العدوان الخليجي في اليمن سيعتمد الحرب الجو – برية
سيناريوهات العمليات الجوية المتوقعة للوصول إلى المرحلة البرية والملاحظات عليها
موقع إنباء الإخباري ـ
يوسف الشيخ:
رأى مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن سايمون هندرسون بأن السعودية هذه هي اللاعب الرئيسي في تشكيل مسار هذه الحرب الجديدة. ,,قال هندرسون إن الضربات الجوية تستهدف إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد المدن السعودية، وليس انتزاع سيطرتهم على العاصمة اليمنية. وعليه فيرجّح أن هذه الضربات لن تردع الحوثيين، بل ستثير أحقادهم وعداءهم للمملكة. وينهي هندرسون بالقول إنه رغم بدء العدوان على اليمن باسم عاصفة الحزم، إلا أن أيا من الدول المشاركة ليس لها خطة بديلة في حال لم تنجح الحملة في اعادة الرئيس اليمني الفار إلى منصبه في قصره الرئاسي. ويؤكد أن هذا الفشل سيكون محرجا للسعودية ولوزير دفاعها الجديد الذي ربما لن يستمر طويلاً في منصبه.
لقد أصبح واضحاً بعد 6 أيام على بدء الحملة الجوية لتحالف الدول العشر بقيادة سعودية أن هذه العملية خططت على أساس اعتماد مبدأ الحرب الجو ـ برية كأسلوب للعمل. وهذا الأسلوب بدأ العمل به في التسعينات في العملية العسكرية الدولية التي هدفت لطرد القوات العسكرية العراقية المحتلة من الكويت، وجرى اعتماده لاحقاً في عشر مناسبات أخرى وهي:
1- عملية عاصفة الصحراء (العراق – الكويت 1991)
2- عملية تصفية الحساب (جنوب لبنان 1993)
3- عملية عناقيد الغضب (لبنان 1996)
4- عملية ثعلب الصحراء (يوغوسلافيا 1999)
5- عملية التحرير الدائمة ( أفغانستان 2001)
6- عملية حرية العراق (العراق 2003)
7- حرب لبنان الثانية (لبنان 2006)
8- عملية الرصاص المصبوب (غزة 2008-2009)
9- عملية عامود السحاب (غزة 2012)
10- عملية الجرف الصامد (غزة 2014)
ويطبق هذا الأسلوب من الحروب الحديثة على مراحل سنركز في هذه القراءة المختصرة على العامل الجوي فقط على أمل أن نقرأ المرحلة البرية إن حصلت في وقته .
بداية ومن خلال خبرة 3 حروب (عاصفة الصحراء(1991) – حرب كوسوفو(1999) – حرب الخليج الثالثة (2003) يمكن القول أن 90 بالمئة من الحرب البر- جوية يعتمد على العمليات الجوية وذلك وفق المراحل التالية :
المرحلة الاولى الافتتاحية :
وتتضمن أهداف المرحلة الأولى من مراحل الحرب الجوية الاستراتيجية تحقيق التفوق الجوي لطائرات القوة المهاجمة وفرض السيطرة الجوية على سماء المعركة وذلك لتأمين متطلبات التطبيق والاستفادة الأمثل من العمليات الاستخبارية وتحييد سلاح الطيران العدو وإخراجه من المعركة وتدمير مجموعة من الأهداف المدافعة مثل نظام القيادة والسيطرة والمراكز العسكرية ووسائط الدفاع الجوي والمرافق الاقتصادية وغيرها. وفي هذه المرحلة تبلغ نسبة العمليات الهجومية 55 إلى 60 بالمئة من مجموع الجهد الجوي فيما تتوزع عمليات الاسناد والدعم النسبة الباقية وهي تتراوح بين 40 و 45 بالمئة من مجموع الجهد الجوي. وحسب نجاح عملية الضرب تستمر هذه العملية الاستراتيجية بين (5 و 8 أيام) وتتدرج عمليات المرحلة الأولى على الشكل التالي :
أولاً – الاستطلاع والتجسس ورصد الأهداف الاستراتيجية والعملياتية على مسرح عمليات (على المستويات كافة)
ثانياً – تشغيل معدات وأدوات الحرب الالكترونية Electronic Warfare المحمولة جواً بهدف تعطيل الأنظمة الرادارية للقوة المدافعة وشل فاعلية الدفاعات الجوية والاتصالات العسكرية والمؤثرة ومن ثم تحويل القوة المدافعة إلى قوة عمياء صماء لا ترى ولا تسمع شيئاً.
ثالثاً – تأمين الأعمال الملاحية للطائرات والسفن والقوات البرية (للعمليات القائمة والمستقبلية ).
رابعاً – توجيه الأسلحة الذكية في إطار ما يسمى بنظام التحديد الكوني gps.
خامساً – زيادة فعالية عملية القيادة والسيطرة لتقدير نتائج الضربات الافتتاحية الاستراتيجية الموجهة إلى الأهداف العسكرية والحيوية (بنى تحتية – دوائر رسمية – مصادر طاقة وخلافه)
سادساً- استخدام طائرات الآواكس وأخواتها وذلك بهدف رصد وكشف المقاتلات والصواريخ الاعتراضية التي قد تحاول التصدي لطائرات القوة المهاجمة وإسقاطها ومن ثم توجيه المقاتلات الاعتراضية للقوة المهاجمة لملاحقة هذه المقاتلات والصواريخ الاعتراضية لاسقاطها أوللدخول معها في معارك جوية متلاحمة وكذا بهدف إرشاد طائرات القوة المهاجمة عن مدى التغيير في المواقع والأهداف المطلوب تدميرها داخل مسرح العمليات وأفضل الطرق لوصول المقاتلات المصابة الى القواعد الصديقة.
سابعاً – من أجل تحقيق مهام الحرب الجوية الاستراتيجية بنجاح كبير تشارك في العمليات الجوية أيضاً طائرات الانذار المبكر والمراقبة الأرضية وإدارة العمليات الجوية.
ثامناً – انطلاق الموجة الأولى من المقاتلات الهجومية والاعتراضية التكتيكية من قواعدها لقصف عدد من الأهداف المخصصة لها في مسرح العمليات وترافقها في غالب الأحيان طائرات صهريج من أجل تزويدها بالوقود جواً خلال تحليقها في سماء مسرح العمليات. ويمكن بالتزامن مع ذلك إطلاق دفعة من صواريخ «توماهوك» على أهداف أخرى مخصصة .
المرحلة الثانية: عزل مسرح عمليات
تنفيذ مهام وواجبات المرحلة الثانية من مراحل الحرب الجوية يتطلب (15 إلى 20 ) يوماً يتم خلالها تركيز جهود طائرات وصواريخ القوة المهاجمة لقصف قوات الاحتياط الاستراتيجي المرابطة قرب التماس وخلفه بمعدل 10 إلى 30 كيلومتراً وتدمير الجسور والكباري على الطرق وتحطيم القواعد الجوية ووسائل الدفاع الجوي كافة وتدمير عدد من المنشآت الحيوية الاستراتيجية كمحطات توليد الكهرباء ومصافي تكرير النفط ومستودعات الغذاء وفي هذه الحالات تعتمد العملية برمتها على خبرة الطيارين وعلى المناخ والطقس وكذلك على فعالية الدفاع الجوي التكتيكي للقوة المدافعة ذي المديات التي تتراوح بين 5 و 7 كيلومتر لأنها تتطلب من القوة المهاجمة اقتراباً أكثر من الأرض والتحليق على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة لتنفيذ عمليات قصف واستطلاع تكتيكية لما يسمى بالشوائب ووسائل شوشرة العدو ويمكن أن تبلغ العمليات الجوية في هذه المرحلة ضعفي المرحلة الأولى وتتحمل القسم الأكبر من أنشطتها الطائرات القاذفة التكتيكية وطائرات الاستطلاع بدون طيار وتزداد عمليات وحدات الانقاذ الجوي بسبب الاحتمالية العالية لاصابة الطائرات المهاجمة وهنا قد يزداد أيضاً اعتماد القوة المهاجمة على الصواريخ المجنحة (كروز – توما هوك ) وأسلحة المدمرات والبوارج.
المرحلة الثالثة: تدمير النظام الدفاعي
وتضطلع طائرات القوة المهاجمة بتنفيذ مهام وواجبات المرحلة الثالثة من مراحل الحرب الجوية الاستراتيجية ضد القوة المدافعة والتي قد تتطلب أيضاً (15 إلى 20 ) يوماً وتتركز مهامها في تحطيم النظام الدفاعي للقوة المدافعة على معظم مساحة مسرح العمليات وقصف قوافلها المتحركة وتجمعاتها وعزلها على شكل بؤر صغيرة وتدمير ما تبقى من جسور وطرق وأهداف حيوية أخرى تمهيداً للهجوم البري الذي يأتي في المرحلة التي تليها.
وغالباً ما تكون هذه المرحلة أقسى مرحلة لأنها تهدف إلى تحقيق تحولات نوعية في مسار الحرب الجوية الاستراتيجية ضد القوة المدافعة تفرضها طبيعة الاستعداد للحرب البرية والتمهيد لها وربما يكون من أخطرها وأشدها إيلاماً قيام القوة المهاجمة باعتماد القصف التدميري والعشوائي مثل إلقاء قنابل الطاقة العالية او ما تسمى بالقنابل الارتجاجية (الفراغية) فوق المواقع والتحصينات الدفاعية للقوة المدافعة مما قد يتسبب في إصابتها بأضرار كبيرة في الأرواح والمعدات وهنا قد تكون الاصابات المدنية فادحة. ويمكن أن تبلغ العمليات الجوية في هذه المرحلة ضعفي المرحلة الثانية وثلاث أضعاف المرحلة الأولى .
المرحلة الرابعة: دعم ومساندة الهجوم البري الاستراتيجي
تتركز مهام وواجبات هذه المرحلة في دعم ومساندة الهجوم البري ضد القوة المدافعة وتنصب جهودها وأعمالها في فرض السيادة الجوية على سماء المعركة وقصف الوحدات العسكرية المدافعة المرابطة في مسرح عمليات في اتجاهات الهجوم البري المتوقع وتدمير الجسور والطرق والممرات التي قد يستفيد منها العدو في حال المناورة أو الانسحاب. وتستمر هذه المرحلة كحد أقصى 7 أيام مع وقفة تعبوية ل 48 ساعة أو 96 بدون وقفة تعبوية وفي هذه المرحلة تساوي المهام الجوية مجموع المهام الجوية للمرحلة الأولى أو أقل .
هذا النوع من الحروب الذي يشن للمرة الأولى بقوات جوية عربية كان قد اعتُمد في معظم حروب أميركا والكيان الصهيوني الحديثة وأُشبع تحليلاً وبحثاً وخرجت معظم الخلاصات لتعتبر أن مبدأ الحرب الجو- برية لم تثبت نجاعته وفيما يلي عرض لشهادات عسكرية أميركية وإسرائيلية صادمة حول عدم إمكانية الاعتماد على الحرب الجوية- البرية في الحروب القادمة :
أولاً : الشهادات الاسرائيلية :
1- في 26 تموز 2006، وفي معرض تقديره للحملة الجوية التي كانت فد بلغت أسبوعها الثالث على لبنان قال قائد سلاح الجو الاسرائيلي الجنرال عيدو نحوشتان لدان حالوتس رئيس الأركان الاسرائيلي انه «من دون حملة برية ضخمة لن نتمكن من وقف «الكاتيوشا». علينا أن نطلب من الحكومة ذلك. فإذا لم توافق، فعلينا أن نطلب منها وقفا فوريا للحملة» برمتها.
2- شن رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق الجنرال موشيه يعلون، هجوما ضاريا على القوات الجوية الإسرائيلية، معتبرا أن تصرفات قادتها خلال حرب لبنان الثانية هي أحد الأسباب وراء عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها في الحرب. وقال: لقد أظهر أولئك في البزات الزرقاء استبدادهم خلال الحرب. وأضاف: كان هناك جدول أعمال للقوات الجوية موجود في أدراج من يتخذ القرارات، وأولئك في البزات الزرقاء شعروا أنها فرصتهم للتباهي. لهذا لم يتم حتى دعوة القيادة الشمالية إلى المداولات. وخلص يعلون إلى القول : إن الخيار الوحيد الذي قدمته القيادة العسكرية إلى القيادة السياسية هو الخيار الجوي العقيم، وقد تخيلوا أنهم يملكون الخاصية التي ستجعلنا ننهي المهمة .
3- في تقرير فينوغراد الثاني إسهاب في شرح ما أشار إليه كل من نحوشتان ويعالون في تقويمهما لأسباب فشل الحرب ونقتبس من التقرير ما يلي:
أ – ورد في الفصل الخامس من تقرير فينوغراد الثاني تحت عنوان : رؤية عامة حول أداء الجيش :
أولاً – فقرة 33: إننا نعتقد أن قوات البر، وتالياً الجيش كله، لم تنفذ، وفقاً لكل المعايير والتوقعات الواقعية، المهام التي أوكلت اليها في حرب لبنان الثانية. على الرغم من الإنجازات الهامة في عدد من المجالات، والأهم من بينها كان العملية الجوية الأولى في حرب تصفية منظومة الصواريخ أرض ـــ أرض المتوسطة والثقيلة لدى حزب الله، فإنه في غالبية الحالات والمجالات أظهر الجيش، في عمليات القوات البرية، عجزاً عن التصدي لحزب الله.
ثانياً – فقرة 35: أهم خصائص الأداء العسكري:
• التصور العملاني الذي قاده رئيس الأركان – هجوم مكثف بالنار بواسطة سلاح الجو -اتضح أنه غير مناسب بشكل كاف مع الظروف، العدو والحلبة. فالجيش الإسرائيلي وقادته احتاجوا إلى الكثير من الوقت لاستيعاب هذه الحقيقة ومحاولة إيجاد تصور عملاني بديل، بما يتناسب مع الضغوط. وعندما أُنشئ هذا التصور وبُلور، لم يعد ذا شأن.
ب- ورد في الفصل السابع عشر من التقرير تحت عنوان : خلاصات منظوماتية
أولاً ـ فقرة 13: هذا الفشل صبغ الحرب كلها وأثّر سلباً بصورة بارزة، سواء على نتائجها، أو على شعور الجمهور تجاهها: العملية العسكرية لم تحقق أهدافها المعلنة، والجيش لم يقف بالقدر المطلوب، ولفترة طويلة، لتحقيق واحدة من مهامه الأساسية ـ حماية مواطني الدولة من مغبّة تعرّضها للمس على يد عدو خارجي.
ثانياً ـ فقرة 14: في قسم كبير من العمليات العسكرية، ولا سيما في استخدام القوات البرية، ظهرت عيوب خطيرة انضمّت بدورها الى الفشل.
4- في آخر إعترافات الخبراء العسكريين الصهاينة عن فشل الاعتماد عن مبدأ الحرب الجو – برية نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في الايام القليلة التي تلت نهاية حرب ال 51 يوماً على غزة (صيف 2014 ) أن العملية الأخيرة في قطاع غزة أثبتت فشل نظرية الحرب في الاعتماد على سلاح الجو والاستخبارات كما كان مستخدماً طيلة حروب الكيان السابقة، مبدية رأي خبراء وزارة الدفاع الصهيونية الذين أكدوا :” أن الجيش سيضطر إلى تغيير نظريته بالاعتماد على القصف الجوي والمعلومات فقط وإهمال سلاح البر،… فهذه النظرية تبين أنها خاطئة في الحرب على غزة،……. وأنه من أجل جسر هذه الهوة على الجيش أن ينقل ميزانيات من سلاح الجو لسلاح البر.”
ثانياً : الشهادات الأميركية :
لا تهمل دراسة «التنبّؤ بالنصر» الصادرة عن جامعة سلاح الجو الأميركي للمحاضر في جامعة سلاح الجوّ الأميركي وليام آركين أي تفصيل سياسي أو عسكري عن حرب تموز 2006 ؛ إذ تعالج في 348 صفحة كل العناوين البحثية موفّرة مادّة جديرة بالقراءة على صعيد الملاحظات والاستنتاجات التي تخرج بها في سبيل استخلاص العبر من «الفشل الاستراتيجي» لسلاح الجوّ الاسرائيلي وتلمّس قواعد جديدة تناسب الحروب ضدّ العصابات.
ويشير واضع الدراسة بوضوح لمبدأ الحروب الجوية التي خاضها الجيشان الأمريكي و”الإسرائيلي” وهما اللذان يمتلكان أقوى أسلحة الجو وتعتمد مجمل عملياتهما على مبدأ التفوق الجوي في العقود الثلاثة الماضية ويخلص إلى الاستنتاج إلى أسباب فشل اسرائيل في حرب تموز ويقول :
«وضعت إسرائيل ثقتها في سلاح الجو، ولكنها، منتشية بوعد الانتصار بثمن رخيص، فشلت في التعلّم من الدرس الأميركي في العراق: توريط قوّات قليلة. غير أنّ سلاح الجوّ، كما استُخدم في تموز 2006، ليس البديل المناسب، بل إنّ هذا السلاح قد ضاع وسط هذا الخليط من التردّد في البرّ في مقابل التزاحم في الجو»
ثم يقول في أبلغ توصيف لأسباب الاخفاق الصهيوني : “الوصف التقليدي لحرب تموز هو أن وجود ضابط في سلاح الجو على رأس هيئة الأركان الإسرائيلية والاعتماد الساذج على سلاح الجو من قبل حكومة عديمة الخبرة أدّت جميعها إلى الإخفاق الإسرائيلي. ….لم يفشل سلاح الجو الإسرائيلي في وقف رشقات حزب الله الصاروخية فحسب، بل حتى في إحداث ضرر بقدرة حزب الله على استعادة زمام المبادرة. لقد كانت الحرب عبارة عن هجوم أسطوري لسلاح الجوّ الإسرائيلي تمّ إعداده والتخطيط له لسنوات عدة بهدف تدمير قوة حزب الله الصاروخية، لكن التحقيق الميداني في الأماكن التي استهدفها سلاح الجو الإسرائيلي في الـ48 ساعة الأولى من الحرب يعكس عملية مشتَّتة. بحسب الانتقادات التي واجهها، لم يكن دان حالوتس «يملك فقط رؤية ضيقة وغير عقلانية لدور سلاح الجو، بل هو قد حدّ من دور سلاح البر». وقد برر قائد القيادة المركزية في الجيش الإسرائيلي بني غانتز تفسيرات أولمرت وحالوتس بالقول إنه «لم يدّع أحد في القيادة العسكرية أن سلاح الجو وحده قادر على إيصال البضاعة (تحقيق الهدف). من خلال استغلال قوّة سلاح الجو، لكان بإمكاننا الاستيلاء على مناطق كاملة وتنظيفها. ولكن ذلك يتطلب مناورة برية حاسمة، وليس عمليات مرحلية (تتم عبر مراحل) كما حصل» في تموز 2006.
«من أجل تقييم سلاح الجوّ في حرب تموز»، تدعو الدراسة إلى «إدراك أن أولئك الذي يناقشون في ما فعلته إسرائيل، أو الذين فضّلوا مقاربة مختلفة، يعتمدون على عقيدة وأفكار وخلفية وبواعث خاصة بهم؛ الكثير من الانتقادات الموجّهة للأداء والاستراتيجية الإسرائيلية لا تقوم على وقائع حصلت، ولكنها تعتمد على قضية سلاح جو منهك: سلاح الجوّ لا يمكن أن يحسم حرباً، وطيّار لا يمكنه إدارة جيش، فالطيّارون يرغبون دائماً في كسب الحروب واستبعاد القوات البرية». وتكمل الدراسة أنه «بغضّ النظر عمّا يظنّ الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو أنّه دمّر في 12 تموز 2006، وبغضّ النظر عن حجم الإنجازات العسكرية في تدمير قوّة حزب الله الصاروخية، نحن أمام حرب مفصلية على صعيد حجم الدمار والتآكل (الاستنزاف) في القدرات، والمهمّة الأساسية لواضعي النظريات العسكرية هي تصوّر استراتيجية مؤثّرة تدمج ما بين سلاحي الجوّ والبر وتكون صالحة لمواجهة الإرهاب في العصر الحديث».
ويخلص إلى استنتاجات هامة وهي :
«كلّ حرب في العصر الحديث لها قصّتها المعقّدة والسجاليّة؛ عاصفة الصحراء التي كانت تطبيقاً لمفهوم التكنولوجيا الحديثة ودقّة سلاح الجوّ فإنها بالنسبة للبعض أثبتت أنّ القصف الاستراتيجي لا ينفع وأن على القوّات البرية إنجاز العمل واحتلال الأراضي”
ثم ينتقل للحديث عن حرب كوسوفو عام 1999 مستنتجاً : “حتى ولو كانت الحملة الجوية في كوسوفو عام 1999 الحرب الوحيدة التي ربحها سلاح الجوّ، إذا تجاهلنا أن المخاوف من حرب برية قد دفعت بسلوبودان ميلوسوفيتش لتنفيذ ما هو مطلوب منه. أما عملية الحرية للعراق (غزو العراق عام 2003) فأطاحت نظرية الصدم والرعب بسبب التقدير غير الدقيق لنصر غير مكتمل وقد خيّبت حرب 2006 الآمال مقارنة مع الحروب السابقة. وصف حزب الله ثباته في وجه الهجوم الإسرائيلي بأنه نصر إلهي، معلناً أنه يعيد التسلّح وأنه أقوى من أي زمن مضى سياسياً وعسكرياً. وكذلك زعمت الحكومة الإسرائيلية أن الحرب أعظم نصر عسكري وسياسي في تاريخ إسرائيل. إن الزعم أن إسرائيل أنجزت ما كان يجب عليها إنجازه في حرب تموز 2006 هو كالقول إن العملية (الجراحية) نجحت ولكن المريض قد مات».
– قد يكون أداء سلاح الجو الإسرائيلي في هذه الحرب «رائعاً، وقد يكون الجيش الإسرائيلي قد أنجز بالفعل تحولات صعبة على الصعيد الداخلي في خضم الحرب، ولكن مقارنة مع الأهداف الإسرائيلية، لم يتم إطلاق سراح الجنديين أو إنقاذهما، لم تُكبح صواريخ حزب الله (ولا حتى تلك البعيدة المدى)، أفرزت الهجمات الإسرائيلية انتقادات واسعة، القوات البرية اهتزت في مقابل عدو مقتدر ومجهز تجهيزاً جيداً».
– «لقد قاتلت إسرائيل خصماً لا يتحدّى وحسب معايير الحرب التقليدية، ولكنه أثبت أنه معقَّد ومستعدّ، ما يدفع إسرائيل (وبالتالي الولايات المتحدة) إلى السعي وراء مقاربات عسكرية مختلفة لإيجاد سبل مؤثرة لمحاربة الإرهاب. ”
“إن تقويماً صادقاً لأخطاء إسرائيل يتطلّب التسليم بأن القيادة السياسية الإسرائيلية سعت منذ البداية وراء أهداف محقة لاستخدام سلاح الجو في هجوم استراتيجي:
1- إنّ المقاربة المركزية لدور سلاح الجو قابلتها قوّة العدو، وخاصّة بالنظر إلى اندماج حزب الله في المجتمع المدني اللبناني وحجم البنية التحتية التي بناها شمالي نهر الليطاني (بعيداً عن متناول القوات البرية الإسرائيلية).
2- إنّ إدراك معاني الحرب البرية التقليدية كان خارج إطار التحديث في المفهوم الإسرائيلي (أي أصبح المفهوم متخلّفاً) مقارنة مع طبيعة العدو أو الالتزامات التي كان القادة الإسرائيليون يسيرون بها.
3- لقد اتُّخذ القرار باستخدام سلاح الجو بسهولة بسبب عدم جهوزية سلاح البرّ.
وتختم الدراسة الاستنتاجات بالآتي: إنّ المساواة بين مقاربة عسكرية مؤثّرة وعجرفة سلاح الجوّ أمر خاطئ.
يناقش قادة إسرائيل، كما هي حال الولايات المتحدة في حربها العالمية على “الإرهاب”، بأنهم يواجهون عدوّاً جديداً ومختلفاً (دولة داخل دولة)؛ عصابة مجهزة جيداً تتحصّن بالمدنيّين. وحين جاءت ساعة الحساب في العام 2006، رسم الجيش الإسرائيلي خطّة تقليدية مفترضاً احتمال هزيمة حزب الله، وحتى إزالته، من خلال الدمار والاستنزاف. في مكان ما، علمت إسرائيل أن حزب الله مسلّح تسليحاً جيداً وأنّه قوّة متجذّرة ولها شعبية ضخمة في الجنوب اللبناني، ولكنها تغنّت بالتغييرات التنظيمية في هيكلية الجيش منذ عام 2000، ما وفّر صلاحيات أوسع لرئاسة الأركان وقيادة القوات البرية. وهذا الأمر تحقّق على حساب القيادة الشمالية وقيادات فيالق الجيش. إن تقويماً عادلاً لحرب تموز 2006 هو أن إسرائيل اختارت تدمير أقصى ما تستطيع في مهلة زمنية قصيرة في محاولة لكسب الوقت لمصلحة أمنها. إنّ إخفاق سلاح الجو في حرب تموز 2006 كان فشلاً استراتيجياً كبيراً في استخدام القوة. لقد أثبتت الحرب الحاجة إلى عملية انتقالية من المستوى التقليدي إلى أساليب (مناهج) حربية جديدة في المستقبل».الخلاصة النهائية: لقد فشلت إسرائيل في سرد قصّتها عن سلاح الجوّ.