المصارف اللبنانية تُثير «حفيظة» الشرق والغرب
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
طوني رزق:
ان نجاح القطاع المصرفي اللبناني هو نجاح حقيقي ومنطقي وعلمي تثبته القرائن والارقام والمعطيات والتاريخ وهو مرشح للاستمرار أيضا.
يزداد حجم القطاع المصرفي اللبناني باستمرار لتتجاوز موجوداته 3.8 اضعاف حجم الاقتصاد اللبناني او الناتج القومي العام كما تظهر الارقام في نهاية شهر ايلول العام 2013 الجاري.
ورغم اتهامات الغرب التي انهالت على المصارف اللبنانية طوال السنوات القليلة الماضية، ورغم شكوك الشرق في قدرة القطاع المصرفي اللبناني على الصمود، ورغم خفض التصنيفات الدولية لتصنيفها لهذه المصارف وخصوصا الثلاثة الكبرى منها، فان القطاع المصرفي اللبناني ما زال يبلي حسنا.
كل ذلك رغم قرقعة الشرق والغرب والحرب العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية والاقتصادية.يكشف تقرير مالي محلي احد اسرار نمو القطاع المصرفي اللبناني الذي يعتبر الممول الوحيد للاقتصاد اللبناني وللشركات.
فقد اعتبر تقرير بنك بلوم انفست الاسبوعي ان غياب وجود سوق مالية ناشطة في لبنان، والذي يظهر جليا بجمود نشاط البورصة الرسمية اللبنانية والتي لا يجري التداول فيها سوى على حفنة قليلة من الشركات التي لجأت الى البورصة طلبا للتمويل من السوق المالية. وهي قليلة جدا وتقتصر على شركة ريمكو لتجارة السيارات وشركة سوليدير وشركة هولسيم لبنان وشركة الاسمنت اللبناني.
اما الشركات المتبقية فهي مصارف كبرى. وبذلك يكون دور القطاع المصرفي قد احتكر فعليا الوساطة المالية و مصدر التمويل للشركات والمستثمرين. وهذا ما ساهم كثيرا وبقوة في نمو القطاع المصرفي المتواصل.
اما الاسباب الاخرى وراء النجاح المصرفي فتعود الى ضخامة حجم الانتشار اللبناني في الخارج وفي كل انحاء العالم، وأيضا الى الخبرة العريقة في ممارسة العمل المصرفي والمالي. يضاف الى ذلك تمايز المصارف باحترام والتقيد بالسرية المصرفية الامر الذي اصبح نادر الوجود عالميا.
ويعتبر 95 في المئة من الشركات العاملة في لبنان من الاحجام الصغيرة والمتوسطة وهو امر حيوي للمصارف اللبنانية.
وفي حين تظهر الارقام الرسمية حصة المصارف اللبنانية في الناتج القومي العام في لبنان بنحو 7 في المئة، الا ان اي تحليل للنشاط المصرفي واتساع هذا النشاط ليطال جميع نواحي الاقتصاد اللبناني ومن تمويل القطاعين الخاص والعام، فان حصته غير المباشرة في حجم الاقتصاد اللبناني هي اكبر بكثير من الارقام الرسمية المتوفرة.
تعتبر المصارف العامل الاساسي للنمو الاقتصادي في لبنان. ويظهر ذلك جليا في ارتفاع حجم القروض المصرفية للقطاع الخاص في لبنان الى حد بلوغ حجم الاقتصاد اللبناني نفسه اي 45.88 مليار دولار كما في نهاية شهر ايلول الماضي، وذلك ارتفاعا من 17 مليار دولار في العام 2007، علما ان القروض المشكوك في تحصيلها تراجعت نسبتها من 12.20 في المئة في العام 2006 الى 3.46 في المئة في نهاية العام 2012.
وسط حالة عدم الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي والتي ضربت بقوة القطاعات العقارية والتجارية والسياحية، فان القطاع المصرفي اللبناني ما زال يحقق النمو السنوي. فقد بلغت نسبة نموه 7 في المئة هذا العام وحتى نهاية شهر ايلول الماضي.
ارتفع حجم موجودات المصارف الاجمالية الى 159.26 مليار دولار اميركي. وكانت القروض الى القطاع الخاص زادت 10 في المئة الى 40.56 مليار دولار والى القطاع العام 20 في المئة الى 36.16 مليار دولار. وترافق ذلك مع نمو ارباح المصارف بنسبة 5 في المئة في التسعة اشهر الاولى من العام الجاري.
يعود صمود المصارف اللبنانية رغم ما يحصل في منطقة الشرق الاوسط وذلك خصوصا في العامين الماضيين الى السياسة المحافظة التي تتبعها وتتقيد بها هذه المصارف. وايضا الى خبرتها العالية في التعاطي مع الصدمات الخارجية.
ويظهر ذلك جليا في نسبة السيولة المرتفعة في القطاع المصرفي اللبناني. وهذا ما تفتقده كبريات المصارف العالمية في مختلف القارات. وتبلغ نسبة السيولة على مستوى الودائع الى 32 في المئة كما في 30 ايلول 2013. كما تبلغ نسبة التسليفات المصرفية الودائع نحو 53 في المئة.
تظهر السياسة المحافظة ايضا في تغطية المصارف للديون المشكوك في تحصيلها الى نحو 8.372 في المئة منها لتنخفض نسبة الديون المشكوك في تحصيلها الصافية (اي بعد احتساب المؤونات المكونة) الى 0.93 في المئة في الفصل الاول من 2013 نزولا من 0.98 في المئة في الفترة المقابلة من العام الماضي. وهي نسبة متميزة عالميا. ويؤدي ذلك الى اشاعة حالة من الاستقرار والاطمئنان والارتياح لدى المودعين المقيمين في لبنان وفي خارجه على حد سواء.
ويتدعم ذلك بأفضلية اسعار الفائدة التي تعتبر مرتفعة وجذابة بالمقارنة مع اسعار الفائدة العالمية المعمول بها في الدول المتطورة والغنية من اوروبية واميركية وغيرها وخصوصا ان الانتشار اللبناني الذي يتجاوز حجمه ثلاثة اضعاف المقيمين في لبنان تبدي اخلاصها وتعلقها بايداع اموالها في لبنان. وقد زادت ودائع غير المقيمين 13 في المئة الى 26.06 مليار دولار. بينما سجلت ودائع المقيمين زيادة ونسبتها 7 في المئة الى 105.29 مليار دولار وذلك في الاشهر التسعة الاولى من العام الجاري.
رغم تشكيك الكثيرين في الشرق والغرب، من المتوقع ان تواصل المصارف اللبنانية نموها وصمودها رغم امكانية استمرار الأزمة السورية سنوات اضافية. علما ان الدولة اللبنانية ما زالت تؤكد بالفعل انها قادرة على الايفاء بديونها، واختبار المصارف اللبنانية لصدمات ضغوط اضافية سيمر بسلام، كما حصل في فترات سابقة، خصوصا في العامين 2005 و2006.