العقوبات وقف رحلات خطوط الطيران الى سورية ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري، ووقف المبادلات التجارية الحكومية مع الحكومة السورية باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري(11). وصوتت جميع الدول العربية على فرض العقوبات باستثناء العراق ولبنان. وتعتبر هذه أول سابقة من نوعها، حيث لم يحدث من قبل أن فرضت الجامعة عقوبات على دولة عضو فيها.
وبعد أقل من أسبوع من فرض العقوبات العربية قامت تركيا، بفرض عقوبات تجارية ومالية على سوريا شملت تجميد الأصول المالية للحكومة السورية في تركيا، ووقف جميع التعاملات مع البنك المركزي السوري.
ثانيا: المكاسب الاسرائيلية من تحييد سوريا
طرحت تساؤلات كثيرة منذ بدء أحداث ما اصطلح على تسميته لاحقا ب”الربيع العربي”، عن مدى استفادة اسرائيل من مفاعيل رياح التغيير السياسي التي تلفح العالم العربي، ومن هذه التساؤلات هل من مصلحة اسرائيل التغيير في العالم العربي وهل تريد الديموقراطية فيه؟ هل تستفيد اسرائيل من حالة الاضطراب التي تسود العالم العربي؟ هل تريد اسرائيل فعلا سقوط النظام في سوريا؟ هل يمكن لاسرائيل فتح قنوات مع التيارات الاسلامية التي وصلت الى سدة الحكم؟..
اتسمت ردود الفعل الاسرائيلية الأولية على اندلاع ثورات الربيع العربي بتصاعد التوجس حيالها، فقد انقلبت انظمة حكم في تونس ومصر وليبيا، كان رجالاتها شخصيات مهادنة لسياسة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل. وزادت المخاوف “الإسرائيلية” بعد أن بدأت الصورة تتضح بأن القوى المتوقع حصدها لثمار سقوط الأنظمة ليست من أوساط الشباب العلماني والليبرالي من صفوف الطبقة المتوسطة الذين برزت صور تحركاتهم في وسائل الإعلام الغربية، وإنما من صعد نجمه في هذه المرحلة هم الحركات الإسلامية الذين تم قمعهم على مدار سنوات طويلة (12). ويمكن القول ان اسرائيل اليوم ترصد بدقة ما يجري في البلدان العربية التي طالها التغيير، او التي تشهد اضطرابات عنيفة كالتي تشهدها سوريا، ولكن بجرعة أخف من القلق السابق الذي اعتراها اثر اندلاع الاحداث، ذلك ان المعطيات السياسية المتوافرة عن القوى التي تولت السلطة في بعض هذه البلدان او التي تصارع لتسلم السلطة في بلدان اخرى، وكذلك مجريات الاحداث، توفر أرضية لاستمرار “التعايش” مع الكيان العبري ، والنأي عن الدخول في صدام أو اعادة نظر بالمعاهدات معه، ويظهر ايضا ان هذه القوى بعيدة اليوم عن احداث تحول جدي في الموقف العربي من اسرائيل وهي منشغلة في تركيز اسس حكمها ومواجهة المعارضات الداخلية بالدرجة الاولى، او هي لا تزال في طور الصراع مع السلطة كما يحدث الآن في سوريا.
المكاسب الاسرائيلية:
1- سوريا تحت المجهر الصهيوني
يوصف الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الاوسط باتريك سيل الموقف الدولي حول سوريا اليوم بأن ” اسرائيل والولايات المتحدة تشنان حربا في الظل على ايران في حين تشن مجموعة من الدول حربا في الظل ضد سوريا، وتشن القوى العظمى حرب ظل ضد بعضها البعض” (13). ويقول سيل ان اسرائيل “لا ترغب في ان تكون اي دولة في الشرق الاوسط او اية حركة قادرة على حماية نفسها، ولذلك هي تعادي اي نظام او حركة مقاومة تقوم بذلك، وهي تسعى بجهد لاسقاط محور الممانعة الذي يشكل العقبة الفعلية امام الطموحات الاسرائيلية والامريكية وتدمير هذه العقبة يعني ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم المأساوي ويؤدي الى تعريض دول الخليج لضغوط وهجمات اسرائيلية في المستقبل، ويجب على العرب ان يدركوا ان الحرب الاقليمية بقيادة اسرائيل توشك على حرمانهم من الاستقلال الهش ولكن الحقيقي الذي نالوه” (14). ويستغرب سيل “عدم ادراك بعض الدول العربية انها تتصرف في المسألة السورية لمصلحة الصقور الاسرائيليين والامريكيين الذين يحلمون بإعادة تشكيل المنطقة بهدف اخضاعها لمشيئتهم وقد دفعهم الطموح نفسه في السابق المحافظين الجدد الى غزو العراق وتدميره”(15). و يتباهى اليوم بعض المحللين الاسرائيليين ان “الربيع العربي” حقق انجازات استراتيجية لاسرائيل، ويذهبون للقول بان نظام بشار الاسد في سوريا سيسقط دون ان تطلق اسرائيل رصاصة واحدة.
ويذكر هنا ان سوريا دولة عربية عملت تاريخيا كي تكون دولة مكتفية ذاتيا، وهي دولة داعمة لقطاعاتها الانتاجية المتنوعة، وقد نجحت بذلك الى حد بعيد. وسوريا دولة خياراتها السياسية واضحة، وهي قد مارست نوعا من “الحمائية السيادية” في سياساتها الداخلية والخارجية الى الحد الذي اثار حساسية المجتمع الدولي منها، نظرا الى ان سياسة ممارسة الضغوط وحياكة الاحلاف من جانب الدول الكبرى، باتت لغة العصر الحديث، بحيث تهاوت اعتبارات المصالح الوطنية والاقليمية امام مصالح التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى.
ان سوريا اليوم اكثر من اي وقت مضى تحت المراقبة الاسرائيلية الدقيقة، فإسرائيل يعنيها ما يجري لناحية رصد امكانية انهيار النظام من عدمه، او من ناحية ارتدادات ما يجري في سوريا على حدودها معها، او من ناحية رصد سلوك المقاومة وما تقوم به من دور في سوريا او ما يمكن ان تقوم به ضد اسرائيل. فقد صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا ان” اسرائيل تتابع الوضع في سوريا وهي متحفزة للرد مباشرة على أية محاولات قد تستهدفها” وعبر عن تخوفه من وقوع مخزون الأسلحة الكيماوية السورية بيد المنظمات الإسلامية وأشار إلى أن هناك محاولات من عناصر من “القاعدة” للوصول إلى الحدود مع الجولان؛ مما يشكل تحديًا وتهديدًا للنظام الأمني الاسرائيلي(16).
كما نقلت تصريحات لوزير الحرب موشيه يعلون يقول فيها “ان اسرائيل تراقب ما يجري في سورية وانها سترد على اي اطلاق نار” (17). وهذا ما يعكس الجهوزية الاسرائيلية العالية المواكبة للاحداث السورية. ثم بدأت التطورات تتسارع على الحدود مع الجولان فتكررت حوادث اطلاقا النار المتبادل او الرد على مصادر النيران بعمليات قصف محدودة من الجانب الاسرائيلي، فلأول مرة منذ حرب أكتوبر سنة 1973، قصفت المدفعية الإسرائيلية مواقع الاشتباكات السورية الداخلية في قرية بير العجم، وذلك ردا على قذائف طائشة أطلقت باتجاه معسكر للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية. المحتلة، في حين اعلن قائد الجبهة الشمالية عن افتتاح مشفى لاستقبال جرحى المسلحين من المعارضة السورية وقد اكدت الاذاعة الاسرائيليلة وفاة جريح سوري اثر نقله عبر الحدود مع سوريا الى مستشفى اسرائيلي في نهاريا(18). كما وقد اعلن يعلون ان الجيش يفكر بإقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية على غرار ما يسمى (الجدار الطيب) في جنوب لبنان اثناء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب. من جانب اخر اخذت المناورات العسكرية على الحدود الشمالية طابعا واسعا ومكثفا اشتركت فيه مختلف الاسلحة في جيش الاحتلال.
وتقييم الموقف الاسرائيلي من الأزمة في سوريا، دفع اسرائيل الى القيام بخطوة إعادة الدفء للعلاقات الاسرائيلية التركية، لما تتركه هذه الخطوة من آثار مباشرة على البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل عامة، وعلى وما يسميه بعض القادة العسكريين في الكيان “عودة الكماشة التركية الاسرائيلية حول سورية”. بحيث ترافقت الخطوة المذكورة مع صعود التأثير التركي في المحافل العربية، الداعم للتوجهات العربية الرامية الى تضييق الخناق على النظام السوري.
ولعل من التصريحات الاسرائيلية الاكثر اثارة للجدل ، ما قاله رئيس الهيئة السياسية والامنية في وزارة الدفاع الاسرائيلية عاموس جلعاد فى مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت في ان “اسرائيل تفضل سيطرة جبهة النصرة على بقاء الاسد في سوريا” وأنه وحتى ولو “تفككت” الدولة السورية إلى دويلات طائفية مما قد يؤدى إلى استقرار تنظيم القاعدة فى إحداها فإنه وفقا لتصريحات جلعاد ” ليس بإمكان إسرائيل أن تفضل على ذلك بقاء نظام الرئيس الأسد، ذلك أن محور الشر مخيف ومهما كان التهديد الذى يشكله هذا التنظيم، إلا أنه لا يقارن بالتهديد الذى يشكله محور إيران وسوريا وحزب الله”(19).
ويعتبر احد المتابعين ان مثل هذا القول لمسؤولين صهاينة في موقع القرار، قد يعني أن التعامل الأمريكى الإسرائيلى مع سوريا يراد له ان يكون على مراحل : المرحلة الأولى تتمثل فى زوال نظام بشار الأسد أيا كانت الطريقة التى سيتم بها ذلك، بالتدخل العسكرى أو بتمويل المعارضة وتسليحها أو حتى بتسوية سياسية إقليمية، ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة مواجهة تنظيم القاعدة فى سوريا على غرار ما فعلته الولايات المتحدة فى العراق، أو أن يتم دمج المرحلتين معا باعتبار أن وجود تنظيم القاعدة على الأراضى السورية سيعد ذريعة كافية لتدخل عسكرى ربما يكون أمريكيا، أو أمريكيا غربيا من خلال الناتو للقضاء على التنظيم باعتباره تنظيما عالميا للإرهاب. بعدها ستكون سوريا دولة فاشلة ضعيفة قابلة للتجزأة أو على أقل تقدير تقع تحت الرعاية الأمريكية سياسيا وقابلة لتطبيق نظام للمحاصصة الطائفية الذى يمكنها ( أي الولايات المتحدة) من التأثير مستقبلا على توجهات وسياسات “سوريا الجديدة” المقبولة عربيا، تماما كالدور الذى لعبته واشنطن فى العراق مع فروقات بسيطة تتجنب وتتلافى فيها أخطاء التجربة العراقية حماية لأمن حليفتها الاستراتيجية إسرائيل (20).
وتتوالى تصريحات المسؤولين الصهاينة حول الاوضاع في سوريا وهي باتت شبه يومية وهي تحمل المزيد من لهجة التصعيد والدعوة الى القضاء على نظام بشارالاسد في سوريا، وقد صرح رئيس الموساد السابق مائير دغان بالقول ان “على إسرائيل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا ينبغي التخوّف من ان يقوم حكم اسلامي متطرف في سوريا لان السعودية ودول الخليج ستهتم بوصول نظام معتدل الى سدة الحكم”، مضيفا ان “سوريا لا تشكل اليوم تهديدا على اسرائيل لانها مشغولة في مشاكلها الداخلية”(21).
ان الحرب التي تدور رحاها في سوريا، تدفع باسرائيل الى صب تركيزها على هذا البلد العربي الممانع مجددا، وهي ايضا فتحت شهية الانتقام والتخريب لدى العقل والامن والاداة العسكرية الصهيونية، وهذه الحرب من الواضح انها تضعف التأثير الاستراتيجي السوري التاريخي في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، وهذا ما يفسر الاهتمام الاسرائيلي الكبير اليوم بما يجري في سوريا، اذ لا تخفي اسرائيل ان الظرف الحالي تاريخي من حيث كونه فرصة ذهبية للقضاء على واسطة عقد المقاومة الاقليمي.
2- تشجيع العدوان والتوغل الاسرائيلي في سوريا.
يشمل التوغل الاسرائيلي في سوريا عدة مستويات: اعلامية ولوجستية وسياسية وامنية وعسكرية وقد ظهر ذلك من خلال :
– اعتراف اسرائيل بدخول عدد من مراسلي الصحف الاسرائيلية كمراسل صحيفة “هآرتس” الى الاراضي السورية في مناطق خاضعة “للجيش الحر” واعداد تقرير عن ما يجري ميدانيا .
– اكتشاف ثلاثة أجهزة تجسس إسرائيلية في جزيرة النمل وهي إحدى الجزر غير المأهولة على شاطئ طرطوس ووظيفة الأجهزة التنصت وإرسال المعلومات وتتبع البواخر الروسية التي ترسو على شاطئ طرطوس، واكتشاف العديد من مخازن الاسلحة التابعة لمقاتلي المعارضة تحتوي اسلحة اسرائيلية الصنع.
– انشاء غرفة عمليات اسرائيلية مخصصة لمتابعة الاحداث في سوريا وهذا ما كشفته وسائل اعلام اسرائيلية بان هذه الغرفة مؤلفة من ضباط اسرائيليين بارزين وشبكة اتصالات مشتركة مع المخابرات التركية والاردنية للتنسيق، اضافة الى اجهزة تنصت موصولة باقمار صناعية للتنصت على الجيش السوري وكشف تحركاته وخططه واتصالاته و تقديم كافة انواع الدعم الاستخباراتي لمقاتلي “الجيش الحر”.
– التدخل العسكري الاسرائيلي بشكل مباشر من خلال ضرب الطائرات الاسرائيلية مراكز معينة داخل العمق السوري، او ما تزعم بانها شحنات اسلحة و صواريخ.
– تهديدات المسؤولين الاسرائيليين الدائم بشن حرب عسكرية في سوريا واهمها تلوّيح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ عملية عسكرية ضدّ سوريا وقوله “ستقوم بكل ما يمكن كي لا تقع الأسلحة الكيميائية التي بحوزة سوريا في أيدي منظمات إرهابية” وتهديد وزير الدفاع ايهود باراك باقامة منطقة عازلة في سوريا لحماية اسرائيل (22).
وفي السياق نفسه، ان المخاطر على الأمن السوري نتيجة استمرار النزاع القائم في سوريا عديدة، اولها إضعاف قدرة سوريا على تحرير الجولان، أو التفاوض من أجل هذا التحرير، ذلك ان وضع سوريا المنكفئة على الداخل يضعها في مرمى الاستهداف الإسرائيلي، في حين يمارس الضغط العربي والغربي مجددا على سوريا لتكون نظاما يشبه النظام المصري في تعامله مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من تخل تام عن فلسطين، وهذا النهج لطالما رفصته سوريا وآثرت عليه “نهجا يقوم لا على تفوق العرب او الاسرائيليين بل على اساس توازن للقوى بين مشرق عربي وبين اسرائيل” (23).
اما في الجانب الاسرائيلي ، يشير مراقبون أن كافة التقديرات الإسرائيلية الصادرة خلال السنوات القليلة الماضية بشأن إمكانيات حدوث أي مواجهات بين النظام السوري ومعارضيه كانت تؤكد على أن لدى الرئيس بشار الأسد من القدرة ما يجعله واثقاً في مسألة بقاءه في السلطة والحفاظ على كرسي الحكم، إلا أنه يمكن القول أن تطورالأحداث التي تشهدها المدن السورية حالياً، جعلت كبار مسؤولي وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات في تل أبيب يراجعون تقديراتهم بهذا الشأن. وصرح موشيه يعلون وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية أن “ما يحدث في المنطقة من تطورات لا ينطوي على تهديدات فقط، وإنما أيضاً على نافذة فرص جديدة من الممكن ان تفتح أمام إسرائيل في حال سقوط نظام الأسد” (24).
وتنقل صحف عبرية بين الفينة والأخرى، ان الاستخبارات الاسرائيلية تتابع عن كثب الأحداث الجارية في سوريا، وأنه خلافا للتقديرات السابقة، تحدثت عن استقرار النظام السوري في دمشق، الا ان الاسد سيكون مشغولا في قمع الاحتجاجات الداخلية، وأن التأهب في اسرائيل حاليا هو على المستوى الإستخباري، ولا توجد مخططات لحشد قوات الجيش الاسرائيلي عند الحدود مع سوريا او لبنان.
ومن المفيد الإضاءة على ما خلص اليه استاذ تاريخ الشرق الاوسط المتخصص في الشؤون السورية والسفير الاسرائيلي السابق في واشنطن البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، في تقرير نشرته صحيفة “يديعوت احرونوت” ذكر فيه انه “إذا سقط النظام في سوريا فإن المتضررين الاساسيين هم ايران وحماس وحزب الله” واشار الى انه في ظل الوضع الراهن “المطلوب ان تكون هناك سياسة اسرائيلية يكون في صلبها قراءة صحيحة للتطورات الداخلية في سوريا الى جانب تأهب امني وحوار وتنسيق مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين، وانفتاح تجاه الفرص الكامنة في الوضع الجديد” (25).
و اشارت جريدة هآرتس ان ” الوضع في سوريا يصب لمصلحة اسرائيل وان توقعات انهيار نظام الاسد قد تبددت ويبدو ان طرفي النزاع قد تعادلا داخل المواجهة التي لا حسم فيها حتى الآن”(26). وبحسب تقرير نشر في الصحيفة نفسه، فانه في الوقت الذي لا تزال فيه تقديرات الاستخبارات الغربية متمسكة بحتمية سقوط نظام الاسد، فان “بعض السيناريوهات المتداولة هو الغرق التدريجي لسوريا في الفوضى” واكدت الصحيفة ان “اسرائيل تجد الوضع القائم حاليا في سوريا يصب في مصلحتها، وبحسب التقديرات الاسرائيلية ، من الصعب على الجيش السوري المبادرة الى شن هجوم تقليدي، وسيمر وقت طويل قبل ان يتمكن من ترميم قدرته العسكرية”. واوضحت الصحيفة ان”حالة عدم الاستقرار في سوريا تفرض على الجيش الاسرائيلي استعدادات عسكرية من نوع مختلف، اذ سيكون على الاستخبارات الاسرائيلية بجميع فروعها ملاحقة التطورات في سوريا عن كثب، وبصورة خاصة ما يتعلق بمنع نقل اسلحة كيمائية الى حزب الله او تنظيمات المعارضة السنية المرتبطة بالقاعدة” (27).
وبحسب احد المحللين الامريكيين، يجب أن يكون الهدف من المساعدات العسكرية للثوار السوريين، هو تشكيل نتيجة الحرب بطريقة تتماشى مع المصالح الأمريكية. وزيادة قدرات قوات الثوار سوف تعمل على إنهاء هذا الصراع بشكل أسرع ، وتوفر احتمالات أفضل للاستقرار، وإمكانية زيادة سلطة ونفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية وحلفائها أثناء الحرب و بعد سقوط النظام (28).
وعلى صعيد أخر كشف تقرير صادر عن القوات الدولية العاملة في المنطقة العازلة بين اسرائيل وسوريا، عن قيام جيش الاحتلال بعمليات تسلل داخل الاراضي السورية، ويذكر التقرير ان “وسائل طيران اسرائيلية اخترقت المجال الجوي السوري، وثمة مخاوف تجاه مقدرة القوات الدولية العاملة في المكان على الاستمرار في اداء مهامها” (29).
بناء على ما تقدم ، يمكن القول ان الأزمة السورية ساهمت في ميل ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل، وزاد في ذلك اتخاذ الدول العربية صفة الخصم اللدود لسوريا الى جانب جزء من المجتمع الدولي، وغربة سوريا عن محيطها العربي جعلها مكشوفة بالكامل امام اسرائيل والغرب، اللذين فشلا في تطويع النظام السوري، ذلك ان هذا النظام ظل يحتفظ بدور كبير في دعم المقاومة ضد إسرائيل.
3- ممارسة الضغط على المقاومة.
كتب مدير كلية الآداب في جامعة تل ابيب البروفيسور أيال زيسر المتخصص في الشؤون السورية واللبنانية في تحليل نشرته صحيفة “اسرائيل اليوم”: “خلال العقد الاخير لم تخف القيادة الاسرائيلية آمالها بان يبقى بشار الاسد في كرسيه، فرغم كل شيء حافظ النظام السوري بثيادته على الهدوء الامني على طول الحدود مع اسرائيل في جبهة قضبة الجولان، لكن في السنوات الاخيرة تحول بشار الى حليف قؤيب لايران وسمح لها بتحويل حزب الله الى قوة كبيرة تشكل خطرا كبيرا على اسرائيل”. واكد زيسر ان ” سقوط بشار يعني انهيار الحلف غير المقدس بين سوريا وحزب الله وايران. ومن هنا فليس هناك داع لان تخشى قيادات تل ابيب من سقوط نظام بشار الاسد” (30).
ودأبت اسرائيل بعد العام 2000 في تصوير العلاقة بين سوريا بقيادة بشار الاسد وايران على انها ليست علاقة بين طرفين متساويين، على غرار ما كان الامر في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد، وصورت اسرائيل الرئيس السوري الشاب على انه ” دمية في يد الايرانيين، سواء على الساحة العراقية او بشكل خاص على الساحة اللبنانية ” (31). ويتم الاستفادة اليوم من هذه المقاربة لتأليب الرأي العام داخل سوريا وخارجها، على سياسة دعم المقاومة التي انتهجها النظام، بهدف فتح الباب امام اذكاء التناحر الطائفي من خلال مذهبة النظام السوري وشيطنة تحالفه مع ايران وحزب الله.
إن سيناريو سقوط النظام في سوريا يؤدي إلى أن يكون للنظام الجديد تحالفات جديدة، هي بالطبع مع الدول التي تساعد على إسقاط النظام وهي دول تعادي منظومة الممانعة. ويكون سقوط النظام هو انجاز لإسرائيل والولايات المتحدة و لمعسكر الاعتدال العربي. ويترتب على ما تقدم أن تغيير النظام في سوريا يفقد إيران الطريق إلى دعم المقاومة ، لأن الدول العربية التي تناهض النظام ليست داعمة للمقاومة ضد إسرائيل.
وفي اطار التنظير لما سيؤول اليه المشهد السياسي في حال ترجيح كفة المعارضة، نلفت الى ما ساقه دايفيد بولوك الكاتب الصحافي في جريدة نيويورك تايمزحيث قال انه “لا يوجد الكثير مما يجمع بين إسرائيل والمعارضة السورية، لكنهما يتشاركان في محاربة بعض الأعداء، وتحديداً “حزب الله” وإيران، اللذان يقاتلان بشراسة لإنقاذ حكومة بشار الأسد. وهذا التلاقي في المصالح يوفر فرصة لأمريكا كي تبرم اتفاقاً بعيداً عن الأعين بين إسرائيل وقيادة المعارضة السورية: يجب على إسرائيل أن تتفق على الإحجام عن تسليح وكلائها داخل سوريا لحماية حدودها؛ ويجب على المعارضة السورية أن تعمل على إبعاد جماعات متطرفة مثل “حزب الله” و “جبهة النُصرة” وجماعات أخرى تدور في فلك تنظيم “القاعدة” عن الحدود الإسرائيلية. وهذا من شأنه أن يظهر النوايا الحسنة للمعارضة السورية تجاه أنصارها الغربيين المحتملين ويُثني إسرائيل عن التدخل أو تسليح حلفائها في سوريا”. ويشير الكاتب نفسه الى انه سافر وزملاءه بشكل مكثف في المنطقة العربية وأجرى مقابلات مع مئات من قادة ونشطاء المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة، وقام باجراء ثلاثة استطلاعات مثل فيها “مؤسسة بيختر لإستطلاعات الرأي” وكشفت هذه الاستطلاعات عن عداء شديد لكل من إيران و “حزب الله”. وهذا العداء يعني أن المعارضة السورية ترغب في إبعاد قوات “حزب الله” عن أي أراض خاضعة لسيطرة الثوار، وهو ما سيرضي إسرائيل(32).
تتطلع اسرائيل اليوم نحو استغلال اللحظة الاقليمية والدولية اكبر استغلال لقطع طريق الامداد العسكري على المقاومة التي هي العقبة الفعلية الوحيدة امام الطموحات الاسرائيلية والامريكية، والعمل على محاصرتها بأنظمة سياسية تعارض حركتها واستمرارها. واسرائيل اليوم ترسم ملامح النظام السياسي “المقبل” في سوريا بريشة عربية، اذ من المأمول ان يكون نظاما “معتدلا” لا يشكل مصدر قلق لاسرائيل ويشبه الى حد بعيد الانظمة العربية النمطية من حيث توجهاته الوطنية وادائه السياسي. اسرائيل اليوم ترصد الدمار السوري وتتطلع الى ما سيؤول اليه “الوضع الجديد” بحسب التعبيرات الاسرائيلية المستعملة، واسرائيل تتمنى دوام الفوضى، وتهاب من يوم تضطر فيه المعارضة السورية وحلفاؤها العرب والغربيون للجلوس مع النظام لايجاد حل سياسي للازمة.
الخاتمة:
اعتبر ادوارد سعيد في احدى مقالاته لجريدة الحياة ابان الغزو الامريكي للعراق، ان ” العرب يبدون ضعفا جماعيا مذهلا كلما تعرض جزء من عالمهم الى الصدمات والضغوط” (33). والحق يقال ، ان بيت الداء هنا، فقد نجحت سياسة “فرق تسد” في تجزئة العالم العربي و “كل دولة عربية قررت ان لا تثق بالبقية والأولوية هي للحفاظ على العلاقات الثنائية مع امريكا” بحسب عبارة سعيد. ومن المعروف ان برنامج الولايات المتحدة للعالم العربي لا يختلف عن برنامج اسرائيل، والعراق الى جانب سوريا يشكلان الخطر العسكري البعيد المدى الوحيد بالنسبة الى اسرائيل، وقد تم فعلا ضرب العراق واضعافه خلال سني الغزو، وها هو العراق اليوم يلملم شظايا دولته بصعوبة بعد انجاز الانسحاب الامريكي منه، في حين يجري اليوم “تحميل” تدمير الدولة السورية وليس بالضرورة تدمير النظام. ومشاهد قيام الولايات المتحدة بقيادة جبهات دولية تقوم بمهمة شن الهجمات العسكرية على بلدان تختارها وفقا لمصالحها وتوجهاتها، وتقوم باحتلالها تحت ستار فرض الديموقراطيات ومن ثم تفشل في القيام بذلك، تلك المشاهد باتت تطفح بلا اخلاقيتها، وباتت “القوة الفائقة” المستخدمة في الحروب الامريكية ضد اهدافها، قوة مشلولة الى حد كبير بفعل التعطيل الصيني والروسي، وبات اللجوء الى تسليح المعارضين بكثافة هو المهرب الوحيد والخطير جدا في آن من مأزق تعطيل القرار الدولي بشن ضربات اطلسية على سوريا.
ان ما يميز الأزمة السورية هو جلاء المواقف الدولية والعربية حولها، فكل الاطراف تعبر عن موقفها السياسي وتترجم ذلك على الارض ، فسوريا اليوم تعرف حليفها من عدوها، وتتوقع استطالة الأزمة، لأن لا تغيير مفصليا في شأن التصور الدولي للخروج من الازمة الراهنة، وسوريا في خضم محنتها لا تزال ترتكز على عوامل ثلات تساعد في صمود النظام وهي القدرة الاقتصادية وواقع تشتت الثوار السوريين، اضافة الى القدرة القيادية لدى النظام.
وحين ننظر بعين فلسطين، الى ما يحصل في منطقتنا بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص ، نجد المكاسب الاسرائيلية في كل مكان، ونجد القضية الفلسطينية تساق الى الوقوع في شرك التصفية والإختزال. فالحرب على سوريا ما هي الا فصل من فصول استمرار الصراع بأوجهه المختلفة، وهي تنفيذ لمخطط ازالة العقبات امام تحقيق حلم اسرائيل “جوهرة الشرق الاوسط”.
الهوامش:
(1) موشيه ماعوز، سوريا واسرائيل، ، دار الجيل للنشر،ط1، 1998،ص:53
(2) موقع سي ان ان عربية، 12 كانون اول 2011.
(3) جريدة الشرق الاوسط، ، 30 نيسان 2012.
(4)- نقلا عن وكالة رويترز، 27 آذار 2013.
(5) جريدة القدس العربي 27-3-2013.
(6) الاندبندنت، 13 حزيران 2012.
(7) واشنطن بوست، 17 ايار 20ز12.
(8) جريدة الراي الكويتية، 27 آذار .2013
(9) دراسة ، “المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية”، د.محمد السمهوري.
(10) موقع فرانس 24، نقلا عن وكالة فرانس برس، تاريخ 18-4-2013
(11) موقع بي بي سي عربي، 27-11-2011
(12) دراسة، مارك هيلر، ابريل 2012
(13) جريدة الحياة، 20-8-2012
(14) المصدر نفسه.
(15) المصدر نفسه.
www.almokhtasar.com (16) موقع المختصرعلى شبكة الانترنت
(17)نقلا عن أ ف ب ، 3-4-2013
(18) نقلا عن الاذاعة الاسرائيلية، 27-3-2013.
(19) يدعوت احرونوت، 10/4/2013
(20) موقع مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على شبكة الانترنت، صافيناز احمد.
(21) هآرتس 29 نيسان 2013
(22) موقع توب نيوز الاخباري، محمد حمية.
(23) باتريك سيل، الأسد الصراع على الشرق الاوسط، المطبوعات للنشر، ط11، ص:801. (24) وكالات، 17-6- 2012.
(25) يديعوت احرونوت، 30-4-2011.
(26) هآرتس 13 -3- 2013
(27) المصدر نفسه.
(28) موقع معهد واشنطن للدراسات، جيفري وايت، 25-3-2013.
(29) موقع اسلام اليوم 2-3-2013.
(30) صحيفة اسرائيل اليوم، 28-3-2011.
(31) باسم الاب، ايال زيسر، ط1، 2005، ص: 290
(32) نيويورك تايمز، 16 نيسان 2013.
(33) صحيفة الحياة، 26 ايار 2003.