الصين لنا.. وروسيا ايضاً؟!
موقع إنباء الإخباري ـ
مروان سوداح*:
عنوان المقالة أعلاه،”الصين لنا” ، ليس من تكوين بنات أفكاري، بل أني إقتبسته من أَغانٍ للإرهابيين، متوافرة على الانترنت، تتغنى حتى بموسيقا تركية (!)، بملكيتهم للصين، التي هي من أطيانهم هم وحدهم، وبأن العالم كله، وليس العربي أو الاسلامي فقط، هو مُلكيتهم الأبدية، إذ تنتشر على الشبكة الالكترونية الدولية الكثير من الفيديوهات، والمواد الاعلامية، التي تفضح سعي الارهاب الدولي وأدواته الاقليمية والعالمية، الى بسط سيطرته على الصين. وقد تمكنت شخصياً خلال ملاحقتي لهذه المواد والتدقيق فيها، مِن تكوين تصوّر واضح، تلمست من خلاله مخاطر عديدة، منها وجود سعي حثيث لدخول الارهاب الدولي الى الصين، واستهداف الصين كلها، وليس جزء منها أو مناطق صينية معينة بحد ذاتها.
وفي مجال آخر متّصل، فإن الدخول الروسي المباشر لميدان الحرب المباشرة على الارهاب في سورية، قد أرسل رسائل عديدة للولايات المتحدة والغرب السياسي والعالم برمته، لعل أولها أن موسكو تملا الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط، وثانيها ان عاصمة الثلوج شيّعت للمرة الاخيرة الأُحادية القطبية التي ارتبطت بواشنطن عدة عقود من الزمن، بعد الانهيار السوفييتي الذي حدث بِفِعلِ الخيانة الداخلية، وليس بِفِعِلِ هزيمة في أفغانستان، كما يروّج الامريكان، إذ إنتصر الروس هناك، وانهزم الارهاب الدولي، الذي عاد ليسود جزئياً في أفغانستان، بفعل الدعم الغربي الواسع له.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد ان روسيا ستواصل مكافحة الإرهاب، وتهدف لكبحه، موضحاً أن الخطر الإرهابي يزداد بسبب سياسة الغرب في سورية، الذي يُسلّح ويدرّب الارهابيين، ومن ثم يُنقلون إلى “الدولة” اللاإسلامية، التي لم تظهر في مكان خالٍ، بل كان يتم تربيتها واحتضانها وتكوينها كوسيلة وأداة لإسقاط انظمة غير مرغوب بها، وهي تقوم بالتطوّر والزحف في مناطق مختلفة من “الشرق الاوسط”، ويُشدّد بوتين: نفهم أن هذه المخططات أَبعد من ذلك، وان الظروف خطرة للغاية، وأكد بقوله: ولا يمكن ان نسمح لهؤلاء قاطعي الرؤوس بالعودة إلى بلادهم لمواصلة اعمالهم الشريرة، ولا أحد يريد ذلك..
العودة الروسية الثانية للشرق الاوسط بقوة طاغية، تغتني بالمعلومات والرؤى الشاملة والتحليلات العميقة لمُجريات الاحداث الجِسام على مسرح الشرق الاوسط، وعلى مسارح دول اخرى عديدة، منها روسيا والصين، الى حيث سيتم تصدير الارهاب والارهابيين، وعلى نطاق واسع كما حذّر بوتين وغيره من المسؤولين العسكريين والسياسيين في روسيا.
لذلك، نرى كيف أن اشتباكاً واسعاً يجري حالياً، برغبة من الغرب برمته، بين موسكو وواشنطن، على خلفية دخول روسيا الحرب على الارهاب الدولي، ويمتد الاشتباك الى عواصم الغرب التي اختارت مناصرة واشنطن ضد موسكو، رافضة حرب روسيا على الارهاب وأدواته. ولعمري، فإن هذه المواقف الغربية تفتقر للذكاء، لأن الغرب إذ يتذيّل لواشنطن، يعمل ضد مصالحه الذاتية، وضد أمن بلاده ومستقبلها المستقر، بدلاً من شد أزر روسيا والصين ضد الإرهاب الدولي وتحجيم أذرعه، وبالتالي حماية بلادهم منه بدون بذلهم جهد عسكري أو تمويل.
واليوم، نسمع ونشاهد تكاثر عديد المسؤولين الروس الذين يحذّرون من انتشار الارهاب في روسيا وفي الصين كذلك، ونلاحق في الفضائيات الروسية التي تبث باللغة الروسية، العديد من اللقاءات مع مسؤولين روس، يحذرون بشدة من هذا التطور المأساوي للأحداث، ومن تمدّد الارهاب الدولي الى جمهورية الصين الشعبية والفيديرالية الروسية.
وفي مظاهر الضغط الارهابي على الصين، كشفت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، عن استعدادات الولايات المتحدة لإرسال سفن حربية الى ارخبيل سبارتلي، في بحر الصين الجنوبي، مهدّدة بذلك بكين، التي أعلنت سيادتها على مياهه الاقليمية. وجاء في مقالة الصحيفة، قبل أيام، ان وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، اعلنت عن رغبتها بإرسال سفن حربية الى ارخبيل سبارتلي في بحر الصين الجنوبي، موجهة بذلك تهديداً مباشراً لبكين، لتهديد أحقيتها بالسيادة على مياهها الاقليمية.. وقد اقامت الصين منشآت من الخرسانة المسلحة على الشعَب المرجانية، كما انتهت من بناء مطار فيها. وتبرّر الولايات المتحدة هذا التهديد العسكري بأنه لحماية الملاحة البحرية في المنطقة!
وتتحدث الصحيفة عن ان التوتر في المنطقة يزداد، والبيت الأبيض قرّر تصعيد المواجهة، بعد عدم توصل الرئيس الصيني شي جينبينغ، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، الى حل وسطي مع باراك أوباما بهذا الشأن.
بينما تشير صحيفة “فايننشال تايمز”، الى ان الولايات المتحدة تنوي بهذا، إعلان رفضها محاولة الصين فرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، ولكن إذا سمينا الأشياء بأسمائها فإن المقصود هنا ليس فقط اعلان الرفض، بل هو حملة حربية بحرية حقيقية، حيث ستدخل السفن الحربية الأمريكية منطقة الـ 12 ميل، التي انشأتها الصين حول بعض الجُزر، اذ تعتبر هذه المنطقة من ضمن مياه الصين الاقليمية. ومع ذلك اعلن مسؤول امريكي: “ان استعراض القوة يجب ان يتم خلال أسبوعين”.
لكن، كيف تعاملت الصين مع التحرك العسكري الأمريكي؟ يقول نائب مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية قسطنطين كوكاريف: “كلامياً سيكون رد الصين شديداً وقاسياً. وسوف تصر على استمرار سيادتها على هذه الجُزر التي استمرت منذ زمن بعيد. ولكن الرئيس الصيني شي جينبينغ، خلال زيارته الولايات المتحدة، اتفق مع الرئيس أوباما على تحويل نقاط الخلاف الى نقاط تعاون. وتقيّم الصحافة الصينية عالياً نتائج هذه الزيارة. كما تأمل بكين تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. ويتم التركيز بصورة خاصة على توقيع اتفاقية حول الاستثمارات، من شأنها أن تحفز نمو اقتصاد البلدين”.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى كيف لنا أن نربط كل ذلك بالارهاب الدولي على الصين؟.. هنا لا بد لنا ان نستذكر، كيف ان شرارة الحرب العالمية الشاملة على سورية كان تم إعلانها فور رفض دمشق المتكرر إستخدام أراضيها وتوظيفها كدولة لتزويد الغرب وامريكا بالنفط والغاز من السعودية وقطر بأسعار شبه مجانية، ولضرب خطوط النفط والغاز الروسية الممتدة لاوروبا الغربية وفرض طوق إرهابي واقتصادي وسياسي على موسكو، علماً بأن الغرب يحاول بدوره ترطيب علاقاته بنوع ما مع موسكو كلما توترت وتصلّبت واشّتدت، على كل الخلفيات والنزاعات، برغم تضامنه التام والاستراتيجي مع أمريكا، وإندغامه معها إندغاماً تاماً.
وتكتسب التصريحات التي أدلى بها إيغور سيرغون، رئيس الإدارة العامة في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، يوم الخميس الماضي، اهمية استثنائية لجهة تكشّف مخططات عزل الصين وروسيا، فقد قال أن الولايات المتحدة تسعى إلى تطويق كل من روسيا والصين بشبكة من الأنظمة السياسية الصديقة لها.
وفي تصريحه الصحفي، قال سيرغون، “إنه في الأفق البعيد ستتلخص الأهداف الرئيسية الأمريكية في عرقلة النزعات التكاملية في منطقة آسيا الوسطى، وكذلك تطويق روسيا والصين باعتبارهما عدوين محتملين بشبكة من الأنظمة الصديقة والموالية للولايات المتحدة وبؤر التوتر”.
وفي تطرقه إلى الوضع في أفغانستان، ذكر المسؤول العسكري الروسي أنه على الرغم من تصريحات الولايات المتحدة عن انسحابها من هذا البلد، فإنها تتخذ خطوات ترمي إلى تكريس وجودها العسكري في أفغانستان. مع ذلك فقد أشار سيرغون إلى أن “العسكريين الأمريكيين وشركاءهم في التحالف أخفقوا حتى في الاقتراب من تحقيق المهمات المعلنة”.
وأردف قائلا: “إنهم يتركون الأفغان وجهاً لوجه أمام مشكلات سياسية داخلية معقدة واقتصاد منهار وخدمات اجتماعية متخلّفة وزيادة هائلة في التداول غير الشرعي للمخدرات”. ورجّح سيرغون أنه في الأفق القريب، سيركّز عمل القوات الأجنبية في أفغانستان على ضمان قدر مقبول من أداء أجهزة الدولة في منطقة العاصمة كابول ومراكز إدارية أخرى. وأعرب عن قناعته بأن هذا الأسلوب لن يؤثر تأثيراً يُذكر على تطبيع الوضع في معظم أراضي أفغانستان، مُشيراً إلى تراجع نفوذ السلطة المركزية فيها. وتوقّع المسؤول العسكري، أن تستمر منطقة عدم الاستقرار في الاتّساع لتشمل كابول، ومن ثم جمهوريات رابطة الدول المستقلة في آسيا الوسطى (التي تقع الى الجنوب من روسيا وغرب الصين)، ما سيقود إلى تنامي نشاطات الجماعات المتطرفة المحلية، في حال تحقق السيناريو السلبي للأحداث.
في مساعي الارهاب لضرب الصين وروسيا، تمويل وتحضير وتدريب وإعداد خارجي متصل وحثيث، وهو يجري على قواعد مذهبية وسياسية، منها ما هي “سلفية جهادية”، واخرى وهابية، وثالثة سياسية حديثة، ومن وسائل تلك الاخيرة، فبركة السياسة الروسية والصينية بالإدّعاء أنها سياسة موحّدة لجهة استرقاق العالمين العربي والاسلامي واستعباده والاستكبار عليه، ويستعيدون في ذلك بعض الاحداث التاريخية التي لا ذنب لروسيا السوفييتية والمعاصرة والصين بحدوثها، ولا المشاركة فيها.
وعلى سبيل المثال، ومن اجل شيطنة الصين وروسيا، يجري فبركة ما يسمّى ب”مشاركة” روسيا والصين في وعد بلفور (!)، ومؤامرة سايكس بيكو (!)، والإدعاء “بصِلات عميقة” للصهيونية الدولية مع القيادات السياسية في موسكو وبكين و”التوحّد فيهما”، وليس أخيراً، دعوة جهات عديدة من الارهابيين لبعث الخلافة العثمانية البائدة، التي انهارت بفعل تحالفاتها الدولية المشبوهة وحربها المتواصلة على العالم وبضمن ذلك على روسيا ويجري اليوم عمل كبير لإعادتها بزعامة اردوغان.
ولتبرير ذلك كله، يَصمت قادة الارهاب العالمي، ومنهم الارهابية الصينية السابقة ربيعة قدير، التي خانت وطنها الصين، عن الاسباب الحقيقية لإنهيار العثمانية، ونستعيد كيف يتم استرقاق عقول شباب الارهابيين الدوليين، عندما يتم الإدّعاء لهم، ان توجّههم الجهادي هو حصراً نحو فلسطين الجريحة، لتخليصها من الاحتلال الصهيوني، وليس الى العراق وسورية !. لكن، وعلى العكس من ذلك، يتم شحنهم الى تلك المناطق التي تشكّل اليوم أرقاً للولايات المتحدة، التي تستغلهم في حروب بالوكالة في العالم العربي، وفي روسيا والصين، وتحت مسمّيات برّاقة عديدة، تستهوي الشباب المتديّن، التي منها مذهبية، ودينية وجهادية محرَّفة بالطبع..
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين