العلاقات الروسية – التركية – الإيرانية.. آفاق ومعوّقات
يونس عودة – مجلة الثبات
يبدو أن المشهد في المنطقة، وقاعدته الأزمة السورية، دخلت عليه عوامل جديدة أكثر تعقيداً، لكن تلك التعقيدات قد تسرّع في الوقت نفسه سُبُل الحل، استناداً إلى تبدُّل المصالح بين الدول المؤثرة في الإقليم والعالم على حد سواء، ولعل وجود العاملين الآتيين كانا من المؤشرات المركزية على المصالح المذكورة أعلاه:
1- محاولة الانقلاب التي نفذ منها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا بل خرج بـ”غلة سياسية” لم يكن نفسه يتصورها، خصوصاً لجهة تربُّص الولايات المتحدة الأميركية به شخصياً، فرضت طريقة تفكير جديدة عليه، سرعان ما تلقّفتها إيران وروسيا أسرع من البرق، دون الرهان على إمكانية تحوّل كبيرة لجهة عقد صداقة استراتيجية تؤهّله العودة إلى بناء حلمه المنهار، ولو راوده الحلم بصيغة متواضعة.
2- السماح لأردوغان، عبر الجيش بصيغته الجديدة المتدرجة التغيير، بعد زج كبار القادة العسكريين في السجن، بلعب دور في شمال سورية تحت عنوان المساهمة في “مكافحة الإرهاب”، ما جعله ينتشي بالقدر المسموح به، بعد أن بات الصراع في المفهوم الأردوغاني صراع وجود يجعله مضطراً لتقديم أوراق اعتماد، مقابل إعادة تكوين بنيوي للمصالح – من خلال الاقتصاد بصورة أساسية – مع إيران وروسيا، في ضوء الأثمان التي دفعها بسبب تورُّطه في الأزمة السورية حتى أذنيه بدفع أميركي، حيث صوّرت له الأوهام أحلاماً قابلة للتحقق، ومن ثم التخلي عنه على مذبح المصالح الأميركية..
لقد تبيّن لأردوغان أن المصالح المشتركة مع إيران وروسيا عبر الاقتصاد أهم بكثير من الوعود الأميركية، وكذلك الأوروبية، وقد اكتسب المفهوم الجديد لديه، رغم تباعد المواقف من الأزمة السورية، إعادة فتح الآفاق مع موسكو وطهران، وتجلّى ذلك في اللقاءات الثنائية بين البلدين، تلك اللقاءات التي دخلت في العمق الاقتصادي؛ من التبادل التجاري المقدَّر بعشرات مليارات الدولارات، إلى صناعة النفط والغاز، وحتى السلاح..
إذاً، التقدّم في المجال الاقتصادي فرض نفسه على الأداء السياسي التركي، مع إبقاء موسكو وطهران على منهجيهما في التعامل، خصوصاً مع الازمة السورية، ولذا وعشية السماح “المدوزن” لتركيا بالمشاركة في العمليات العسكرية على حدودها، بعمق معيَّن في الأراضي السورية، كان تصريح أروغان بأن “هناك مشروع خطير يجري تنفيذه شمال سورية، تقف وراءه أطراف تدّعي صداقتها لنا”، وهنا يقصد الولايات المتحدة، من خلال تنمية علاقاتها مع الأكراد؛ عدوّه الاول، ولا تأتي “داعش” في هذا السياق إلا في الخطاب الإعلامي.
كما أن التدرُّج في الموقف التركي تجاه سورية عكسه أكثر من مسؤول، لاسيما رئيس الوزراء بنعلي يلدريم، ووزير الخارجية، الذي جزم بضرورة إعادة العلاقات السورية إلى أفضل مما كانت عليه قبل الحرب المتعددة الجنسية على سورية.
لعل القضية الكردية واحدة من العوامل التي جعلت القيادة التركية تعود إلى خطب ودّ دمشق حالياً، وربما العراق لاحقاً، في ضوء الحديث المتنامي عن احتمالات حرب أهلية تركية، رغم نجاح أردوغان في رفع التعصُّب القومي، وهذا بحد ذاته سيف ذو حدين في بلد متعدد القوميات أو الإثنيات.
بلا شك، نبتت رؤى مغايرة لكل من الولايات المتحدة وتركيا، ولم تتمكن زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من معالجة جوهرها، خصوصاً أن أروغان نجح في الضغط على واشنطن، وبقوة، من خلال الورقتين الروسية والإيرانية، مع يقينه بأن بايدن، وهوالأقرب إليه في الإدارة الأميركية، لم يكن همّه من الزيارة سوى رفع تقرير نهائي للإدارة حول الوضع الدقيق لأردوغان، وإمكانية تعويم الدعم له في ضوء الاستنتاج المكوّن عن قدرة الرئيس التركي على البقاء في السلطة، لاسيما أن الخلاصة الهادفة للمسؤول الأميركي هي “تقويض التوجُّه الجديد لتركيا نحو موسكو وطهران، والعمل على إبقاء تركيا تحت القبضة الأميركية بكليتها، في ضوء الزيارة التي كانت تنضح بالعداء لروسيا وإيران”.