«الغوطة 2»: معركة سعودية أخيرة؟
صحيفة السفير اللبنانية –
محمد بلوط:
معركة سعودية أخيرة من أجل دمشق. أبلغت وزارة الخارجية الأميركية معارضين سوريين، في باريس، أن قراراً سعودياً – أميركياً مشتركاً قد اتخذ بفتح الجبهة الجنوبية مجدداً، بعد أربعة أشهر على الهجوم الأخير لرتل من ألفي مقاتل قدموا من الأردن عبر البادية، ولم يتمكنوا من اختراق الغوطة الشرقية نحو دمشق.
وكان الرتل قد اصطدم بمقاومة عنيفة من مقاتلين ينتمون إلى الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ووحدات من «حزب الله»، أوقفت تقدمهم بصعوبة، بعد اختراقهم خطوط دفاعها الأولى مستفيدة من عنصر المباغتة، والتشويش الإسرائيلي عبر محطات جبل الشيخ القريبة، على اتصالات وحدات الجيش السوري وإعمائها، وفصلها عن أركانها ساعة الهجوم.
وتنتعش الجبهة الجنوبية بتنسيق سعودي – أردني – أميركي. ويأتي القرار بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن وقبيل توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض في 22 آذار المقبل.
وإذا صحت التوقعات فسيكون على القيادة الجديدة التي طلب الأردنيون نقلها إلى الجنوب من الحدود التركية، بعد إعفاء سليم إدريس، التحرك قبل الزيارة الرئاسية الأميركية إلى الرياض. ويحاول وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، بحسب مصادر عربية وهو المشرف على العملية، اختبار «هيئة الأركان» الجديدة، وقيادة معركة قد تكون آخر المعارك ضد الجيش السوري، إذا لم تتوصل المعارضة إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها.
ومن المتوقع أن تحشد الأجهزة الأمنية الغربية مع «هيئة الأركان» الجديدة ما يقارب أربعة آلاف مقاتل تم تدريبهم وإعدادهم، بشكل أفضل من السابق، في معسكر الملك عبدالله الثاني للقوات الخاصة في السلط. ويشرف الأميركيون والأردنيون على تدريب ما يقارب 200 إلى 250 مقاتلاً سورياً في تلك المعسكرات شهرياً.
ويستبعد قطب سوري معارض أن تنضم فصائل درعا وحوران المقاتلة إلى العملية العسكرية التي يجري الإعداد لها، إذ لم تنجح هذه الفصائل حتى الآن في التوحد تحت «هيئة أركان محلية» واحدة، لكنها تتفق على حصر قتالها في حوران، كما تعرضت أكثرية الفصائل الـ49 التي تضمها لخسائر بشرية كبيرة، سواء في قياداتها التي قتل أكثر من 32 قائداً منها، إما في قتال ضد الجيش السوري، مثل «قائد المجلس العسكري في درعا» المقدم ياسر العبود، أو محمد أبا زيد الذي تتهم المعارضة «جبهة النصرة» بقتله وتصفية قادة آخرين من كتائب الـ18 العاملة في المنطقة، من بينهم ثلاثة من عشيرة المحاميد، وآخرين من الزعبية والمسالمة وعشيرة القرقماز الأصغر حجماً.
ويقول القطب المعارض إن مقاتلي جبهات حوران تعرضوا لنزف خطير، وفقدوا أكثر من عشرة آلاف مقاتل، أكثرهم سقطوا في ريف دمشق. وتعرضت ألوية أساسية في المنطقة، مثل «لواء شهداء اليرموك»، إلى هزيمة قاسية في معركة خربة غزالة أمام «الفوج 38» أدى إلى خروج معظم مقاتليه إلى الأردن. وترفض العشائر التي أعادت هيكلة مسلحيها الانجرار إلى معركة واسعة، خارج حوران، بحسب معارض بارز في المنطقة.
وتبدو «هيئة الأركان» الجديدة أردنية الهوى، إذ يشرف الأردنيون على الهيئة في الجنوب، من خلال عبد الإله البشير النعيمي، المقرب من الملك الأردني. وكان نائبه الملازم أول بشار الزعبي، وهو سائق شاحنة سابق على خط درعا ـ الرياض، قد أدى دوراً بارزاً العام الماضي في إعداد لقاءات في الأردن بين قيادات «النصرة» في الجنوب السوري وضباط سعوديين وأميركيين في عمان.
ويقول معارضون من المنطقة إن الهدف الأقرب للأردنيين هو نقل «هيئة الأركان» وجزء كبير من المقاتلين السوريين إلى شريط من الأرض داخل سوريا، وتحويل المنطقة إلى قاعدة انطلاق لعمليات المعارضة السورية المسلحة، وتهديد دمشق التي تبعد 90 كيلومتراً، من خلال قاعدة العمليات الجديدة.
ويقول قطب معارض في المنطقة إن الإماراتيين نقلوا قوافل إغاثة كبيرة إلى منطقة الرمتا الأردنية الحدودية، وكميات كبيرة من الخيم، لاستقبال لاجئين مفترضين، عند بدء العمليات العسكرية ومنع دخولهم الأراضي الأردنية. ومن المستبعَد أن تحاول أي قوة مهاجمة اختراق منطقة درعا أو السهل الحوراني الفسيح، الذي يتيح للجيش السوري، من دون الحاجة إلى تدخل الطيران، استخدام الكثافة النارية التي يتمتع بها، لوقف أي تقدم في منطقة مكشوفة، وحيث لا تزال خمس فرق من قواته وأفواج النخبة تنتشر حولها، بعضها لا يزال خارج المعركة حتى الآن.
ويبدو أن وقف عملية القلمون الهدف الأقرب إلى أي عمل عسكري يجري الإعداد له، عبر اختراق البادية، والالتحام مع مقاتلي «الجبهة الإسلامية» في المنطقة، والاندفاع نحو الغوطتين الشرقية والغربية، والتقدم نحو خطوط إمداد الجيش السوري فيها لإرباك معاركه في القلمون. وتقول مصادر عربية إن عنصر المباغتة لن يكون إلى جانب المهاجمين هذه المرة، لأن وحدات إضافية من مقاتلي «حزب الله» بدأت تصل إلى الجنوب، ووصلت مجموعات من ضباط الحرس الثوري الإيراني، لتنسيق العمليات في المنطقة ومساندة الجيش السوري.
ولا يرتبط القرار بإشعال الجنوب السوري بتصلب الحكومة السورية في جنيف، ورفضها تقديم أي تنازلات، إلا ظاهرياً، فـ«الائتلاف السوري» كان متصلباً هو أيضاً، ولم يتدخل الأميركيون للضغط عليه من أجل إنجاح الحل السياسي، كما تعهدوا.
والتحضيرات لشن هجوم، لا يزال محتملاً، سبقت «جنيف 2» بكثير، وهي عمليات لم تتوقف، وان تباطأت في الخريف، بعد خروج رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان تدريجياً من قيادة العمليات، وحلول محمد بن نايف محله فيها.
والفرصة التي يتيحها فشل معلن مسبقاً لجنيف لا تعوّض لتفعيل الخيار العسكري ووضعه على الطاولة مجدداً، لتحسين شروط التفاوض، من دون أن يكون ذلك هدفاً بحد ذاته. وجلي أنه منذ أكثر من عام فقدت المعارضة السورية المسلحة القدرة على القيام بأي عملية عسكرية كبيرة، وعلى جبهة واسعة من الأردن حتى الغوطة الشرقية، من دون تنسيق الأجهزة الأمنية الغربية والخليجية، ومشاركتها لوجستياً وفنياً في العمليات. ولم تقم بأي عملية واسعة من دون إشراف تلك الأجهزة التي كانت تعد وتنقل الأسلحة في توقيت يسبق تلك العمليات، وأبرزها عملية الغوطة الشرقية والهجوم اللاحق على عدرا العمالية.
وتقول مصادر أمنية غربية وعربية متقاطعة إنه خلال معركة الغوطة الشرقية، والأسابيع التي تلتها، نقل السعوديون عبر مطار المفرق حمولات من الأسلحة تم شراء بعضها في أوكرانيا. وعبرت أسبوعياً قوافل تحمل 15 طناً من الأسلحة الحدود الأردنية السورية في ممرات عبر البادية إلى مراكز يتجاوز عددها 15 مركزاً في المنطقة الممتدة نحو الغوطة الشرقية.
وأشرفت غرفة عمليات يقودها نائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان، وتتشكل من أميركيين وفرنسيين وبريطانيين وسعوديين وايطاليين وإماراتيين، على إرسال أكثر من 600 طن من الأسلحة في الفترة الواقعة بين شباط وآب من العام الماضي. وفي 29 كانون الثاني الماضي، هبطت ثلاث طائرات شحن عسكرية سعودية في المفرق حاملة معها أسلحة، من بينها صواريخ «لاو» وأجهزة اتصال مشفرة، وصواريخ مضادة للدبابات، وأسلحة خفيفة، وعربات مصفحة.
ويقول مصدر عربي إن الأميركيين لا يزالون يترددون في تقديم منظومة صواريخ صينية الصنع ومتطورة إلى المعارضة السورية المسلحة، بعد أن تقدمت «جبهة النصرة» في المنطقة بعرض ينافس «هيئة الأركان» الجديدة، وتدعو فيه إلى تشكيل غرفة عمليات «جهادية» مع 49 فصيلاً مقاتلاً في المنطقة.
ويعمل الأميركيون على تأهيل مدارج إقلاع بالقرب من الحدود السورية – الأردنية لاستخدامها في عمليات المراقبة والتدخل الجوي بطائرات من دون طيار. وتقوم هذه الطائرات بعمليات رصد واستطلاع لمعابر الأسلحة قبل دخول قوافلها وإرشادها إلى المعابر الآمنة، بعد أن نجح السوريون في اصطياد الكثير منها في الأشهر الماضية.