العبارة الوحيدة المفيدة
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
ابراهيم الأمين:
علّق الأمين العام لـ«المستقبل» أحمد الحريري على أحداث صيدا بالقول إن «المعركة مع هؤلاء الناس، مع المحور السوري _ الإيراني، تنتهي في سوريا وليس في لبنان، والمعركة تنتهي في سوريا لأن حزب الله لن يتواضع إلا عندما تنتهي الأمور في سوريا».
قد تكون هذه هي العبارة الوحيدة المفيدة في كل ما قاله ويقوله فريق 14 آذار بقضّه وقضيضه منذ 15 آذار 2011، تاريخ اندلاع الأزمة السورية. ببساطة يقول أحمد الحريري الموقف الفعلي لمرجعياته على أنواعها، الذي يقال في المجالس المغلقة ولا يقال في العلن، وجوهره: ليس عندنا من خيار سوى انتظار سقوط بشار الأسد في سوريا حتى نضمن إسقاط حزب الله في بيروت.
المشكلة هنا ليست في أصل الرهان، بل في إقرار الحريري باسم العقل الجمعي لفريقه بأنه عاجز عن القيام بشيء لمواجهة ما يراه «أزمة حزب الله»، وهو يعكس حقيقة من النوع الذي يكشف العجز عن القيام بعمل ذاتي، ويدل مرة جديدة على المنطق الاتكالي لهذا الفريق، الذي لم يجد تحصيل أي شيء من دون الاتكال على الخارج. ومع ذلك فقد ظل يخسر ويهدر رصيده، ويظل متمسكاً بالخارج الذي يراه المخلص المنقذ. وموقف الحريري هذا يفسر الموقف المعلن بمقاطعة الحكم والحكومة والحوار، ورفض المشاركة في أي شيء قبل سقوط الأسد في سوريا.
رهان هذا الفريق ليس مرتبطاً بزمن، لأنه ليس بيد هذا الفريق ما يفعله سوى الانتظار. وهذا ما قاله صراحة الحريري في معرض نصح الشيخ أحمد الأسير وأنصاره. ذلك أن الخلاف بين الجانبين لا يتعلق بأصل الموقف من حزب الله أو سلاحه، بل في طريقة العمل في مواجهته. وقد تفاقم الأمر بين الجانبين بسبب أن الأسير يرى أن بمقدوره أو بمقدور الفريق المؤيد لموقفه القيام بهذه المهمة بمعزل عمّا سوف تنتهي إليه الأمور في سوريا. والأسير هنا يقول الكلام الذي لا يحبه آل الحريري وبقية قوى 14 آذار، من أنهم غير مؤهلين للقيادة، وأنهم يفضّلون الاتكال على الخارج بدل الاتكال على الشارع في لبنان لتحقيق هذا الهدف. ومع أن الأسير يعرف هذه الحقيقة، ويعرف أن خصومه الذين يعملون فعلياً ضده ليل نهار هم فريقا «المستقبل» و«الجماعة الإسلامية»، إلا أنه يفضل إطلاق النار على حزب الله!
وإذا كان فريق 14 آذار متوافق مع الأسير وأنصاره على هدف إسقاط النظام في سوريا، فإن التوافق انسحب على ما يبدو على مسألة أخرى تتعلق بمحاولة خلق وقائع على الارض في لبنان، من النوع الذي يفكر فيه الأسير في صيدا مثلاً. هو قرر من طرف واحد أن كل ظهور لفريق حزب الله على شكل علم أو لافتة أو صوت أو صورة، هو ظهور استفزازي، وبالتالي وجب عليه مواجهته. وهو استفاد هنا كثيراً من المناخات التي رافقت تحركه خلال الأشهر الماضية. لكنه يعتقد، بحسب ما هو ظاهر، أن الأمور تتيح له التقدم أكثر إلى الأمام، فقرر معركة جديدة كانت شرارتها أول من أمس في صيدا. ولكن الأسير هنا لا يريد انتظار سقوط الأسد، لأنه بات مقتنعاً بأن حزب الله شريك مع الأسد، وبالتالي وجبت مقاتلته كما وجبت مقاتلة الأسد، وهنا بيت القصيد.
مرجعيات تيار «المستقبل» في الخارج يختلفون على تقييم دور الساحة اللبنانية. الغرب يعتقد أن أي انفجار سوف يتيح لحزب الله السيطرة على البلاد، وخلق وقائع يستفيد منها بشار الأسد في حربه ضد خصومه في سوريا، بينما يرى العرب من الجزيرة أن تفجير ساحة لبنان سوف يحول قسماً كبيراً من هذا البلد إلى قاعدة عملانية نصيرة للمعارضة المسلحة في سوريا. وبين الرغبتين، ثمة وهن غير مسبوق في جسم أدوات الدولة اللبنانية، ما يجعل الرغبة تتعارض مع الإمكانيات. لكن، هل يقبل المستقبل بالهدوء؟
أعوذ بالله. هم يريدون على الأقل إبقاء الشارع في حالة استنفار وجهوزية. وقرر هؤلاء ترجمة الحسابات على نحو أنهم يريدون برقاً ورعداً من دون مطر. هم يعتقدون أن التوتير والاحتقان يمكن أن يخلقا جهوزية تكون مناسبة لمواكبة سقوط الأسد. هذا الكلام عمره عشرون شهراً. وربما نحيي الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الأزمة السورية، ومسلسل التوتير مستمر. لكن المشكلة برزت أمام هذا الفريق من جانب آخرين غير حزب الله، إذ إن الشيخ الأسير مثلاً، لا يريد التقيّد بهذه الحسابات. وهو لا يقبل بأن يديره هؤلاء، وهم الذين يقول عنهم إنهم ليسوا أهلاً القيادة. ولذلك يفسر هو إقبال جمهور من تيار المستقبل عليه بأنه تعبير عن شكوى من قيادة «المستقبل» أولاً، وقبول بما يعلنه ثانياً. ولذلك، يجد الأسير نفسه في موقع الشريك في القرار وليس التنفيذ.
إلا أن المعطى الأهم يتجلى في قرار الطرف الآخر عدم قبوله أن يشكل ثنائي رقصة الموت، هو طرف ليس مستعداً لهذا النوع من الألعاب. وليست هذه أولويته. لكن المحزن أن أحداث التعمير يمكن أن تتكرر، وقد يسقط ضحايا أبرياء أو حتى من الأطراف المتنازعة. لكن المواجهة التي يريدها البعض دونها أشياء كثيرة. ومتى تقرر خوضها من قبل الجميع، فهي بالتأكيد لن تأخذ الشكل المفترض في أذهان كثيرين. وفي هذه الحالة نكون قد دخلنا المجهول.