اللاجئون السوريون.. ما هي محاور معالجة القضية؟
موقع قناة الميادين-
زياد غصن:
لا يوجد أي تقديرات رسمية أو أممية لإجمالي تكلفة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، سواء التكلفة التي يفترض أن تتحملها الحكومة السورية أو تلك التي يمكن أن يساعد بها المجتمع الدولي.
تستحوذ قضية عودة اللاجئين على النصيب الأكبر من مضمون اللقاءات والمباحثات السياسية المرتبطة بالأزمة السورية، باعتبارها قضية إنسانية تمس حياة ما يزيد على ملايين السوريين، فضلاً عن كونها تمثل اختباراً حقيقياً لمواقف جميع الأطراف والقوى السياسية ومدى التزامها بإيجاد حل سياسي للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011.
لكن عودة اللاجئين ليست بتلك السهولة التي يتخيلها البعض، وهذا ليس تهرباً من مواجهة هذا الحق الوطني والإنساني أو محاولة استثماره سياسياً، كما يروج الكثيرون، فمعالجة هذه القضية تتطلب العمل على محورين أساسين يفرضان خطوات واضحة ومحددة.
هذان المحوران هما:
– تبديد أي مخاوف سياسية أو أمنية قد تشكل، في نظر بعض اللاجئين، عائقاً أمام عودتهم إلى بلادهم ومناطقهم. معالجة هذه المخاوف ممكنة بالاتفاق بين جميع الأطراف المعنية، وضمن إطار وطني للتسوية السياسية، لكن في العموم هناك شريحة من اللاجئين موزعة على عدة دول لا تحول بينهم وبين عودتهم إلى مناطقهم وقراهم أي مشكلات سياسية أو أمنية.
– توفير الظروف المناسبة من حيث الخدمات العامة والبنى التحتية والسكن ومصادر الدخل وغيرها من ضرورات الحياة والاستقرار، إذ إن تأقلم اللاجئين مع ظروف إقامتهم ومعيشتهم في دول ومخيمات اللجوء يجعل عملية التغيير صعبة أو تحتاج إلى عوامل تساعد اللاجئين على القبول بالانتقال من حالة تأقلم إلى أخرى.
كما أن من الضروري الحرص على عدم تحويل عودة اللاجئين إلى عامل ضغط جديد على الوضع الاقتصادي المنهار أساساً، وهذا ليس غايته، كما يروج فريق سياسي، أن يكون مجرد مبرر حكومي سوري لمنع عودة اللاجئين أو التهرب من تنفيذ هذا الاستحقاق، فهل المهم عودة اللاجئين بمعزل عن ظروف معيشتهم وضرورات الحياة أو أن المطلوب عودة آمنة اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً؟
وفي ظلّ تزاحم التحليلات والقراءات السياسية المتنوعة للمحور الأول، فإننا في هذه المقالة سوف نناقش بعضاً من جوانب المحور الثاني المتعلق بتوفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين أو لنقل بعبارة أخرى تكلفة إعادتهم وما يتطلّبه ذلك من خطوات داخلية وخارجية.
مجتمع مجهول
رغم مرور أكثر من 12 عاماً على بدء تشكل ظاهرة اللجوء السوري، فإلى الآن ليس هناك إحصاء دقيق أو قريب من الواقع لعدد اللاجئين السوريين خارج البلاد، والسبب يكمن في عملية تسييس الملف تحقيقاً لغايات ومصالح سياسية واقتصادية من معظم الأطراف المعنية بالملف، وغياب أي تعاون دولي حقيقي للوقوف على حقيقة الأرقام المعلنة وتوزعها جغرافياً بين الدول.
لكن يمكن القول إن الرقم الأكثر شيوعاً اليوم هو ذلك الصادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تؤكد أن عدد اللاجئين السوريين يقدر بنحو 6.8 مليون لاجئ. وبذلك، تكون سوريا في صدارة دول العالم المصدرة للاجئين خلال العقد الماضي.
الرقم المشار إليه الذي قد يكون فعلياً أقل أو أكثر من ذلك لا تمكن مقاربته في سياق النقاش الدائر حول ملف اللاجئين من دون مراعاة الحقائق التالية:
– معظم اللاجئين خرجوا من البلاد تدريجياً، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الحرب، وهذا يعني أن عودتهم إلى البلاد لا بد من أن تكون أيضاً تدريجية لاعتبارات متعلقة بتوفير احتياجاتهم المعيشية والخدمية، وإلا سيتم نقل المشكلة من مكان إلى آخر فقط، ليبقى بذلك اللاجئون أسرى المعاناة والألم. وللعلم، فهذا الأمر لا يتناقض مع وضع برنامج زمني متفق عليه لإعادة اللاجئين.
– التشديد دولياً على طواعية عودة اللاجئين يفهم منه أنه سيتم احترام رغبة شريحة ما منهم بعدم العودة، لأسباب عدة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، إذ إن العديد من اللاجئين تأقلموا مع المجتمعات التي يعيشون فيها، وأسسوا مشروعات صغيرة ومتوسطة، ولا يرغبون في البدء من جديد، وهذا من شأنه أن يخفض عدد اللاجئين الذين يمكن أن يكونوا على قائمة العائدين المحتملين.
– التركيبة الديموغرافية للاجئين تفرض أيضاً تحديات كثيرة أو لنقل جهوداً أكبر من المتوقع أثناء عملية تهيئة الظروف لعودتهم إلى مناطقهم. مثلاً، تعدد المناطق التي ينتمي إليها هؤلاء يجعل مشروعات إصلاح وإعادة تأهيل البنى التحتية ممتدة جغرافياً على معظم المحافظات السورية، وتحتاج تالياً إلى تمويل ضخم، كما أن تركيبة اللاجئين بحسب الجنس والمستوى الاجتماعي والتعليمي والمهني هو واقع لا يمكن تجاوزه أثناء تصميم أي مشروع للعودة.
أرقام كبيرة
لا يوجد أي تقديرات رسمية أو أممية لإجمالي تكلفة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، سواء التكلفة التي يفترض أن تتحملها الحكومة السورية أو تلك التي يمكن أن يساعد بها المجتمع الدولي، إنما عموماً هي تكلفة ليست قليلة، ولا سيما أنها في العديد من المناطق المستهدفة بإعادة التأهيل والبناء ستكون قريبة من عملية إعادة إعمار كاملة لتلك المناطق في ضوء ما يشكله اللاجئون من نسب عالية من سكانها.
ويمكننا هنا أن نستعرض معاً بعض التقديرات المحتملة لجوانب معينة من تلك التكلفة. مثلاً، إذا افترضنا أن هناك خمسة ملايين لاجئ يريدون العودة إلى مناطقهم وقراهم، أي نحو مليون أسرة، فهذا يعني أن هناك حاجة إلى نحو ملياري دولار فقط لمساعدة تلك الأسر على تأسيس مشروع صغير يعيلها، ولو بالحد الأدنى، وذلك بناء على المنح المالية التي تقدمها حالياً المنظمات الأممية للأسر السورية لمساعدتها على تأسيس مشروع صغير، والبالغة قيمتها نحو ألفي دولار.
وإذا افترضنا أيضاً أن كل أسرة من هذه الأسر بحاجة إلى نحو 5 آلاف دولار لترميم منزلها المدمر بفعل الحرب ليصبح صالحاً للسكن، فهذا يعني أن هناك حاجة لنحو 5 مليارات دولار لترميم المنازل المدمرة. وإذا ما أضفنا إليها تكاليف إيصال الكهرباء والمياه والاتصالات والتعليم والصحة وما إلى ذلك من خدمات أساسية، فإننا سنكون أمام رقم كبير من دون شك.
هذا الرقم لا يطرح لتبريد ملف اللاجئين، كما يتوهم البعض، ولا لتبرير تأخر إنجازه، لكن هناك مسؤوليات على الدول يجب أن تتحملها، فكما سلحت أطراف الحرب ومولتهم، عليها أن تقوم بالشيء نفسه في معركة عودة اللاجئين إلى منازلهم ومناطقهم، فالتمويل يشكل إلى جانب القرار السياسي الحامل الأساسي في اتخاذ إجراءات وخطوات عملية من شأنها إنجاح عودة اللاجئين أو إفشالها.
وهناك ثلاثة مصادر محتملة لهذا التمويل هي:
– ما سوف تخصصه الحكومة السورية من اعتمادات سنوية في إطار خطتها السنوية لإعادة الإعمار، والتي تخصص سنوياً بمبلغ 50 مليار ليرة، وتستهدف مشروعات إصلاح وترميم الأضرار التي تلحق بالمنشآت العامة والبنى التحتية، وتشمل كذلك صرف التعويضات عن الأضرار الخاصة، لكن هذا المبلغ المتكرر سنوياً بات مع تراجع القوة الشرائية لليرة قليلاً، ولا يلبي احتياجات تحدي إعادة اللاجئين. لذلك هناك حاجة إلى زيادته بشكل تنعكس آثاره بوضوح على أرض الواقع.
– المساعدات والمنح المالية الدولية التي لا تزال إلى الآن محصورة في بعدها الإغاثي، ولا تتعداه إلا نادراً، وضمن نطاق ضيق جداً، وذلك خوفاً من الدخول تحت أي بند يقود إلى إعادة الإعمار الممنوعة بموجب تشريعات العقوبات الغربية على سوريا، لكن مع حدوث توافق دولي على دعم عملية إعادة اللاجئين، فإن هناك مسؤولية دولية يفترض ترجمتها بتخصيص ميزانيات سنوية غايتها إصلاح وإعادة تأهيل المناطق المتضررة والمستهدفة بإعادة لاجئيها ودعم مشروعات التعافي المبكر فيها.
المساعدة الدولية قد تكون من خلال دعم تنفيذ البرامج والمشروعات الأممية في سوريا وتوسيع دائرتها أو بتقديم المساعدة التقنية والفنية والتجهيزات اللازمة والضرورية للمؤسسات السورية العامة والخاصة وفق آلية صرف شفافة يصار إلى الاتفاق عليها، إضافة إلى ضرورة رفع العقوبات عن الأموال السورية الموجودة في الخارج. وضمن هذا السياق، يمكن أن تندرج المساعدات العربية التي تم التعهد بتقديمها في إطار معالجة ملف اللاجئين وفق ما خلص إليه بيان عمان الوزاري.
– المصدر الثالث للتمويل يتمثل في القروض التي يمكن أن تمنح لسوريا وتخصص لعملية إصلاح وتأهيل البنى الخدمية والمرافق الخدمية بعيداً من أي اشتراطات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهذه لا تزال خارج نطاق البحث لأسباب متبادلة بين سوريا والدول والمنظمات الدولية؛ فسوريا ترفض إلزامها بأي شروط لمنحها قروضاً مالية، والدول والمنظمات الدولية تعارض منح دمشق أي قروض قد تنقذها من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به.
تناقضات صعبة
يحتوي ملف اللاجئين كثيراً من التناقضات الإنسانية المؤلمة، فما يعيشه اللاجئون في الخارج، وتحديداً في المخيمات، من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة ومؤلمة، يجعل عودتهم إلى بلادهم أولوية تتقدم على ما سواها حماية لإنسانيتهم وصوناً لكرامتهم.
تكشف بيانات مفوضية اللاجئين أن “ما نسبته 58% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون في مآوٍ غير ملائمة وغير آمنة، ويعاني 67% منهم انعدام الأمن الغذائي بدرجة معتدلة أو شديدة. وفي الأردن، 77% من اللاجئين الذين يعيشون داخل المجتمعات المضيفة لهم (اللاجئون الحضريون) يعانون انعدام الأمن الغذائي أو عرضة لانعدام الأمن الغذائي، فيما يعيش 49% من الأسر تحت خط الفقر المدقع. وفي تركيا، 90% من اللاجئين لا يقوون على تغطية نفقاتهم الشهرية أو احتياجاتهم الأساسية بالكامل، فيما يضطر 94% إلى اتباع أساليب مختلفة من أجل البقاء، مثل خفض مستوى استهلاك الطعام أو اقتراض الأموال”.
في المقابل، إن استمرار تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية في عموم مناطق البلاد قد يزيد معاناة هؤلاء فيما لو عادوا من دون تهيئة مناسبة لظروف معيشتهم وعملهم. هذا التناقض لا يمكن أن يعالج إلا في إطار توافق محلي وخارجي على معالجة الملف بشكل واقعي بعيداً من أي تجاذبات أو حسابات سياسية مرحلية أو مستقبلية، بحيث يكون معياره الوحيد استعادة إنسانية وكرامة 6.8 مليون سوري اضطروا إلى اللجوء منذ العام 2011.