الفتاوى التحريضية على مد عينك والنظر.. من يصدرها ومن يضبطها؟
موقع النشرة الإلكتروني ـ
ماهر الخطيب:
بالرغم من الأحداث العديدة والمتتالية التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، إلا أن الفتاوى الدينية العديدة والغريبة التي صدرت عن العديد من “رجال الدين” في هذه الفترة، غطّت على هذه الأحداث إلى حد كبير، لا بل باتت تطرح العديد من علامات الإستفهام حول الأهداف الحقيقة من إصدارها عبر شاشات التلفزة أو مواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” و “تويتر” حيث بات لكل “شيخ” أو “داعية” صفحة يتلقى عليها الأسئلة والتساؤلات ويوزع الفتاوى.
ولأن الفتاوى، نظرا لتأثير الدين في المجتمعات العربية، تشكل عاملاً أساسياً في تصرفات الشعب وفي حكمه واحتكامه، من المهم التعرف على كيفية صدورها، وعلى من له الحق في إصدارها، وإن كانت جميعها تعبّر عن حقيقة الموقف الديني من القضايا المطروحة.
المرجعيات الدينية تشتكي
من السياسة إلى الاجتماع والاقتصاد إلى الجنس حتى، تنتشر الفتاوى الدينية بشكل كبير في الفترة الأخيرة لتطال كافة الجوانب الحياتية حتى الأكثر خصوصية فتثير حولها العديد من علامات الإستفهام، لا سيما تلك التي تكون غريبة، فكيف من الممكن تصور فتوى دينية تبيح القتل أو التعدي على أملاك الغير أو الامتناع عن إلقاء التحية والمعايدة على أبناء الوطن الواحد، في حين أن جميع الأديان تشدد على السلام والمحبة والخير.
لدى طرح الموضوع على مدير عام الأوقاف الإسلامية في دار الفتوى اللبنانية الشيخ هشام خليفة، كانت المفاجأة بأن الشيخ خليفة نفسه اشتكى من انتشار هذه الفتاوى، واعترف أنها بدأت تشكل مشكلة كبيرة تطرح بشكل يومي أمام علماء الدين، مشدداً على ضرورة وضع حدٍّ لها لأنها تسيء بالدرجة الأولى إلى من يصدرها كما تسيء إلى المسلمين عموماً وفي بعض الأحيان تسيء الى مواقع وطنية مهمة وقد تلحق الضرر بالعيش المشترك والوحدة الوطنية في العديد من الدول.
من جهته، ينتقد رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس في جامعة الأزهر في مصر الدكتور حسين عويضة وسائل الاعلام التي تصبح منابر تطلق عبرها الفتاوى على الرأي العام. ويقول: “بكل صراحة الجاهل يأتي بالجاهل”.
ويعتبر عويضة، في حديث لـ “النشرة”، أن “كثيرين ممن يدعون المعرفة اليوم في الأمور الدينية يعيثون في الأرض من خلال أفعالهم فساداً ويزرعون الفتن في الأوطان”، مشدداً على أن ليس كل من قرأ صفحتين أو ثلاثة يستطيع أن يصدر الفتاوى.
كيف تصدر الفتاوى؟
يوضح الشيخ خليفة، في حديث لـ “النشرة”، أن “هناك مرجعيات محددة لإصدار الفتاوى الدينية التي تقتصر على المؤسسات الرسمية بالإضافة إلى العلماء الذين يعطيهم الشرع حق إصدارها وفق أصول محددة”، لافتاً إلى “ضرورة أن يحظى العالم بثقة الناس من خلال التجربة في العديد من الأحكام ليستطيع أن يصدر الفتاوى”.
ويشير الشيخ خليفة إلى أنه في الماضي لم يكن هناك من إشكالية في هذا الموضوع لكن بعد تعدد القنوات التي من الممكن الحصول من خلالها على المعرفة بدأت هذه المشكلة في الظهور، مؤكداً أن بعض الفتاوى تصدر عن بعض المتعصبين وقليلي العلم.
من جهته، يستغرب الدكتور عويضة احتلال بعض الأشخاص الذين يتحدثون بطريقة غريبة تثير البلبلة لشاشة التلفاز، معرباً عن مفاجأته في بعض الأحيان بالعديد من الأشخاص الذين يقال أنهم أساتذة في الأزهر أو شيوخ، في حين أنه هو الأستاذ في الجامعة نفسه منذ ما يقارب الأربعين عاماً لا يعرفهم.
ويشدد الدكتور عويضة على أن موضوع الإفتاء في الإسلام أمر خطير جداً، لا يمكن لأي شخص القيام به، ويشير الى أن “من يفتي يجب عليه أن يدرس الفقه الإسلامي على أنواعه على مدار عمره، ويجب أن يكون حائزاً على الشهادات في هذا المجال”، ويضيف: “الفقه الذي هو علم الحلال والحرام أو علم استنباط الأحكام ليس أمراً سهلاً كما يعتقد البعض”.
الفتاوى “المفبركة” لأهداف سياسية
على صعيد متصل، يؤكد الشيخ خليفة أن بعض الفتاوى التي تتعلق بأمور سياسية تكون في أغلبها “مطبوخة” و”مفبركة” من أجل استغلالها من قبل بعض الجهات، ويشير إلى أنها تكتسب أهمية لدى الجمهور لأنه يعتقد أنها حكمٌ ديني في حين هي صادرة عن جهل وتعصب ديني أحياناً.
ويتطرق خليفة إلى الفتاوى التي حرمت في الآونة الأخيرة معايدة المسلم المسيحيين في أعيادهم، فيؤكد أن هذا الأمر غير صحيح، ويشير إلى أن هناك العديد من الدلائل التي تؤكد جواز المعايدة والمواساة في الأحزان.
وفي السياق نفسه، يرفض عويضة الربط بين الدين والسياسة، مؤكداً أن لا بد من رفع غطاء الدين عن السياسة لأنها تسيء إليه، ويضيف: “في السياسة هناك مناورة وكذب في معظم الأحيان”، ويعتبر أن بعض الفتاوى في العديد من البلدان ستوصل إلى الحرب الأهلية فيما لو استمرت لأنها تسيء إلى الآخر، وهو من الطبيعي أن يرد على هذه الإساءات.
و يستغرب عويضة الفتاوى التي تتناول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ويسأل: “هل يعلم هؤلاء أن من شروط الإسلام أن يعترف المؤمن بالنبي عيسى وبالسيدة مريم؟”، ويضيف: “أنا الدكتور في جامعة الازهر أغلب الاطباء الذين أتعالج عندهم هم من الأخوة المسيحيين ولدي كل الثقة بهم”.
المؤمن مسؤول بالدرجة الأولى
بالرغم من المسؤولية الكبيرة التي تقع على من يصدر الفتاوى التحريضية والقنوات الإعلامية التي تصدر من خلالها، يشدد الشيخ خليفة على أن هناك مسؤولية تقع على المؤمن، مشيراً إلى أن الفتاوى المتشددة لا تلزم إلا أصحابها، لكنه يلفت إلى أن “المسلم لا يمكن أن يقول لا أعرف، كما هناك مقولة قانونية تشير إلى أن القانون لا يحمي المغفلين، فإن الجهل لا يرفع المسؤولية”، ويوضح أن “الجهل عذر إذا تعذر العلم، لكن اليوم ليس هناك من عذر، والمسلم يعرف أن هناك مرجعيات محددة لإصدار الفتاوى”.
أما عويضة، فيعلن عن تفكير للأزهر في مبادرة لإطلاق قناة فضائية، تبث باللغات الإنكليزية والفرنسية والالمانية والعربية، لأنه من الواجب نقل صورة الإسلام الحقيقية الى الغرب الذي فهم الإسلام بطريقة خاطئة من قبل بعض المسلمين.
ويعتبر عويضة أن المطلوب في البداية وقف القنوات التي تبث المواد التحريضية بشكل واضح لأنها تتسبب بالفتنة، ويدعو المسلمين إلى تحريض حكوماتهم على القيام بهذه الخطوة، معتبراً أن هذا الأمر كفيل إلى حد ما في إبعاد شبح الفتنة، داعيا في الوقت عينه، إلى تثقيف الناس وإرشادهم إلى التعاليم الدينية الصحيحة. ويضيف: “الإنسان المثقف والمتعلم يعرف ما الذي يقوم به هؤلاء، ويعرف أنهم لا يقولون الحقيقة، ولكن غير المتعلم ماذا يفعل، وهم يقولون له أن هذه الأفعال مطلوبة لإرضاء الله؟”.