المقاومة لا بد أن تنتصر
صحيفة القدس العربي الصادرة من لندن ـ
د. فايز رشيد:
لقاء سماحة السيد حسن نصرالله مع قناة الميادين وخطابه الذي تلا بعد يومين في ذكرى انتصار تموز/يوليو، يوضحان الكثير من الأسس الأيديولوجية للحزب، وتواؤمها، بل تماهيها التام مع السياسات التي يمارسها الحزب. هذا التماهي والانسجام شرط ضروري لأي حركة مقاومة ليس على صعيد حزب الله فحسب، وإنما على صعيد كل حركات المقاومة في المنطقة والعالم. اللقاء والخطاب يكشفان العديد من القضايا التي يحرص عليها الحزب، أولها: عدم إضاعة اتجاه بوصلة الصراع، وهي قبلاً وآنياً ومستقبلاً في اتجاه الصراع مع العدو الصهيوني، رغم الكثير من المخططات الهادفة إلى تدمير الوطن العربي برمته دولة بعد أخرى، وقد اتجهت مؤخراً لتدمير لبنان من خلال إغراقه بالصراع المذهبي والطائفي. التفجير في الضاحية الجنوبية جاء ضمن هذه المخططات، ولذلك كان نصرالله واضحاً في تحذيره للبنانيين والعرب من الانجراف في هذا المخطط. قوى كثيرة دولية أمريكية وإسرائيلية وأخرى إقليمية، بما في ذلك عربية ومحلية أيضاً واتجاهات سلفية تكفيرية، كلها تسعى إلى نفس المخطط، فالمؤامرة جارية على قدم وساق لعرقنة لبنان وكذلك سورية وغيرهما من الدول العربية، لذلك ليس من الصعوبة بمكان التوقع بمن قام بالتفجير في ضاحية بيروت الجنوبية.
ميزة نصر الله إدراكه لأبعاد هذا المخطط ، ورغم استهداف حزب الله كواحد من أطراف المقاومة في لبنان والمنطقة، ظل وسيظل تناقضه التناحري الرئيسي هو باتجاه الصراع مع العدو الصهيوني. صحيح أن الحزب يعمل على دعم وإسناد والمشاركة مباشرة في الصراع الدائر في سورية مع ما يسمى بالمعارضة، إضافة إلى الحركات السلفية التكفيرية الإرهابية بامتياز ومن يقف وراءها، لكن ذلك لم يؤثر مطلقاً على وضوح خريطة الصراع في سياسات حزب الله.
القضية الثانية التي يحرص عليها حزب الله هي التعزيز الدائم للوحدة التنظيمية للحزب ولوحدته الفكرية والأخرى السياسية، فلم نسمع عن حزب الله أنه يعاني في ظرف من الظروف من الاختلافات الجذرية الفاقعة، لا في وحدته التنظيمية ولا الفكرية ولا الأخرى السياسية، وهذه ميزة كبيرة يمتلكها مطلق حزب أو حركة مقاومة. هذه القضية ذات دلالات عميقة على سلامة سير العملية الديمقراطية الداخلية في الحزب، وعدم فرض وجهات نظر مغايرة لمنطلقات الحزب وأسسه الاستراتيجية، وعلى مدى المتابعة المباشرة من قيادة الحزب لكوادره وأعضائه ومقاتليه في كل قضاياهم حتى الحياتية منها.
ثالث القضايا التي تميز حزب الله هي المسلكية وآليات التعامل وتنفيذ قرارات القيادة، فمن عدم تمايز القيادات عن كوادرها وأعضائها ومقاتليها، والدليل على ذلك أن النجل الأكبر للسيد حسن نصرالله، هادي استشهد في عملية مقاومة عسكرية ضد العدو الصهيوني، مثله مثل كل المقاتلين الآخرين في الحزب، مروراً باتقان فن التعامل مع الجماهير التي يوجد الحزب وسطها، والبعيد بعداً مطلقاً عن الأستاذية، والنظرة الاستعلائية بالادعاء بتعليم الجماهير، ولذلك وجد الحزب في وسط قاعدة جماهيرية حاضنة للمقاومة، وصولاً إلى المساعدة في حل الإشكالات الحياتية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية للأعضاء ولجماهير الحزب. لذلك رأينا التعويضات التي دفعها حزب الله للمتضررين (هدم بيوت وغيرها) سواء كانوا أعضاء أو من الجماهير بعد كوارث عدوان تموز الصهيوني على لبنان في عام 2006. في نفس النهج والسياق تأتي آليات التعامل من قبل قيادة الحزب مع أعضائه، وكل أوساط الحزب مع الجماهير ويأتي أيضاً ضمن هذا المفهوم تنفيذ مختلف قرارات الحزب.
رابع هذه السمات المميزة، ابتعاد الحزب عن الاستعراض والمباهاة، فعندما تتجول في الجنوب من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، لن ترى مقاتلاً من الحزب بلباس عسكري، ولن ترى سلاحاً يمتلكه الحزب، وليس هناك من قواعد مكشوفة للحزب، الذي أحرز انتصارين ثمينين على العدو الصهيوني في عامي 2006،2000. صحيح أن الحزب يستعرض بعضاً من تشكيلاته (ولكن من دون سلاح) في المناسبات، لكن ذلك يتم بعيدا عن مظاهر الاستعراض والادعاء والمباهاة.
خامس هذه القضايا، السرية المطلقة والقدرة على الاحتفاظ بالأسرار فترة طويلة، فما قاله سماحة السيد عن امتلاك الحزب لصواريخ كورنيت المضادة للدبابات والدروع والصواريخ الأرض بحر، التي بها تم تدمير بارجة عسكرية إسرائيلية، يؤكد ما ذهبنا اليه، فلا اسرائيل ولا حليفاتها من المخابرات المركزية الأمريكية والأخرى الغربية كانت قادرة على اكتشاف هذه المعلومات قبل عدوان تموز 2006، ولذلك فوجئ الإسرائيليون بامتلاك الحزب لهذه الأسلحة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إلحاق خسائر مادية وبشرية كثيرة في الدبابات وباقي الآليات الإسرائيلية وأطقمها، وهو ما حدا بإسرائيل إلى الطلب بوقف إطلاق النار. لقد نجح الحزب في الاحتفاظ بالجنديين الإسرائيليين المختطفين فترة طويلة، ولم تنجح المخابرات الإسرائيلية في كشف مكانهما، حتى لم تعرف أنهما حيين أو ميتين. هذه القدرة على الاحتفاظ بالسرية في قضايا عديدة لابد أن تلعب دوراً أساسياً في انتصار الحزب في معاركه. سادس هذه الميزات، المواءمة بين الوعود وتنفيذها العملي واقعاً على الأرض، فعندما يعد الحزب وعداً ينفذه، ولقد كشف نصر الله أنه يمتلك الصواريخ القادرة على قصف تل أبيب وما بعدها وما بعد بعدها، وفي المقابلة أوضح أن الحزب قادر على إصابة أهداف تبدأ من المستعمرة الإسرائيلية كريات شمونة في شمال فلسطين المحتلة، وتنتهي في ميناء إيلات في الجنوب، أي بالمعنى العملي فكل الأهداف الإسرائيلية تحت مرمى نيران حزب الله.
سابع هذه القضايا، الصدق في البيانات، فلم يسبق أن أصدر الحزب بلاغاً كاذباً أو اختطّ سياسةً غير التي ترد على لسان أمينه العام وأعضاء قيادته الآخرين، ولذلك فإن الثقة عميقة بين الحزب والمستمعين إلى خطابه السياسي. الكل يعلم أن غالبية الإسرائيليين لا يصدقون البيانات الإسرائيلية بالقدر الذي يصدقون فيه سماحة السيد حسن نصرالله. هذا ما قالته وتقوله الإحصاءات الإسرائيلية نفسها.
النقطة الثامنة، امتلاك قدرة استخبارية كبيرة، فقد نجح الحزب في استشعار إرسال إسرائيل لثلة من جنودها من لواء غولاني (الذي تتباهى إسرائيل بقدرة مقاتليه على تنفيذ الأهداف) للقيام بأهداف، من خلال دوريتين (تنفيذية وأخرى مساندة) تسللتا مؤخراً إلى جنوب اللبناني، وقعتا في كمين ألغام زرعها حزب الله، كما قام الحزب بكشف شبكات عملاء إسرائيليين في لبنان وتعاون مع الجيش الذي قام بدوره باعتقالهم.
تاسعاً، تطويع التكنولوجيا في نشاطات الحزب المقتضية ذلك، اضافة الى أجراء دراسة دقيقة لحقيقة ما يجري في داخل إسرائيل في كافة المجالات على قاعدة: ‘إعراف عدوك’ كشرط من أجل الانتصار. هذه قضايا أساسية لمطلق حركة تحرر مقاومة في نضالها ضد أعدائها.
عاشراً وأخيراً، امتلاك القيادة البعيدة كل البعد عن المساومة على الأهداف المحددة للحزب. هذه القيادة وعلى رأسها الأمين العام للحزب هي المؤهلة لأن تكون المركز المهم لكل الأطراف في الحزب.
يبقى القول ان واحدة من أهم الميزات هي، أن الحزب يطوّع نضالاته العسكرية لصالح خدمة شعاراته السياسية في تناغم ممتاز.. وهذا ما يمثله الحزب وقيادته وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله. إن حزباً يمتلك هذه القيادة وهذا الأمين العام لابد أن تنتصر.
‘ كاتب فلسطيني