المثقف الجاهل
الخليج الإماراتية ـ ثقافة :
باسمة يونسكتب مجهول في أحد المنتديات الإلكترونية عن الثقافة في الماضي والتي كانت حكراً على المثقفين ممن تلحق بهم صفة مثقف بشكل تلقائي لأنهم كانوا من حملة الشهادات، أو ممن تعلموا القراءة والكتابة أو علماء الدين وبسبب ارتفاع نسبة الأمية في تلك السنوات بحيث أصبح كل متعلم مثقفاً . ويتابع بأنه مع تغير الوضع وزيادة نسبة المتعلمين اليوم، فقد ازداد من يدعون الثقافة ممن لايستحقون سوى تسمية »المثقفون الجهلاء« نظراً لأنهم أبعد عن الثقافة الحقيقية ولأنهم يتغنون بما لايملكونه!ثم طرح تساؤلاته مطالباً بتعريف المثقف اليوم، ومن يمكن أن تطلق عليه تسمية المثقف في ظل هذه التغيرات المجتمعية الهائلة .
كان أحد الردود يؤكد أن الأسلاف السابقين من العلماء قد عرفوا الثقافة على أنها الأخذ من كل علم بطرف، وهو مايجعله تعريفاً واضحاً، وفي الوقت نفسه عادلاً ومتوازناً يؤدي الغرض منه، إضافة إلى أنه لايحصر الثقافة ضمن فئة معينة لمجرد كون المثقفين هم أصحاب الشهادات العلمية أو ممن وصلوا إلى درجات عالية في العلم .
وتابع بأنه من المسيء لفكرة وهدف الثقافة نعت كل من يستطيع أن يقرأ ويكتب اليوم في عالم تقلصت فيه أمية الكتابة والقراءة بأنهم مثقفين . إن المعلومات اليوم في متناول الجميع مع تنوع وتوافر مصادر المعرفة، من مرئية ومقروءة ومسموعة، لكن ربما يكون المتعلم صاحب الشهادة الجامعية غير مطلع على معارف أخرى، كونه منغمساً في الاستزادة من مفاهيم وعلوم تخصصه وحسب، وهو ما قد يجعله غافلاً عن أبسط معارف العلوم الأخرى، بل ويبعده عن المعنى الحقيقي للثقافة، وهو الأخذ من كل علم بطرف .
إن الثقافه بمعناها الأصدق والأقرب لا تعني الانغماس في كل علم والغرق في محيطاته، بل تعني بشكل أوسع الاطلاع على كل شيء والإلمام العام بمختلف المعلومات والمعارف .
ولاشك بأن حقيقة ما يحدث في بعض المجالس حينما تفتح حوارات عديدة وتبدأ في تلك الجلسات مناقشات متنوعه حول العديد من الأمور المحيطة بالناس في المجتمع، والتي قد تجري بين أناس من مختلف المشارب والأعمار والأفكار ومستويات التعليم، فيشارك البعض ويناقشون كل موضوع مطروح ويبدون آراءهم فيه، بينما يغرق البعض الآخر في صمت مطبق كأن على رؤوسهم الطير، فلا يتبادلون الحديث ولا يعرضون أفكارهم مع كونهم من أصحاب الشهادات العليا والدرجات العلمية المتفوقة، ما يؤكد أن الثقافة لاتترافق مع الشهادة والمتعلم ليس بالضرورة مثقفاً .
إن المثقف الحقيقي بموافقة الجميع وباعتراف الزمن، هو الشخص الذي لا تحدد معارفه بمصدر واحد، ولا تحدد مفاهيمه بعلم وحيد، وهو الذي يرشف من كل بئر وينتقي من كل بستان زهرته ليشبع مطالب عقله وفكره يومياً من دون توقف .