العنف في سورية أميركي المصدر
صحيفة الوطن السورية ـ
بنان النساف:
إسرائيل اليوم تعيش ربيعها الذهبي، فقد استطاعت مع حاضنتها أميركا أن تنفذ مآربها في تفتيت الوطن العربي، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإقليمية بين مكونات مجتمعاته، معتمدة على أن العرب لا يقرؤون بين السطور، مستغلة كل النظريات النفسية العدوانية التي تسيطر فيها على قدرات النفس البشرية الهشة، وذلك عن طريق إشعال نار الفتنة وتخريب الإنسان العربي من الداخل، وهي على يقين بأنها أحكمت قبضتها وأوقعت في شباك نسيجها العنكبوتي معظم الحكام العرب، ولكنها كانت ولا تزال تخاف الشعب العربي في كل مكان وتخشى انفجاره ضدها وضد كل من يساندها.
لقد أخاف أميركا وكل من يساندها ذلك النسيج الفسيفسائي المتجانس للمجتمع السوري، الذي يقوم على الحب والتآلف والتسامح بين جميع أفراده، فلم تألُ جهداً إلا وعملت عليه لتمزيق هذا النسيج خوفاً على ربيبتها إسرائيل، فاستخدمت جميع السيناريوهات الاستعمارية لديها لإحكام قبضتها على الشرق الأوسط، وهي تعلم بأن سورية هي بوابته الذهبية، فإذا استطاعت تحطيمها دخلت الشرق الأوسط من أوسع أبوابه.
وحين لم تفلح أميركا عن طريق الحروب المباشرة في القضاء على فكر المقاومة لدى الشعب العربي، صممت القضاء على معقل المقاومة سورية، فعملت بكل قواها مع الموساد الإسرائيلي على تخريب الجوانب النفسية والإنسانية لدى الإنسان العربي منذ سبعينيات القرن العشرين، وأخذت في تثبيت النظريات التي تؤكد على الجانب العدواني في السلوك الإنساني وعدم قابلية الإنسان للتغيير، وقامت بنشر هذه النظريات على نطاق واسع من خلال وسائل الإعلام للتأكيد على أن الصراع طبيعة كامنة في الوضع الإنساني وليست مفروضة عليه لظرف اجتماعي.
ويبرر المسيطرون على وسائل الإعلام الأميركية أن ما تحفل به برامج التلفاز والأفلام التي تمثل جرائم القتل والعنف والتي سوقتها أميركا وكل من يدور في فلكها إلى أنحاء العالم وخاصة القنوات العربية الموالية لها والتي تبثها يومياً على مدار الأربع والعشرين ساعة بأنهم يحاولون بذلك أن يقدموا للناس ما يحبونه، ثم يقولون من دون مبالاة: إن الطبيعة الإنسانية تتطلب للأسف الشديد ثماني عشرة ساعة يومياً لمشاهدة الإيذاء والقتل.
وتتكفل أجهزة الإعلام بكل إمكاناتها الآلية والبشرية الهائلة بأن يحصل المشاهد على فرصة قراءة وسماع ومشاهدة كل ما يتعلق بأحدث نظرية تربط الجريمة عند الإنسان بسلوك التزاوج عند الحيوانات آكلة اللحوم، وبأن عدوانية الإنسان أو نزعته التوسعية، تمثل أشياء كامنة في طبيعته الحيوانية، وهذا يؤدي من خلال عملية تحويل بارعة عند بعض الناس إلى تبرير ما هو قائم من عنف وصراع في الشرق الأوسط وخاصة في المنطقة العربية.
وتعمل أميركا وإسرائيل على إبقاء العقل الشعبي العربي وخاصة المستنير منه في حالة انعدام الثقة والشك فيما يتعلق بإمكاناته، مستغلة بذلك النفوس الضعيفة بعد أن غذتها وأشبعت نزعاتها للعنف على مدى سنوات من خلال كرنفال يومي للصراع والعنف عبر وسائل الإعلام وأثبتت بذلك أن العنف الأميركي رغم كل شيء مثله كمثل (فطيرة التفاح) ليس بالواقع فحسب بل في الخيال أيضاً وحتى في برامج الأطفال والألعاب الإلكترونية، ولقد وجدت تلك البرامج والأفلام والألعاب في الوطن العربي تربة خصبة حيث أقبل الشعب العربي وخاصة الشباب والأطفال عليها بحماس ونهم شديد.
وهكذا استطاعت أميركا والغرب وإسرائيل تضليل الجماهير العربية بعد أن أحسّ الجميع أن الشعب العربي بدأ بالظهور كإرادة اجتماعية في مسار العملية السياسية للمنطقة، وبعد أن وجدوا أن لا جدوى للقمع الشامل بالقوة والاحتلال والحروب، فعملوا على تأجيج العنف في النفوس على مبدأ العنف يولد العنف، فأوقعوا الشعب العربي والسوري خاصة في صراعات واصطدامات اجتماعية وخلافات بين بعضهم البعض، لأن الحياة تنطوي بطبيعتها الاجتماعية على تناقضات في الآراء والمبادئ والاتجاهات والمصالح الفردية، وهناك أفراد ينساقون في جو من الخصومات والضغائن ولا يملكون أنفسهم بحال من الأحوال ولا بشكل من الأشكال.
لقد استغلت أميركا وإسرائيل العادات الذميمة الموجودة عند بعض الناس في المجتمع السوري، والتي خلفتها عهود الانتداب السوداء من حب التجاوز على القوانين والتحاسد والفردية المفرطة وحب الذات المتحكم بشغاف قلوب البعض، فعملت على إذكاء نار الفتنة بين الصفوف، فاختلط الحابل بالنابل، وأخذ الصراع والعنف ينتشران في سورية مما أوقعها في براثن دوامة صراع بين الأهل والأشقاء تطحن برحاها الإنسانية، التي تئن تحت وطأة الغدر والخيانة، وكلما لاحت في الأفق بارقة أمل في إنهاء الصراع واللجوء إلى الحل السياسي حجبوها بظلام حقدهم وزادوا من التصعيد والعقوبات، لقد صبوا جام حقدهم الأسود على الشعب السوري فأنزلوا به الويلات محاولين استنزاف قواه بشتى الطرق ليقدموه كبش فداء على مذبح الحقد والتآمر، فالجميع يعلم كيف يتم القضاء على كل المحاولات التي تعمل لإخراج سورية من هذا النفق المظلم.
لقد أغرق الصراع سورية وشعبها في بحر العنف، وهي تتحمل مع شعبها من الأرزاء والمحن ما تنوء عنه الجبال، ولا شك أن ما يحدث لا يحتمل ولكن ليس أمام الشعب السوري إلا الصبر والصمود والتكاتف والتحلي بروح التسامح والتفهم للأمور على حقيقتها، وألا يترك مجالاً للحقد واليأس والانتقام السيطرة على المواقف.