العقوبات على موسكو: واشنطن وأوروبا أول المتضررين
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
عندما فرضت إدارة أوباما عقوبات على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، كان المسؤولون الأمريكيون يأملون في أن “يرتدع” الرئيس فلاديمير بوتين عن القيام بالمزيد من الأعمال العسكرية في تلك المنطقة. حينها جادل بعض المسؤولين بأن العقوبات، منعت بوتين من إصدار أوامر للقوات الروسية بما يتجاوز المكان الذي توقفت فيه قواته، في منطقة دونباس الشرقية.
لكن الذي حصل هو العكس تمامًا، إذ تمسك بوتين بشبه جزيرة القرم، ومؤخرًا، وسط ارتفاع وتيرة التهديد والوعيد والصراخ الأميركي والغربي للتحذير من مغبة الإقدام على أي عمل عسكري، أمر بوتين الاثنين الماضي بإرسال مزيد من القوات إلى منطقة شرق أوكرانيا، وذهب إلى أبعد من ذلك، بتوقعيه الاثنين الماضي، مرسومين بشأن الاعتراف باستقلال اقليمي دونيتسك ولوغانسك. تلا ذلك بدء القوات الروسية بالهجوم على أهداف عسكرية في أوكرانيا بعد اعتداءات واستفزازات من قبل النظام الأوكراني للناطقين بالروسية في الاقليم التي اعلنت استقلالها عن كييف.
وردًا على هذا الاعتراف، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات جديدة على روسيا تستهدف “دينها السيادي ونخبتها”، معترفًا بأن هذه الإجراءات ستضرب كذلك اقتصاد الولايات المتحدة.
ما هي ارتدادات هذه العقوبات على العالم وخصوصًا واشنطن؟
لا بد من التوقف عند نقطة أساسية ألا وهي تجنب الإدارة الأميركية الحديث عما تسميه “خنق شريان الحياة للاقتصاد الروسي” بقطع صادرات روسيا من الطاقة الى أوروبا والعالم.
إقدام الغرب وفي مقدمته واشنطن على أي إجراء من هذا النوع، سيؤدي حتمًا إلى وضع سياسي غير مستقر لبايدن وقادة العالم الآخرين وتحديدًا في أوروبا التي تعتمد كليًا على الغاز الروسي، لا سيما مع ازدياد أسعار النفط والغاز في فترة تضخم عالمي مرتفع. زد على ذلك، أن أسعار وقود السيارات المرتفع، أضحى يشكل بالفعل عبئًا سياسيًا على بايدن والديمقراطيين في الكونغرس في الفترة الحرجة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي. كما أن هجوم اليوم سيؤدي الى مضاعفة أسعار الطاقة مما يفاقم نكبة بايدن والغرب.
ما هي الخيارات المتاحة أمام بايدن؟
لا يملك الرئيس جو بايدن سوى خيارات قليلة لمنع إلحاق الأذى بالأمريكيين جراء ارتفاع أسعار الوقود. فالتدابير التي اتخذها حتى الآن للحد من ارتفاع الأسعار، مثل ضخّه عشرات الملايين من براميل النفط من احتياطات الطوارئ الفيدرالية، لم تفعل شيئًا يذكر لخفضها، فيما تواجه الخيارات الأخرى المتاحة له، بما في ذلك تعليق ضريبة البنزين الفيدرالية، عقبات كبيرة في الكونغرس.
وفي هذا الاطار قال بوب ماكنالي رئيس “شركة الأبحاث رابيدان إنرجي” ومستشار الطاقة السابق في مجلس الأمن القومي خلال إدارة جورج دبليو بوش إن “إدارة بايدن، علمت الآن بعد هذا المسار الشتوي الذي شهد ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة، كيفية عمل أسواق النفط والغاز، وأنه لا توجد حلول سهلة على المدى القصير لارتفاع أسعار البنزين”.
خلال هذه الفترة، بلغ متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة 3.53 دولارًا لـ”الغالون”، وهو أعلى بنسبة 90 سنتًا مما كان عليه قبل عام، وفقًا لجمعية السيارات الأمريكية، في حين ارتفعت أيضًا أسعار غاز البروبان وزيت التدفئة المنزلية.
العقوبات على موسكو: واشنطن وأوروبا أول المتضررين
ورغم التوقعات بأن إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة سيصل إلى مستويات قياسية هذا العام مع الزيادات المطردة في إنتاج النفط، غير أنه نتيجة للإجراءات قصيرة النظر لهذه الإدارة، فإن الخيارات المتاحة للولايات المتحدة وحلفائها محدودة.
ومع أن بوتين طمأن الثلاثاء الفائت أنه لن يقطع وصول الغاز إلى أوروبا، قال محللون في سوق الطاقة العالمي، إنه لم يتضح بعد ما إذا كان السيناريو الأسوأ ـ توقف روسيا عن تدفقات النفط الخام أو الغاز الطبيعي ـ سيتحقق، أو ما إذا كانت التطورات الجديدة في إيران يمكن أن تستأنف تدفق الخام هناك. وبناء على ذلك، أشار أحد أعضاء جماعة الضغط الذي يعمل مع الكونغرس بشأن العقوبات المحتملة على موسكو، الى أن فرض عقوبات على صادرات النفط الروسية، ليس خيارًا على قائمة الأهداف.
على ماذا يراهن بايدن إذًا؟
تتطلع واشنطن الى ايران لتعويض النقص في امدادت الطاقة العالمية. توضح المؤشرات أن إدارة بايدن تحرز تقدمًا في الملف النووي الايراني، ويمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على صادرات النفط في ذلك البلد، وبالتالي هذا سيعطي الأمل للسوق العالمي بأن المزيد من الإمدادات قد يكون في الطريق.
تشير الأرقام الى أنه من المحتمل أن يكون لدى إيران حوالي 1.4 مليون برميل يوميًا جاهزة لدخول السوق العالمية، في حال التوصل إلى اتفاق نووي، وقد يتزامن الوقت الذي تستغرقه الزيادة الكاملة مع موسم القيادة الصيفي في اميركا، حيث عادةً ترتفع أسعار “الوقود” في الولايات المتحدة مع ازدياد الطلب عليه.
هل ستؤثر العقوبات التي فرضتها واشنطن وأوروبا على موسكو؟
من منظور روسي، إمكانية فرض مزيد من العقوبات، يجب النظر إليها من منطلق أن روسيا في عام 2022، ليست كما كانت عليه بين عامي 2014-2015، حيث كانت أضعف بكثير من الناحية الاقتصادية في ذلك الوقت، بسبب مرحلة الركود التي ضربتها، في أعقاب الأزمة المالية في عام 2014.
أمضت الحكومة الروسية سنوات في محاولة إعادة تشكيل ميزانيتها وماليتها حتى تتمكن من الصمود أمام المزيد من العقوبات، وهي جهود ساعدتها أسعار السوق المرتفعة للنفط والغاز.
حاليًا، الديون لدى موسكو منخفضة نسبيًا، وهي تعتمد على قروض من كيانات أجنبية أقل مما كانت عليه قبل 2014. على مدى السنوات السبع الماضية، تمكنت موسكو من تحقيق الاستقرار في النظام المالي ولديها ما يقرب من 635 مليار دولار من احتياطات الذهب والعملات الأجنبية اعتبارًا من أوائل شباط الحالي، وهو رابع أكبر احتياطي من هذا النوع في العالم.
ونقلت وكالة “رويترز” عن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف قوله: “في حين أن العقوبات الغربية المحتملة ضد البنوك الروسية قد تؤدي إلى زيادة تقلبات السوق، من المرجح أن تكون روسيا قادرة على تحمل القيود بسبب احتياطاتها الوفيرة”.
على ماذا تعتمد موسكو؟
في الآونة الأخيرة تطورت العلاقات الروسية ـ الصينية بشكل غير مسبوق، وعليه لا يمكن فصل ذلك عن تطورات الأزمة الاوكرانية، إذ يمكن أن يساعد الرئيس الصيني شي جين بينغ، بوتين في الالتفاف على بعض العقوبات أو تعزيز الاقتصاد الروسي بمشتريات أكبر من الطاقة.
عندما التقى الزعيمان في بكين في بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، أعلنت حكومتهما عن عقد مدته 30 عامًا تشتري فيه الصين الغاز عبر خط أنابيب جديد يمر عبر سيبيريا.
علاوة على ذلك، قد تتمكن الشركات الصينية أيضًا من سد بعض فجوات سلسلة التوريد التي نشأت عن توقف بعض صادرات التكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا.
صحيح أنه من المحتمل أن يكون لدى القادة الصينيين حذر بشأن استمرار البنوك الكبيرة المملوكة للدولة في التعامل بشكل علني مع أي بنوك روسية تخضع لعقوبات أمريكية، لكن الصين لديها طرق لإبقاء بعض المعاملات مخفية.
وفي هذا السياق، قال دانيال راسل مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ والمسؤول التنفيذي في جمعية آسيا: “لقد طوروا الكثير من طرق الدفع الإلكتروني والحلول الرقمية، يمكنهم الاختباء وراء الكثير من عناصر السوق السوداء”. وهنا لا بد من الاشارة الى التقارير التي تتحدث عن أن الروس يتعاونون مع الصينيين في مشروع منافس محتمل لـ SWIFT.
في المحصلة فإن التأثير المباشر للعقوبات على روسيا لن يكون مدمرًا كما يتوقع الغرب. تعد روسيا عملاقًا عابرًا للقارات يبلغ عدد سكانها قرابة 146 مليون نسمة وترسانة نووية ضخمة، فضلاً عن كونها موردًا رئيسيًا للنفط والغاز والمواد الخام التي تحافظ على تشغيل المصانع في العالم، وانطلاقًا من ذلك، يمكن أن تكون موسكو أقل المتضررين.