المحكمة باطلة ولن نصمت
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
ابراهيم الأمين:
«حرية الى حدود القتل». العبارة للنائب مروان حمادة في وصفه عمل الصحافة التي لا تناسبه. حماده يمثّل ــــ على الدوام ــــ فريقاً سياسياً كبيراً في لبنان، يعتقد ان ما تقوم به «الاخبار» في ما يخص ملفات المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هو استخدام للحرية الى حدود القتل. يعني، بصراحة، هو يقول ان نشر المعلومات المعتبرة سرية عن أعمال المحكمة، تعرّض أشخاصاً للقتل!
عملياً، ما قاله مروان حمادة، مثل الذي قاله الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف، ومثل من يقول إن «الاخبار» باتت مسؤولة عن حياة كل الاشخاص الذين لهم صلة بعمل المحكمة، من قضاة وأمنيين وقانونيين واداريين وشهود وخلافه. ما يعني، ايضاً، انه في حال تعرض احد من هؤلاء لاي اذى، فسيتم تحميل «الاخبار» المسؤولية. وهذا التلميح ورد في رسالة بعث بها قلم المحكمة الى ادارة «الاخبار» طالباً وقف نشر لوائح الشهود والمعلومات عنهم.
والمحصلة هي: إما الامتناع عن تناول اعمال المحكمة، او تحمل مسؤولية جزائية. علماً ان قمة «الهضامة» في التعليقات، جاءت من مارتن يوسف الذي منحنا حق نقد أعمال المحكمة، او اي كلام عن التسييس، ما يعني أن الاخ يوسف قال لنا: يحق لكم الصراخ والعويل ان شئتم، ونحن سنستمع اليكم وندرس أبعاد صراخكم!
عن جد، شكراً جزيلاً لك ايها العطوف على الشفافية وحقوق الافراد!
بالمناسبة: هل لك ان تقول لنا، مستر يوسف، كم كلّفت المحكمة، وتالياً المكلّف اللبناني (حبذا لو يكون الرقم دقيقاً) منذ تولّيك منصبك حتى اليوم، وما الذي قدمته من اتعاب لقاء هذا البدل؟
الامر الآخر الذي يندرج في نقاش المعترضين والأوصياء، يتصل بحملة من جانب فريقي الادعاء السياسي والادعاء العام في المحكمة على فريق الدفاع. كالقول ان مجرد وجود احد المحامين في الفريق (يقصد المحامي انطوان قرقماز الذي تولى سابقا الدفاع عن اللواء جميل السيد الذي اعتقل تعسفياً لـ 4 سنوات)، فهذا يعني ان فريق الدفاع مخترق من جانب الفريق السياسي الذي يمثّله اللواء السيد. وهنا تكرّ السبحة، ما يعني في نهاية الامر ان فريق الدفاع مخترق من جانب حزب الله، اي من جانب المتهمين!
هذا الفريق السياسي لا يتحمل، أساساً، وجود فريق دفاع في المحكمة، او ربما يحبّذ ان يكون الفريق برئاسة محمد مطر، مثلاً، حتى يستوي الوضع الذي يناسبه، فكيف اذا سمح رئيس المحكمة لفريق الدفاع بالتعاقد مع الزميل عمر نشابة كخبير يقدم خدماته لفريق الدفاع؟ الله اكبر، هذه جريمة العصر او هي هرطقة العصر؟ اذ كيف يجرؤ احد في المحكمة على مجرد التفكير بالتعاون مع خبير او قانوني او اعلامي ليس على ذوق الشبيبة اياهم؟
والادهى، ان فريق الادعاء السياسي يبادر فورا الى القول ان ما يسرب من أوراق منسوبة الى فريق، يعني حكماً ــ وقطعاً ـــ أنه مسرب من جانب فريق الدفاع. أما كيف وصل هؤلاء الى هذا الاستنتاج فتلك احجية خاصة!
يا جماعة، لماذا لا تكلّفون انفسكم عناء التنسيق مع فريق الادعاء القانوني؟
من قال لكم ان ما نشر في وسائل اعلامية لبنانية وعربية ودولية، ومن بينها «الاخبار»، هو من ضمن الوثائق التي سلمت الى فريق الدفاع؟
هل اتيح لكم الاطلاع على هذه الوثائق حتى تقولوا ما تقولون؟
اذا كنتم مطلعين فهذه كارثة توجب ملاحقتكم قانونياً من قبل المحكمة نفسها (بناءً على ما تُلزمون به أنفسكم). واذا لم تطلعوا، فهذا يعني انكم تستمرون في لعبة الاتهام السياسي التي ادت الى كوارث، فهل تعتقدون انكم لن تلاحقوا امام كل الجهات القضائية في كل العالم لمحاسبتكم على ما ارتكبتموه من أذية بحق مواطنين وبلاد؟
على اي حال، المسألة بالنسبة الينا هي ان على المحكمة نفسها، وعلى فريق الادعاء على وجه الخصوص، المبادرة الى فتح تحقيقات جدية ومن دون اي تحفظات، للوصول الى الجهة المسؤولة عن تسريب المعلومات والوثائق، وعن كيفية وصولها الى وسائل الاعلام، ومنها «الاخبار».
وما يتردد عن مباشرة التحقيقات الجارية الآن مع موظفين (اثنين على الاقل) في المحكمة، بشبهة تسريب وثائق، خطوة جيدة اذا صحّت، وربما تساعد في توضيح حقيقة من هو صاحب مصلحة بالتسريب، وخدمة لمن. كما يجب سؤال الشهود أنفسهم عما اذا كانوا فعلاً موافقين على الادلاء بافادات، بعدما صار معظمهم يعرف انهم يُستخدمون في لعبة قذرة، سيما واننا، في «الاخبار»، تلقينا توضيحات عدة من اشخاص نشرت صورهم واسماؤهم، وآخرين لم تنشر لا صورهم ولا اسماؤهم، بأنهم في صدد اتخاذ الاجراءات القانونية لمنع فريق الادعاء من التصرف بافادات تقدموا بجزء منها طوعاً، واخرى يقول بعضهم انها انتزعت منهم عن طريق الترغيب او الترهيب، وهم بصدد اعلان بطلانها.
أمر آخر يعرفه فريقا الادعاء السياسي والقضائي، وهو ان استراتجية الادعاء صارت معروفة للجميع. فقد جمع حشداً هائلاً من الشهود، يتردد ان عددهم يتجاوز الالف، ممن سيطلب الادعاء مثولهم امام المحكمة تدريجياً، علماً أنه لن يبادر الآن الى الاعلان عنهم جميعاً. والهدف ليس ان لدى هؤلاء معلومات تفيد التحقيق بصورة دراماتيكية، بقدر ما هو تحويل كثافة الشهود الى عنصر ضغط على فريق الدفاع، من جهة، بقصد ارباكه وتعطيل عمله واغراقه، ومن جهة ثانية ايهام الرأي العام بأن المحكمة تعمل، وتستحق ما يُدفع لها من عشرات الملايين الدولارات سنوياً.
كذلك فان فريق الادعاء يسعى الى اقناع بعض الاشخاص بأن يمثلوا امام المحكمة لتقديم معلومات تستهدف، عملياً، رفع مستوى الاتهام من مجموعة المقاومين الاربعة الى قيادة حزب الله نفسه، ومحاولة استغلال كلام الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن قراره حماية «المتهمين» بأنه «متورّط ايضاً في العملية»، وبالتالي، المسارعة الى خطوات هدفها المباشرة بحملة جديدة من تشويه صورة السيد نصرالله نفسه، بصفته رمزاً لأكثر حركات المقاومة العربية حضوراً وفعالية.
يبدو ان من الضروري تذكير الناس بأن هذا ملف سياسي بامتياز. و«الاخبار» لا تخفي تقييمها، استناداً الى حجم هائل من الوقائع والوثائق، بأن ما يجري هو اكبر عملية تزوير سياسي وقضائي وأمني في التاريخ المعاصر، وهدفها الحصري هو: النيل من مقاومة ارعبت ولا تزال الارهاب المسيطر على «مؤسسات الشرعية الدولية».
على ان جملة واحدة قد تساعد من يريد ترهيبنا بقصد ان نصمت، عله يفهم مقامنا اليوم: اسع سعيك وناصب جهدك، فما جمعك الا بدد، وما أيامك الا عدد.