العلاقات التركية ـ الإيرانية: من أصدقاء أصحاب مصالح إلى علاقة معقدة
Insight Turkey ترجمة مجموعة الخدمات البحثية ـ
آرون ستين ـ فيليب بليك:
موجز
بعد سنوات قليلة مما بدا أنها علاقة أوثق بين تركيا وإيران، تأرجح بندول الساعة إلى الوراء، ويقف الجانبان اليوم على طرفيْ نقيض بشكل متزايد. فقد جعلت الاضطرابات الجارية في سوريا التنافس القديم بين أنقرة وطهران على النفوذ الإقليمي يتصدر الواجهة. إذ ضاعفت إيران رهانها على دمشق وبأن بإمكان النظام الحالي في سوريا الصمود في وجه العاصفة، في حين تراهن تركيا على أن سوريا ما بعد الأسد ستكون أكثر انحيازاً لمصالحها الإقليمية الخاصة. لكن بالرغم من التباينات الهامة والبارزة، وبرغم العداء المتنامي حول سوريا على نطاق أوسع، لا يزال لدى كل من تركيا وإيران أسباب جوهرية للتعاون. وتتضمن هذه الأسباب مصالح متبادلة تتعلق بالتعامل مع السكان الأكراد في بلد كل منهما إضافة إلى العلاقات التجارية القوية، تحديداً اعتماد تركيا على النفط والغاز الإيرانيين. ويعرض التاريخ إلى أن أنقرة ودمشق ستجدان طرقاً لإدارة التوترات بينهما، لذا فمن الأرجح أن يظل التنافس على النفوذ الإقليمي يغلي تحت السطح بدلاً من بروز صراع شامل. ولا تزال العلاقة التركية- الإيرانية مستمرة بمقاومتها للكاريكاتور التبسيطي.
بعد سنوات قليلة فقط من تصنيف مسؤولين في واشنطن لتركيا كـ ” محام لإيران” بما يتعلق ببرنامج الأخيرة النووي المستمر، ساءت العلاقات بين أنقرة وطهران. فما بين عاميْ 2009 و 2011، انتظمت المصالح المباشرة لإيران وتركيا في صف واحد، ما حفز أنقرة على تبني سياسة أكتر تصالحية تجاه الجمهورية الإسلامية. في كل الأحوال، وفي الآونة الأخيرة، أدت التوترات الناشئة بسبب رفض طهران منح تركيا تنازلات اقتصادية إضافة إلى التنافس القديم على النفوذ في العراق وسوريا إلى ارتفاع نسبة التوتر. فما الذي يفسر هذا التحول وما هي الفرص المستقبلية للعلاقات بين الجانبين؟
إن انتشار الثورات العربية من تونس غير المهمة جغرافياً إلى سوريا الهامة حيوياً أدى إلى دق إسفين بين إيران وتركيا. وجاءت التوترات الأخيرة بعد فترة من الدفء غير العادي والذي بدأ قبل عقد مضى ووصل إلى ذروته ما بين عاميْ 2009 و 2011. أما دفاع تركيا الديبلوماسي عن الجمهورية الإسلامية فقد كان بدافع الرغبة بحل العراك النووي الجاري بين طهران والغرب بشكل ديبلوماسي، إضافة إلى استراتيجية أكبر تتعلق باندماج المنطقة أكثر اقتصادياً. وفي الوقت الذي كان هناك تخوف من سلاح نووي إيراني، اتخذ صناع القرار الأتراك مقاربة للقضية تختلف عن تلك التي لنظرائهم الغربيين. فقد اعتقدت أنقرة بأن التهديد بعيد ومستقبلي وبأنه ينبغي إعطاء الديبلوماسية فرصة أكبر للنجاح. وقد سارت تركيا على استراتيجية المسارين للوصول إلى إيران اقتصادياً وسياسياً، بهدف إقناع المعتدلين في النظام بأن يكونوا أكثر استعداداً للمساعدة والحوار مع المجتمع الدولي.
إن المقاربة التركية للقضية النووية الإيرانية تذكِرة لسياساتها إبان الحرب الإيرانية – العراقية، وتعكس العلاقة التركية- الإيرانية الأوسع نطاقاً. فالجانبان مستعدان للتعاون عندما تجتمع مصالحهما، إلا أن ما يقلل التعاون بينهما هو إدراكهما المتبادل بأن البلدين عبارة عن متنافسين طبيعيين يتصارعان على النفوذ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. هذا التنافس استمر، لينتشر في الآونة الأخيرة في مناطق أخرى في الشرق الأوسط. وربما يكون أفضل توصيف لتركيا وإيران هو أنهما جاران دائمان مشككان ببعضهما بعضاً غالب الأحيان واللذان، مع ذلك، يتدبران أمر تعاونهما عندما تتوحد مصالحهما.
التوترات المهيمنة في أواخر التسعينات
تحسنت العلاقات التركية ـ الإيرانية بشكل مثير بعد القبض على عبد الله أوجلان، زعيم الحزب العمالي الكردستاني العام 1988، وقرار إيران بتحطيم المتمردين المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني العاملين من داخل أراضيها. وكان قرار إيران بذلك مرتبطاً بارتفاع نسبة العنف من قبل المتمردين الأكراد المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني، الذين سيثبتون أنفسهم لاحقاً على أنهم “حزب الحياة الحرة في كردستان”. وأدى تحول المصالح في نهاية المطاف إلى توقيع الجارين على سلسلة اتفاقيات تهدف إلى مكافحة هاتين المجموعتين.
برغم وجود بعض التقدم، لا تزال التوترات تشوب العلاقة. فقد استمرت تركيا بإطلاق مزاعمها عن دعم إيران لحزب العمال الكردستاني وبدعم مجموعة أكثر عنفاً وتطرفاً تدعى حزب الله التركي. وفي أواخر التسعينات وأوائل العقد الذي تلاه، كانت الانفجارات والتوترات العالية أمراً شائعاً. ففي إحدى المراحل، زعم مسؤولون إيرانيون بأن سلاح الجو التركي قصف قرية شمال غرب إيران. وردت تركيا بمزاعم تقول بأن أفراداً من الحرس الثوري الإيراني وحلفاءهم المزعومين من حزب الله التركي كانوا مسؤولين عن سلسلة من عمليات الاغتيال لشخصيات علمانية تركية بارزة. وبرغم هذه الأوقات العصيبة تمكنت إيران وتركيا من تجنب التصعيد واتخذتا، بدلاً من ذلك، خطوات في محاولة منهما للتخفيف من التوترات، أو على الأقل إدارتها.
حزب العدالة والتنمية وإيران ورتق المسائل
تحسنت العلاقات بشكل لافت بعد انتخاب حزب العدالة والتنمية عام 2002. وقد ضاعف حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الجهود الديبلوماسية لتركيا للشراكة مع جيرانها في الشرق الأوسط. وفي حين أن قرار تركيا بتطوير روابطها أكثر في المنطقة كان قد بدأ في الثمانينات، فإن امتداد أنقرة إلى طهران اشتد وتكثف بظل حكم حزب العدالة والتنمية. وقد دافع وزير الخارجية أحمد داود أوغلو عن دور أكثر حزماً لتركيا في الشرق الأوسط وكثف جهوده للشراكة مع بلدان إقليمية، وهي سياسة لقبت بـ ” صفر مشاكل” بسبب تشديد البلد على تعزيز التعاون من دولة لدولة، بداية بمناطق تجارة حرة، تخفيف القيود على تأشيرات الدخول، دمج البنى التحتية بشكل أكبر، وتقديم خدمات الوساطة. بهذا الخصوص، كانت العلاقة مع الجمهورية الإسلامية تعتبر بمثابة فرصة وتحدٍ.
تضمنت الجهود التركية المبكرة لتوسيع ” قوتها الناعمة” مجهوداً مركزاً لجهة التفاوض حول تسوية للصراع الإسرائيلي- السوري والتوسط بين حماس وفتح في الأراضي الفلسطينية. واعتقد صناع السياسة الخارجية بأنه إذا ما كانت الظروف لحل هذه الصراعات متوفرة، فإن بإمكان تركيا فصل سوريا عن النفوذ الإيراني وبالتالي إزالة نقطة دخول استراتيجية لطهران إلى منطقة الشرق.
اعتقدت أنقرة أيضاً بأن سياساتها التصالحية يمكن أن تخلق الظروف ويكون لدى الشركات التركية إمكانية أكبر اقتصادياً للوصول إلى داخل إيران. وعللت تركيا ذلك بأن وجود علاقات تجارية أكبر مع إيران سيقود إلى مكاسب سياسية واقتصادية بالنسبة لتركيا. وكان تعميق العلاقات التجارية مرتبطاً باستراتيجية أوسع لجهة زيادة التطور الاقتصادي لدى الأقلية الكردية المتقلبة الموجودة في الجنوب الشرقي من البلد. كما اعتقدت أنقرة أيضاً بأن تأسيس مناطق تجارية إقليمية، مشابهة لتلك التي تشغلها إيران حالياً في جزيرة كيش، سيؤدي إلى إنتاج فرص اقتصادية للسكان الأكراد الموجودين في المنطقة، وللاقتصاد التركي ككل. وكمسألة جانبية، ستساعد زيادة التجارة والتعاون على ترسيخ روابط ديبلوماسية أقوى بين أنقرة وطهران والتي يمكن لصناع السياسة التركية استخدامها عندها لتسهيل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة في محاولة لحل القضية النووية.
رأت أنقرة أيضاً فرصة للاستفادة من العقوبات الدولية المفروضة على إيران . فلدى صناع السياسة الأتراك تاريخ باستخدام العزلة الاقتصادية لإيران لمصلحتهم الخاصة واستخدامها كأداة لتخفيض العجز التجاري المزمن مع الجمهورية الإسلامية خلال الثمانينات. وأجرت أنقرة وطهران مفاوضات حول صفقات نفطية على أساس المقايضة والدين. وباستفادتها من الحظر الغربي على إيران خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، أصرت تركيا على أن تدفع سلعاً صناعية تركية مقابل النفط الخام الإيراني. وكانت السلع ذات جودة متدنية وتماثل بسعرها منتجات أفضل منها في أوروبا الغربية أو تفوقها سعراً. وقد تساهلت إيران بدايةً في صفقات المقايضة، لكن بعد هبوط أسعار النفط في العام 1986 بدأت تصر على الدفع نقداً. رفضت تركيا، وقاد هذا الفصل من العلاقات كثيرين في طهران للاستنتاج بأن تركيا ليست جهة فاعلة موثوقة وبأنها مهتمة فقط باستغلال إيران لزيادة مصالحها الاقتصادية إلى أقصى حد ممكن.
منع الامتعاض الطويل، إضافة إلى اقتصاد إيران الضعيف، حصول تعميق للروابط الاقتصادية التركية- الإيرانية. ففي حين تظل إيران مصدراً حساساً للطاقة بالنسبة للجمهورية التركية، فإن الجهود التركية المتكررة لإقناع إيران تخفيض التعرفة قد فشلت. وفي ذروة التقارب في الآونة الأخيرة، زار الرئيس التركي عبد الله غول طهران وطلب من نظرائه الإيرانيين تعميق العلاقات التجارية وفتح الاقتصاد الإيراني أمام الاستثمار التركي. وقد رفضت طهران مقاربته ورأت أنه ينبغي لأنقرة شكر إيران لأن الانخراط الديبلوماسي التركي حوَّل أنقرة إلى لاعب إقليمي أكثر نفوذاً.
ووفقاً لآخر تقرير صادر عن Crisis Group حول إيران بعنوان: في المياه الثقيلة: برنامج إيران النووي، مخاطر الحرب، والدروس المستقاة من تركيا، قال مشارك تركي في الجولة:
“أنظروا، أنتم تخضعون لعقوبات، دعونا نزد حجم تجارتنا”. لكنهم قالوا،” لا نريد ذلك”. وبدلاً من شكرنا على محاولتنا وقف العقوبات يقولون،” أنتم الذين تدينون بالفضل لنا، كنتم تصنعون من أنفسكم لاعباً إقليمياً كبيراً على حسابنا!” الأمر بدا وكأنهم يرون تبنينا الكبير تهديداً لهويتهم الفارسية. بالواقع، إنهم يفضلون الأميركيين، أو سكان جنوب أفريقيا أكثر بكثير منا، يفضلون أي شيء بعيد عنهم”.
إيران تتبنى السياسة الخارجية المستقلة لأنقرة
سياسياً، أحدثت سياسة أنقرة الخارجية المستقلة، على نحو متزايد، ورفضها الدعم الكامل للسياسات الأميركية في المنطقة، وقطع العلاقة العلني لرئيس الوزراء أردوغان مع إسرائيل قدراً معيناً من الود في إيران. فضلاً عن ذلك، إن تصميم حزب العدالة والتنمية على تصنيف نفسه كحزب سياسي محافظ ثقافياً، المرتاح بتناوله عدد من المحرمات في المجتمع التركي، كقضية الحجاب ودور الجيش في السياسة المحلية والخارجية، جمعت له تأييداً أكبر لدى القيادة الإيرانية. وإبان ذروة التقارب التركي- الإيراني، اعتقدت شرائح كبيرة من المجتمع الإيراني بأن تركيا في خضم عملية رصف مصالحها الاستراتيجية مع مصالحهم وبأنها تواصل سياسات مستقلة عن الإطار السياسي الذي رسخته الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين.
من جانبها، وعلى الأقل قبيل انتشار الثورات العربية وامتدادها إلى سوريا والتحول اللاحق في سياسات تركيا، ظلت أنقرة متمسكة بالقول بأن الحوار الديبلوماسي القوي سيؤدي إلى استمالة إيران ويقنعها بأن تكون أكثر استعداداً للمساعدة والحوار مع الغرب. في كل الأحوال، كانت تركيا قلقة ومدركة لمقاربة إيران المتشددة للقضية الفلسطينية- الإسرائيلية، ولدعم إيران لحزب الله ودعمها للمجموعات الشيعية في العراق. وبهذا الخصوص، كان المجهود التركي بالتوسط لحل في القضية السورية- الإسرائيلية جزءاً من استراتيجية كبيرة لخلق ظروف أكثر استقراراً وسلمية في الشرق الأوسط. هذه السياسة تضمنت مجهوداً مركزاً لتعميق الروابط مع سوريا وإشراك حماس بشكل بناء. وفي الحالين، كانت هذه السياسات تنافس جهود إيران الشاملة في المنطقة.
ألقت الاختلافات في السياسة الضوء على الرؤى السياسية المتباينة والتنافسية لتركيا وإيران بخصوص الشرق الأوسط. ففي الشرق وما عداه، يدعم الجانبان حماس وحزب الله، رغم أن ذلك لأسباب مختلفة تماماً. فقد دعمت إيران المجموعتين بسبب برامجهما المعادية لإسرائيل، ولاعتقادها بأن الاثنين جزء من الفريق الكبير والمؤلف من مجموعات ودول تعمل بشكل معارض للسياسات الأميركية في المنطقة. واعتقدت تركيا بأن دمج المجموعتين في نظام سياسي للمنطقة سيقودهما إلى تلطيف مطالبهما السياسية وتخفيف تكتيكاتهما، الأمر الذي سينتهي حتماً بسلام واستقرار أكبر. لذا، فقد وجدت إيران وتركيا نفسيهما داعمتين لهاتين المجموعتين ومنخرطتين معهما. لكن التباينات التي تحدد ذلك الدعم المبدئي ساهمت في نهاية المطاف بوجود التوترات الحالية. وقد فاقم من هذه العدائية خاصة انتشار الثورات العربية، التي فضحت الغايات السياسية القديمة المختلفة والتي أدت إلى عودة بروز التنافس القديم على القيادة الإقليمية.
قبيل بدء الثورات العربية، كانت ساحة المعركة الرئيسة هي العراق- منطقة كان البلدان يتنافسان على النفوذ فيه لقرون. وخلال الانتخابات البرلمانية 2009، ألقت إيران بثقلها دعماً لحزب الدعوة السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة بقيادة نوري المالكي، في حين دعمت تركيا الكتلة العراقية بقيادة أياد علاوي غير المذهبي. بعد انتخابه، أحكم المالكي أواصر العلاقة مع الداعمين الإيرانيين، في الوقت الذي حول حنقه وغضبه نحو تركيا. وعانت العلاقات التركية- العراقية كثيراً وبشكل لافت، رغم أن المسؤولين الأتراك قاموا ببعض الجهود فعلاً للتخفيف من الخطاب العدائي وألقوا الضوء على مقاربتهم بخصوص السياسة الخارجية اللا مذهبية. وفي العام 2011، سجل رئيس الوزراء أردوغان نقطة بزيارته ضريح الإمام علي ومقابلته آية الله علي السيستاني، أرفع رجل دين شيعي في العراق. مع ذلك، ظل صمت تركيا في أعقاب القرارات السعودية بإرسال جيشها إلى البحرين لقمع التمرد الشيعي بغالبيته هناك، ودعمها الحماسي جداً لتغيير النظام في سوريا، وتعاطفها المتصور مع الأحزاب السياسية المدعومة سنياً، يعزز الصورة والمفهوم أن تركيا جزء من مجموعة الدول السنية الإقليمية العاملة مع الغرب ضد الجمهورية الإسلامية.
في كل الأحوال، وما بين عاميْ 2009 و 2011، طغت المصالح المتبادلة لإيران وتركيا بخصوص القضية النووية، وإلى حد كبير، على التوترات بينهما في العراق ومناطق أخرى. وكان دعم تركيا الصريح، الذي لا يزال جارياً، لبرنامح التخصيب الإيراني، شوكة في خاصرة الجهود الغربية لحشد الدعم الدولي لإدانة شاملة لإيران وفرض عقوبات عليها. كما تمسك حزب العدالة والتنمية بعدم تفويضه فرض عقوبات أحادية من قبل بلدان مختلفة، تاركاً القرار بذلك إلى أصحاب المشاريع الخاصة. مع ذلك، كان للعقوبات تأثير في تركيا: فشركة Tupras، المصفاة الوحيدة في تركيا، اقتطعت ما نسبته 20 بالمئة من واردتها من النفط الإيراني الخام، وتحولت إلى السعودية وليبيا المدعومتين من الغرب لتعويض الفارق.
أدت خلافات تركيا مع الغرب بشأن قضايا التخصيب والعقوبات ببعض المعلقين المضللين في الغرب إلى عزو سياسة إيران إزاء تركيا إلى المحافظة الثقافية لحزب العدالة والتنمية وأسلمته المزعومة. في كل الأحوال، وعند النظر إليه من خلال منظار المصالح المشتركة، لا يبدو أن للإسلام علاقة كبيرة بالأمر. فقد حددت تركيا مسألة الطاقة النووية كعنصر حاسم من عناصر خططها للطاقة مستقبلاً. وكإيران، لدى تركيا تفسير صارم لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وكإيران أيضاً ، تعتقد تركيا بأن لديها الحق غير قابل للتحويل والتغيير بمواصلة العمل على الطاقة النووية لأغراض سلمية.
إن تركيا، الحذرة من الامتداد الغربي بخصوص القضية النووية، مستمرة بدعمها حق إيران بالتخصيب طالما أنه يتماشى ويتطابق مع التزاماتها بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) . بالتالي، فقد توقفت أنقرة لوهلة عن دعوة الجمهورية الإسلامية لتعليق التخصيب، لصالح دعوات عامة لإيران أن تكون مستعدة للمساعدة والحوار مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA) . أما في الآونة الأخيرة، فقد أدت أحداث كاعتراض إسرائيل الوحشي للسفينة التركية ” مافي مرمرة” التي كانت في طريقها إلى غزة والعلاقات السيئة مع إسرائيل لاحقاً إلى تحفيز أنقرة على اتخاذ خط أكثر تشدداً في ترويجها لمنطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط ( MENWFZ).
أما بما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، فإن تركيا معارضة بشكل صلب لضربة عسكرية ضد إيران، بحجة أن التدخل الأجنبي سيكون له تأثير سلبي على الهواجس الأمنية الأكثر إلحاحاً لتركيا. ويحتج صناع القرار بقولهم إن الضربة العسكرية ستشعل التوترات في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الأكثرية الكردية في تركيا والمضطربة أساساً، ليقود ذلك، في أسوأ سيناريو مطروح، إلى صراع في إيران على شاكلة الصراع في العراق. وبقصد الحفاظ على الاستقرار، أيدت كل من إيران وتركيا دوراً أقل للقوى الأجنبية في المنطقة – ما يعني، الولايات المتحدة، لصالح إطار عمل أمني مبني على أساس إقليمي أكثر. إن المقاربة في تركيا هي بدافع شعورها بأن سياسات أميركا الإقليمية لا تأخذ مصالحها ( تركيا) بالاعتبار بشكل كاف وبأنها في بعض الأحيان تعتبر سياسات مضرة، بالفعل، لمصالحها السياسية والاقتصادية . وتقول أنقرة بأنه في أعقاب التدخلات الأميركية، كالتدخل الأميركي مرتين في العراق والعقوبات ضد إيران، تأثرت المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية سلباً وبشكل غير متناسب.
برغم الحوافز المقدمة لأجل التعاون، فإنه سرعان ما استهلكت المقاربة السياسية في الآونة الأخيرة بسبب الصعوبات المذكورة آنفاً والخلافات الجارية حول حفاظ إيران على التعرفة المرتفعة وبسبب العراقيل الموجودة على الصادرات التركية الواردة إلى إيران. في كل الأحوال، كانت الاختلافات أمراً قابلاً للمعالجة واستمرت العلاقات تسير بتثاقل. أما في تركيا، فإن التصميم على منع حصول حالة أكبر من عدم الاستقرار دفع قيادتها إلى الاستمرار بالكلام والتعبير عن مواقفها ضد الجهود المبذولة بقيادة أميركا لعزل إيران بسبب برنامجها النووي. وفي إيران، لا يزال البعض متمسكاً بالأمل وبأن بالإمكان الاعتماد على حزب العدالة والتنمية كشريك موثوق.
الثورات العربية تكشف عن تنافس قديم
استمرت علاقة المصالح حتى بعد بدء الثورات العربية. وتدعم كل من تركيا وإيران، رغم اختلاف الأسباب بشكل جذري، ثورة تونس والإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك. أما عند بدء الثورة الليبية، فقد كانت كل منهما بطيئة أيضاً بالاعتراف بالمتمردين الليبيين، وعارضتا التدخل الخارجي، ودعتا بداية معمر القذافي إلى الإصغاء لمطالب المتمردين وتنفيذ إصلاحات لتمهيد الطريق أمام تحول ديمقراطي بدءاً من القمة وصولاً إلى القاعدة. وكانت إيران حذرة من تورط الغرب في حين كانت تركيا قلقة من أن يؤدي التدخل الأجنبي إلى تهديد مصالحها الاقتصادية الأساسية في ليبيا.
في كل الأحوال، وما إن تزايدت وحشية القذافي، وبدأ العالم بالاصطفاف صفاً واحداً خلف فكرة منطقة حظر الطيران، حتى دعمت تركيا في نهاية المطاف، وبعدما تجاوزت تحفظاتها، مهمة الناتو في ليبيا. وقد برر القادة الأتراك ذلك بقولهم إن سفك الدماء المتزايد أمر محظور في مُثلهم وأخلاقياتهم في السياسة الخارجية. وبشكل أكثر براغماتية، سيضمن دعم أنقرة للجانب الرابح الحفاظ على مصالحها الاقتصادية هناك. فضلاً عن ذلك، لقد اعتقد حزب العدالة والتنمية بأن الشعبية الإقليمية ستساعد تركيا على كسب نفوذ أكبر لدى القيادة الليبية مستقبلاً. هذا الموقف السياسي عززه شعور بأن تركيا تقف “في الجانب المحق والصحيح للتاريخ” وبأن دعمها لحركات ديمقراطية إقليمية هو خيار سياسي وأخلاقي واستراتيجي صحيح.
إن التحول السياسي التركي، جنباً إلى جنب مع تاريخ من الشك، قاد إيران إلى شحذ هجومها ضد سياسات أنقرة بشكل أكثر حدة. لكن بالرغم من التوترات في ليبيا، فقد دعت كل من إيران وتركيا بشار الأسد إلى إجراء إصلاحات. بالنسبة للبلدين، تعتبر سوريا مركز سياساتهما الشرق أوسطية وقصة نجاح السياسة الخارجية. فمنذ قرار سوريا عام 1998 بالإقلاع عن إيواء أوجلان أصبحت سوريا طريقاً هاماً للنقل البري للشاحنات التركية على الطرق المؤدية إلى دول الخليج العربي الغنية بالنفط، وشريكاً تجارياً ، إضافة إلى كونها شريكاً هاماً في حرب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني.
أما بالنسبة لإيران، فتعتبر سوريا ممرها الحاسم بما يتعلق بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، مصدر هام للشرعية بالنسبة للحكومة الدينية فيها. إذ تتبنى الجمهورية الإسلامية سياسة خارجية حذرة تمتزج فيها عناصر القومية الفارسية، والإسلام السياسي، والخطاب المعادي للامبريالية. إن دعم حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية جزء من مجهود أوسع لترويج أجندة معادية لإسرائيل ومعادية للإمبريالية، ومواجهة الوجود الأميركي في المنطقة. في كل الأحوال، ما يخفف من دعم إيران هو مبدأ ” المصلحة”، أو المصلحة الوطنية. بناء على ذلك، تحاول إيران السير على الخط الدقيق الفاصل ما بين مثلها الإسلامية ومصلحتها الوطنية المباشرة، ما يقطع شوطاً كبيراً باتجاه تفسير دعم إيران للبعثيين العلمانيين المتشددين في سوريا، رغم أنها وصفت الثورات العربية بأنها ” صحوة إسلامية”.
إن أهمية شراكة إيران مع سوريا مضخمة إذا ما أخذ المرء بالاعتبار الضعف العسكري النسبي لإيران مقارنة بأعدائها الإقليميين. إن سلاح الجو الإيراني الهرم، وسلاح البحرية الصغير والقديم يعتبران باهتين بالمقارنة مع القوات المسلحة لدول التعاون الخليجي المتحالفة مع أميركا والمجهزة بشكل أفضل. فالسعودية، تحديداً، استخدمت عائدات نفطها وعلاقاتها السياسية الوثيقة مع الولايات المتحدة لتأمين بعض أكثر التجهيزات والمعدات العسكرية تطوراً في العالم. لذا، فإن على إيران التعامل مع هذه القوات المسلحة المجهزة بشكل أفضل، في الوقت الذي عليها التعامل مع الانتشار السريع للتوتر المعادي للشيعة في الإسلام السني. وتظل سوريا الساحة الرئيسة بالنسبة لإيران لمحاربة ما تعتبره استراتيجية مصمَّمة لعزل الجمهورية الإسلامية وإحداث الظروف لتغيير النظام داخلياً أو خارجياً.
تتيح سوريا لإيران الاستمرار بالتوسط في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي تستخدمه القيادة الدينية ، تكراراً، لمهاجمة السعوديين بسبب الافتقار المتصور للتقدم في المسألة. كما تعتبر العلاقات القوية والمستمرة مع حزب الله مكسباً إضافياً، بدورها، لكونه يشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل ولمكافحته النفوذ السعودي في لبنان. إن فقدان الأسد، وحلول نظام موال للسنة مكانه، ينظر إليه من قبل كثيرين في طهران على أنه بمثابة كارثة. وما يفاقم حالة القلق هذه هو الاحتمال المرجح باستبدال النظام البعثي الموالي لإيران بحزب ذي أكثرية سنية متشددة له روابط مالية مع السعودية وقطر. لذا، فقد احتجت إيران ضد التدخل الخارجي ودعت، بشكل غامض، إلى سبيل سلمي بقيادة السوريين. كما ارتأت طهران أيضاً إرسال أفراد من الحرس الثوري الإيراني لمساعدة القوات المسلحة السورية الموالية للأسد للدفاع عنه ضد هجمات تقوم بها مجموعات مموَّلة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ومتحالفة مع المجلس الوطني السوري المعارض.
من التعاون إلى المنافسة: تركيا وإيران متأهبتان في سوريا
في بداية الثورة السورية، كان حزب العمال الكردستاني حذراً من الإخلال بالاستقرار الإقليمي. وكانت تركيا قلقة من أن يسمح حدوث تحول سياسي فوضوي لحزب العمال الكردستاني بالحصول على موطئ قدم متجدد له على أطول حدود برية مع تركيا. بالتوازي مع ذلك، برر أردوغان ذلك بقوله إن بإمكانه الاستفادة من علاقاته الجيدة مع بشار الأسد وإقناعه بالقيام بإصلاحات ديمقراطية بدءاً من القمة وصولاً إلى القاعدة . وقد دعمت تركيا عملية انتقالية تحت السيطرة ومساراً على الأمد الطويل نحو إصلاحات ديمقراطية. وبعد دعمها الأسد بداية من دون تحفظ، غيرت إيران في النهاية موقفها وبدأت تدعو إلى إصلاحات بطيئة بظل سيطرة السوريين. وبحسب ما يقول علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني:
نحن ( إيران) نعتقد بأنه ينبغي لأية إصلاحات في سوريا أن تأتي من الداخل، من دون ضغوط خارجية. وهذه المجموعات مشكلة من سوريين. بإمكانهم المشاركة في عملية الإصلاح، وتقديم أفكارهم وتوفير الحلول. نحن نتحرك باتجاه إيجاد حل سلمي – ما يعني إصلاحاً ديمقراطياً من خلال سلوك سلمي، وليس العنف.
فضلاً عن ذلك، ألقى بعض صانعي السياسات في إيران باللوم بشأن تصاعد العنف على تدخل القوى الخارجية. هم يقولون بأن تركيا قد انحازت واصطفت إلى جانب هذه البلدان، التي تعمل للتحكم بالنتيجة في سوريا على أساس مصالحها السياسية والاقتصادية.
عند بداية الثورات العربية، كان لأنقرة وطهران مصلحة مشتركة في إقناع الأسد بالقيام بإصلاحات من القمة حتى القاعدة. في كل الأحوال، وبينما رفض الأسد باستمرار جهود تركيا للحوار مع دمشق وارتفاع عدد القتلى، كان حزب العدالة والتنمية مجبراً في نهاية المطاف على تغيير موقفه والانضمام إلى الدعوات المتزايدة الموجهة للأسد من قبل دول غربية وخليجية، إلى حد كبير، للتنحي فوراً. وكان هناك شعور في أوساط القيادة التركية بأن لدى تركيا والمجتمع الدولي “مسؤولية الحماية”، وبأن دعمها للإطاحة بالأسد لم يكن حكيماً أخلاقياً فحسب، وإنما كان في مصلحة تركيا السياسية أيضاً. وقال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة 201 بأن ” مسؤولية حماية الشعب السوري واجبنا الأساسي”.
وفي حين أن ” مسؤولية الحماية” قد أصبحت بالتأكيد مكوناً من مكونات السياسة الخارجية الأميركية، فقد كانت أنقرة قلقة أيضاً من تفكك وانحلال الدولة السورية ومن فرص وجود صراع مذهبي مطوَّل. ومع حماستها لعملية انتقالية سريعة ومدبَّرة، كرست أنقرة جهودها الديبلوماسية لتوحيد صفوف المعارضة المشرذمة. هذا الأمر أدى بصناع السياسة الأتراك إلى دعم واستضافة المجلس الوطني السوري ذي الارتباطات مع الإخوان المسلمين والجيش السوري الحر. وفي حين كان حزب العدالة والتنمية قد عمل للبقاء فوق النزاع المذهبي، فلا أحد ينكر أنه سيكون أكثر ارتياحاً بكثير مع صعود الإسلام السياسي السني منه مع صعود إيران.
من المنظور الإيراني، يكشف دعم حزب العدالة والتنمية العلني نفسه للجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري ، مقارنة مع صمت تركيا عن الثورة في البحرين، وعن انحياز تركيا المؤيد للغرب. وبحسب ما تقول إيران، لقد تم اختطاف الثورة السورية من قبل قوى معادية بقصد ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. وكبرهان على ذلك، يشير صناع السياسة الإيرانيين إلى أن تكثيف الدعم للمعارضة السورية قد تزامن مع الإذعان الهادئ لحملة عسكرية بقيادة سعودية، ولذا فهي بدعم أميركي، لسحق المتظاهرين في البحرين الذين هم من الشيعة إلى حد كبير.
تختلف كل من إيران وتركيا حول الكيفية التي تنويان بها تنفيذ سياساتهما في سوريا. فتركيا تدعم العمل الدولي، المنسق من خلال الأمم المتحدة وبدعم من الجامعة العربية، لتثبيت مناطق آمنة في سوريا. أما إيران فلا توافق على ذلك، بحجة أن الحل ينبغي أن يكون نتيجة لحوار داخلي ومنفذ بإصلاحات تبدأ من القمة نزولاً. هاتان السياستان مختلفتان بشكل هام وبارز، في الوقت الذي تتقاسمان فيه نفس الهدف المتعلق بالإصلاح. إذ تعتبر تركيا دعمها للجيش السوري الحر وللمجلس الوطني السوري بمثابة جزء من مسؤولية أخلاقية أكبر للمساعدة على وقف أعمال القتل اليومية وتعتقد بأن دعمها الصلب للإطاحة بالأسد يضع السياسة التركية في الجانب الصحيح والمحق من التاريخ. أما إيران فتختلف معها في ذلك، بحجة أن سوريا كانت مكاناً آمناً وبأن الدعم الخارجي للمتمردين هو السبب الرئيس للعنف وسقوط الضحايا.
من المرجح أن يستمر هذا المشهد بعرقلة العلاقة الإيرانية- التركية. ومع استمرار حالة التوتر، يرجح أن تنظر إيران إلى الجهود التركية لتسريع سقط الأسد على أنه تهديد. وقد أوضح صناع السياسة الإيرانيين بأنهم يعتقدون أن لدى تركيا دوافع خفية، متهمين أنقرة بكونها جزء من مؤامرة خارجية لقمع مطالب الشعب في سوريا. وبالتالي ، فقد كان للكراهية المتنامية تأثير على قضايا تماسية، لكن ذات صلة في النهاية، ومن المرجح أن تستمر بالتفاقم.
التنافس يُبعث من جديد
كانت الثورات العربية، وببساطة، المحفز لعودة نمط التوتر الذي ساد العلاقة التركية- الإيرانية خلال التسعينات. وبرغم مجالات المصالح المتداخلة، فقد كان التقارب التركي – الإيراني مدفوعاً بتوقعات غير واقعية من كلا الجانبين. إذ أملت إيران بالاستفادة من السياسة الخارجية الأكثر استقلالية لحزب العدالة والتنمية. واعتقدت تركيا بأن بإمكانها الاستفادة من شعبيتها ومن عزلة إيران للفوز بتنازلات اقتصادية وسياسية من الجمهورية الإسلامية، بينما تواصل العمل في نفس الوقت على سياسات بهدف تقليل النفوذ الإقليمي لطهران. في النهاية، لم تكن أي من المقاربتين عملية ومعقولة وكان من المرجح التراجع عن كليهما بسبب اختلافات وتباينات أساسية وجوهرية في المصالح على الأمد الطويل وبسبب التناقضات في التنفيذ السياسي.
من غير المرجح حل هذه الاختلافات في المستقبل القريب، ما يجعل من المرجح استمرار العلاقة التركية- الإيرانية مبنية على أساس القيم المشتركة أو الرؤى المتداخلة للمنطقة بدلاً من أن تكون متجذرة فيها. وبصورة أكثر تحديداً، تقدم كل من تركيا وإيران رؤىً سياسية مختلفة بشكل حاد للمنطقة. أما العداوات السياسية الناتجة فظاهرة وواضحة في العراق، وسوريا، وفي العلاقات مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية كبرى أخرى. ومن المرجح أن تزداد حدة التنافس أكثر في السنوات المقبلة، بما أن كلا البلدين مستمر بإرساء الدعم السياسي عن طريق دعم الفئات السياسية المتنافسة ودعم النتائج السياسية المختلفة.
تعكس هذه العداوات تنافساً سياسياً تعاظم وتضاءل لقرون. وفي حين يظل الصراع الشامل أمراً غير مرجح ، فإن احتمال وجود علاقات سلمية يقوضه تصورات لدى الجانبين بأن مكسباً استراتيجياً لأحدهما هو في الغالب خسارة للطرف الآخر. في نفس الوقت، لدى الجانبين بعض المصالح المتداخلة التي تعزز درجة التعاون بينهما وتسد الباب أمام تصاعد الصراع. سيستمر القادة في طهران وأنقرة، قولاً وفعلاً، بتوفير التساؤلات للفريقين، لأولئك الذين يتكهنون بأن البلدين سيصبحان على علاقة أوثق لا محالة ، ولأولئك الذين يتوقعون تصعيداً حتمياً للصراع؛ أما الواقع فيرجح أن يكون أكثر تعقيداً بكثير.