الكيان والثمن الذي سيدفعه في أي حرب عالمية
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
يعتقد المؤرخ العسكري الإسرائيلي والمختص بدول آسيا في الجامعة العبرية ومؤلف كتاب بعنوان «المؤامرات ضد هتلر» عن الحرب العالمية الثانية داني أوروباخ، في تحليل نشره بالعبرية في موقع المجلة العبرية «البومة» في الـ 9 من تموز الماضي أن احتمال وقوع حرب عالمية أصبح يلوح في الأفق، ويستذكر تحت عنوان: «هل نصبح مع قدوم الشتاء على حافة حرب عالمية جديدة؟» ظروف الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين لم تتطور كل منهما إلى مرحلة الحرب العالمية الشاملة بمشاركة كل الدول الكبرى ضد بعضها بعضاً، إلا بعد مرور سنتين تقريباً على بداية حرب إقليمية كان من الممكن منع انتقالها لحرب عالمية شاملة في ذلك الوقت، وفي تشخيصه للوضع الراهن بعد التطورات الحربية التي تجري بين روسيا وأوكرانيا والفرز والاستقطاب الذي ولدته على الساحة الدولية، يرى اورباخ أن «الصين على ما يبدو تسير وتستعد نحو فك ارتباطها بالغرب من أجل مواجهة حرب محتملة في مضائق تايوان وهذا ما تشير إليه سياسياً التصريحات الصينية التي يطلقها كبار المسؤولين في الصين، وبالمقابل بدأت تتزايد النزعة التايوانية للانفصال والرغبة ببقاء تايوان مستقلة عن الصين الأم».
ويشير أوروباخ إلى تمسك الولايات المتحدة بتايوان وعدم التنازل عنها وهذا الموقف الأميركي المتشدد تجاه الصين هو الذي يفرض على نسبة من الصينيين في تايوان الخضوع للسياسة الأميركية ضد قيادة وطنهم الأم، ولذلك بدأنا نشهد توتراً عسكرياً في منطقة مضائق تايوان وتزايداً في الدعم العسكري الأميركي لجيش تايوان، ويبين أوروباخ في تحليله أن «وقوع حرب بين الولايات المتحدة والصين ستكون الحرب العالمية الأولى التي سيشهدها جيل هذا القرن وستؤدي هذه الحرب إلى انهيار نهائي للنظام العالمي الراهن لأن حرباً كهذه لن تقتصر على الولايات المتحدة والصين وسوف تكون نتائجها مدمرة»، ويستشهد بما جرى قبيل وقوع الحرب العالمية الثانية حين بدأت حرب غير عالمية بين ألمانيا وبولندا عام 1939 في البداية، ثم استمرت سنتين إلى أن انضمت إلى الحرب ضد ألمانيا بريطانيا وفرنسا، فتحولت إلى حرب عالمية شملت كل أوروبا وآسيا وشارك فيها الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا في عام 1941، ويبين أن «مرحلتنا الراهنة قد تشهد حرباً عالمية فقط إذا اجتمعت ثلاث مجابهات واسعة في ثلاث مناطق في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، وفي شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وفي شرق آسيا بين الصين وتايوان والولايات المتحدة، وتحولت كل هذه المجابهات إلى حرب واحدة بين روسيا والصين وحلفائهما ضد الولايات المتحدة وحلفائها، أما ما سوف يحدث بعد ذلك فمن الصعب جداً معرفته لكنه من الواضح وبعبارة خطيرة أن النتيجة ستكون سيئة جداً وفوضوية».
حين يتحدث أوروباخ عن نتيجة كهذه، فهو يستبعد تماماً التفكير بانتصار الغرب، وكأن النتيجة ستحمل دماراً على الجميع بما في ذلك إسرائيل، ويذكر أن السفير السابق لإسرائيل في واشنطن زالمان شوفال دعا في مقال له في الـ10 من آب 2021 في صحيفة «معاريف» إلى اصطفاف إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين إذا ما اندلعت حرب بين الدولتين العظميين، وقال: إن «نصف يهود العالم هم من الأميركيين ولأن أميركا هي الدولة التي ضمنت وجود إسرائيل ولن تكون الصين من تفعل ذلك»، ولا أحد يشك أن تل أبيب ستختار الاصطفاف إلى جانب القوى الاستعمارية في أي حرب ضد الصين أو روسيا.
ويدرك قادة الحركة الصهيونية وتل أبيب أن حرباً بين الصين وواشنطن ستفرض عليهم ثمناً باهظاً، لأن أحداً لا يستطيع معرفة نتائجها، فإذا ساد دمار بين الطرفين ستكون تل أبيب جزءاً من هذه الحرب وسوف يصيبها دمار يزعزع وجودها لأنها لن تستطيع في مجابهة شاملة بحرب عالمية، منع انهيار كل أشكال قدرة الردع التي تعول عليها، علماً أن هذه القدرة تآكلت ولا تزال تتآكل من دون وقوع حرب عالمية، ولذلك تتفق جميع المصادر الصهيونية والإسرائيلية على أن هذا الكيان سيدفع ثمناً باهظاً ومحتماً إن اشتعلت حرب عالمية، وترى معظم هذه المصادر أن الأمر الواقع الراهن الذي نشهد فيه حالة اللا حرب واللا سلم بين القوى العظمى بدأ يستنزف قدرات الغرب وهذه النتيجة ستضعف قوة الكيان وتحول من دون محافظته على درجة الردع التي بدأ يراها تتدهور أمام ناظريه منذ سنوات كثيرة.