القرار الأمريكي ضد إيران، “ضربة أسرائيلية” في الهواء
موقع قناة العالم ـ
ماجد حاتمي:
لم تتفق النخب السياسية الايرانية بمختلف توجهاتها ومشاربها ، على شيء ، كما اتفقت على ان مشروع قانون تشديد العقوبات ضد ايران، الذي اقره مجلس النواب الامريكي مؤخرا ، وجه رسالة في غاية العدائية الى الشعب الايراني.
الشعب الايراني وبعد ملحمة الانتخابات الرئاسية التي شارك فيها نحو اربعين مليون ناخب ، كان يتوقع ان تعيد الحكومات الغربية وعلى راسها الادارة الامريكية ، حساباتها في التعامل مع النظام الشعبي في ايران ، فاذا بمجلس النواب الامريكي يصادق على مشروع قانون يشدد العقوبات على ايران ، بينما الشعب الايراني لم يحتفل بعد بتنصيب رئيسه الجديد.
قرار مجلس النواب الامريكي الاخير، لم يستهدف البرنامج النووي الايراني السلمي بأي شكل من الاشكال ، بل يهدف وبشكل رئيسي الى شل الاقتصاد الايراني ، للانتقام من الشعب الايراني الذي خذل الادارة الامريكية والصهيونية العالمية ، وفند تقارير استخباراتهم وجواسيسهم ، التي كانت تتحدث عن وجود شرخ بين الشعب الايراني ونظامه الاسلامي ، اوجدته العقوبات الامريكية والغربية الاحادية الجانب ضد الشعب الايراني.
**السياسة الخارجية الامريكية تحت وطأة ايباك
التوقيت السييء للقرار الامريكي والرسائل الاسوء التي حملها ، دفع العديد من المحللين السياسيين ، الى تبرير ما جرى ، عبر الاعتراف بتأثير مجموعات الضغط الصهيونية وفي مقدمتها منظمة ايباك ، على الكونغرس الامريكي ، وذلك للتخفيف من وطأة الاجراء المتسرع وغير المدروس على مجمل المسار السياسي الامريكي في التعامل مع ايران.
ويعضد هؤلاء المحللون وجهة نظرهم بشأن تأثير مجموعات الضغط الصهيونية وفي مقدمتها ايباك على الكونغرس ، بوجود اختلاف واضح بين ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما وبين الكونغرس بشأن السياسة التي يجب اتباعها ازاء ايران ، لاسيما بعد انتخاب السيد حسن روحاني رئيسا للجمهورية في ايران ، فقرار مجلس النواب جاء بعد اسبوع من قرار اتخذته وزارة الخزانة الامريكية خففت فيه وبشكل جزئي العقوبات على ايران بتوسيع قائمة للخدمات الطبية التي يمكن تصديرها بدون الحصول على اذن خاص. كما وجه قبل فترة قصيرة نحو 30 شخصية كبيرة من المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين السابقين في الادارات الامريكية المتعاقبة ، رسالة الى الرئيس الامريكي اوباما طالبوه فيها عدم فرض، أو النظر في عقوبات إضافية على إيران في هذا الوقت.
الامرغير الملفت والمتوقع هو الترحيب المتسرع من قبل اسرائيل بالقرار ، حيث رحب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بقرار مجلس النواب الامريكي وقال انه في اعقاب الانتخابات التي اجريت في إيران، بعث مجلس النواب برسالة واضحة للنظام الإيراني مفادها ان الضغوطات الدولية التي تمارس على إيران ستتزايد حتى توقف ايران محاولاتها لامتلاك الأسلحة النووية!!.
**رسائل القرار الامريكي
قرار مجلس النواب الامريكي الرامي لتشديد العقوبات ضد ايران ، حمل بين طياته رسائل واضحة الحروف ، تؤكد جميعها على احقية وصدقية موقف ايران المبدئي والثابت من امريكا وسياستها المعادية لتطلعات الشعوب.
اعتادت امريكا ان تبني علاقاتها مع الدول الاخرى ، على اساس قاعدة التابع والمتبوع ، وكل ما يقال عن علاقات الاحترام المتبادل وعن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الاخرى ، فهو كلام لامعنى له في القاموس الامريكي.
من مجموع رسائل القرار الامريكي نتوقف عند ثلاث رسائل:
الرساله الاولى : ان القرار تجاوز كل الاعراف والقوانين الدولية وتدني الى حد شرعة الغاب ، حيث البقاء للاقوى ، دون مراعاة ادنى الحقوق الانسانية في الحياة والعيش الكريم للاخرين. فالقرار يؤكد وبالارقام ان امريكا تسعى الى وقف كل صادرات النفط الايراني الى الخارج ، وهذا يعني ضرب الاقتصاد الايراني وصولا الى تركيع الشعب الايراني امام الارادة الامريكية. وهو امر لايرتبط من قريب او بعيد بالبرنامج النووي الايراني السلمي .
ان القرارات الامريكية ورغم صدورها تحت يافطة البرنامج النووي الايراني ، الا انها تستهدف بالاساس الانسان الايراني الرافض للهيمنة الامريكية ، فالشعب الايراني اعتاد على هذه القرارات حتى قبل تحويل البرنامج النووي الايراني على شماعة لتعلق عليها قرارات الحظر الظالمة.
فلا يحتاج الانسان الى فراسة خارقة ليتساءل عن مدى علاقة النووي الايراني بالدواء والاجهزة الطبية ؟ وعلاقة النووي بصناعة السيارات ؟ والطائرات المدنية؟ والزراعة ؟ و.. اذن هي رسالة معادية للشعب الايراني بكل اطيافه.
الرسالة الثانية : القرار كشف عن مدى تغول مجموعات الضغط الصهيونية داخل امريكا ، والتي نجحت في جعل ارادة الصهاينة في امريكا فوق الجميع ، ومصلحة اسرائيل فوق مصلحة امريكا حتى في داخل امريكا ، الى الحد الذي تحولت النخب السياسية الامريكية الى اشبه بالدمي تحركها اللوبيات الصهيونية ، وهو ما كشف عنه احد السياسيين الامريكيين بالقول ان نتانياهو مازال يكذب علينا منذ عشرين عاما لانملك الا ان نصدقه.
صحيح ان هناك بعض الاصوات اخذت ترتفع على تغول مجموعات الضغط الصهيونية في امريكا ، الا انها مازالت خافتة وتخشي القمع ، وهو ما يؤكد ان وقتا طويلا لابد ان يمر حتى يمتلك الامريكيون الجرأة للتحرر من أسر الهيمنة الصهيونية على مقدرات بلادهم.
الرسالة الثالثة: ان القرار كشف وبشكل لا لبس فيه مدى عجز وتخبط امريكا في تعاملها مع جمهورية ايران الاسلامية . فالقرار جاء بعد كم هائل من القرارت الاممية والاحادية الجانب بشقيها الامريكي والغربي ، ووصفت كل منها باوصاف تشبه عناوين افلام هوليود مثل القاضية والشاملة والذكية والمدمرة والتي ستشل ايران وشعبها والى اخر القائمة الطويلة ، ولكن ما الذي حصل بعد اكثر من ثلاثة عقود وكل هذا الكم الهائل من القرارات الظالمة ، خرجت علينا امريكا بقرار جديد عنوانه ضرب الاقتصاد الايراني ، وكأنها كانت الى اليوم تدعم هذا الاقتصاد ، او انها كانت تمزح مع الشعب الايراني خلال كل هذه الفترة.
ان القرار يكشف قبل كل شيء ان ايران خرجت قوية من كل محاولات اضعافها وتركيعها على مدى اكثر من ثلاثة عقود ، وان امريكا لم تحصد الا الفشل والخيبة في كل ماخططت له.
**ايران بعد اكثر من ثلاثة عقود من الحظر الشامل
ايران التي تمنى امريكا النفس في ان تشهد يوما وهي تركع مستسلمة امامها ، تعيش هذه الايام علي الصعيد الداخلي احتفالية تنصيب رئيس الجمهورية الجديد السيد حسن روحاني بعد مشاركة شعبية قل نظيرها في اعرق الديمقراطيات في العالم.
مراسم اداء اليمين الدستورية والتي كانت تجري في ايران في اجواء ايرانية صرفة ، اصبحت هذا المرة عالمية الاجواء حيث سيشارك 55 وفدا اجنبيا ، في هذه المراسم بينهم 11 رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء و 7 رؤساء برلمانات و 11 وزيرا للخارجية ، بالاضافة الى ممثلي المنظمات الدولية والاقليمة وعشرات الشخصيات العالمية المعروفة.
ايران وهي تدشن مرحلة جديدة من تاريخ الجمهورية الاسلامية ، يتسابق الاخرون لتعزيز العلاقة معها بسبب سياستها المعتدلة ومواقفها المبدئية ولتعاونها الشامل والشفاف مع المنظمات الدولية وفي مقدمتها الامم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ولدورها البناء والمسؤول على الصعيدين الاقليمي والدولي . فقد اعتبر معهد بروكينغز الأميركي الانتخابات الرئاسية التي جرت في ايران بأنها مؤشر يبعث على التفاؤل وفرصة كبيرة قد تؤدي إلى إضعاف التحالف الغربي لفرض الحظر على طهران.
في يوم الخميس الاول من اب /اغسطس ، اي قبل ايام قليلة على مراسم اداء اليمن الدستورية للرئيس حسن روحاني ، اتصل وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ بنظيره الايراني علي اكبر صالحي ودعاه الى تعزيز التعاون بين لندن وطهران ، واتفق الجانبان على ان يلتقيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة ، كما حددا موعدا لاجتماع خبراء خارجية البلدين بهدف تعزيز التعاون الثنائي قبل اجتماع نيويورك.
والمعروف انه وقبل التصويت على قرار مجلس النواب الامريكي وجه 16 نائبا في المجلس رسالة إلى رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر، اعلنوا فيها انهم كانوا من مؤيدي المشروع إلا أنهم يعتقدون الان أن التصويت عليه في هذا الوقت وفي شكله الحالي ستكون له نتائج عكسية.
هذه المواقف وغيرها الكثير ، ما كانت لتُعلن لوكان بالامكان اركاع ايران عبر الحظر او القوة ، وما كانت هذه المواقف ان تظهر للعلن لولا تماسك الجبهة الداخلية في ايران ، وما ينعم به الشعب الايراني من الامن والاستقرار في منطقة تموج بالاضطرابات وانعدام الامن ، وما كان اصحاب هذه المواقف يتسابقون الى اتخاذها لولا السياسة الحكيمة لايران في المنطقة والقائمة على مكافحة الارهاب والتطرف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى.
ان التجربة التاريخية اثبتت ان من الصعب اركاع الشعوب عبر فرض الحظر عليها ، لتغيير توجهاتها وسياساتها ، بل ان هذه الحالة تصبح مستحيلة ازاء بلد كإيران ، لاسباب ايمانية وسياسية وعسكرية واقتصادية وجغرافية وتاريخية وثقافية ، لذا على الرئيس الامريكي باراك اوباما ان يعيد حساباته بعيدا عن مزاعم وكذب الثرثار نتانياهو ، وان يتحرر قليلا من ضغط اللوبيات الصهيونية ، وان ينظر الى ايران كما هي لا كما تصورها تقارير اعدائها ، وإلا سيجعل من امريكا مجرد قبضة تلوح بها اسرائيل للتهديد بضرب ايران … ولكن في الهواء.