الصراع الطبقي في أمريكا: الضرائب للأغنياء والاشتراكية للفقراء
شبكة النبأ ـ
مسلم عباس:
تكشف تقارير عدة من داخل الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية اخرى ان التفاوت الاجتماعي والفقر تزايدا في العالم بشكل كبير منذ ثمانينات القرن الماضي وخصوصا في الولايات المتحدة وحذروا من احتمال تفاقم هذه الظاهرة بحلول العام 2050.
وأثارت حزمة إصلاحات ضريبية أقرها مجلس الشيوخ نهاية تشرين الثاني بفارق ضئيل (51 مقابل 49) جدلا واسعا في أوساط خبراء الاقتصاد. وتتمحور الاسئلة حول ما اذا كانت الإصلاحات عبارة عن تبرع للأغنياء أم عونا للطبقة الوسطى؟ وهل ستكون نعمة للأعمال التجارية أم حافزا غير ضروري لاقتصاد بلغ مستوى توظيف كامل؟
واجتاز تعديل قانون الضرائب الأميركي مرحلة حاسمة، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2017، بإقراره في مجلس الشيوخ، مما يمهد الطريق لانتصار سياسي كبير للرئيس دونالد ترامب، على الرغم من تصويت تقني أخير ما زال ضرورياً في مجلس النواب، لكن لا تأثير له.
وأفسدت مشكلة إجرائية الخطوة الأخيرة للكونغرس. فقد تبنى مجلسا النواب والشيوخ، الواحد تلو الآخر، الثلاثاء، نصاً يجمع بين صيغتيهما. لكن 3 مواد لا تتطابق مع القواعد البرلمانية، تم تعديلها في اللحظة الأخيرة في مجلس الشيوخ، مما يلزم مجلس النواب بالتصويت من جديد.
وتبنّى مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية قبيل الساعة الواحدة (06,00 ت غ) الأربعاء، نص تعديل قانون الضرائب وخفضها، بـ51 صوتاً مقابل 48. وأعلن نائب الرئيس مايك بنس النتيجة، وسط تصفيق الأغلبية، بينما كان كثيرون يكررون كلمة “تاريخي”.
من جهته، كتب ترامب في تغريدة أن “مجلس الشيوخ سيتبنى أكبر خفض وإصلاح للضرائب”. وأعلن عن مؤتمر صحفي في البيت الأبيض عند الساعة 18,00 بتوقيت غرينتش، إذا تم تبني النص نهائياً في مجلس الشيوخ.
وبذلك ينتقم ترامب لإخفاقه في إلغاء قانون الضمان الصحي (أوباماكير)، الذي أُقر في عهد باراك أوباما، وكان وعداً أول لم يتمكن من تحقيقه بعدما وواجه معارضة من معسكره، في سبتمبر/أيلول. ويتضمن التعديل الضريبي أساساً مطلباً مهماً للمحافظين، وهو إلغاء غرامة فرضت بموجب نظام الضمان الصحي لأوباما على الأميركيين الذين لا يتمتعون بتأمين طبي.
تعديلات في صالح الاغنياء
سيسمح القانون بخفض الضرائب الفدرالية على الشركات والدخل اعتباراً من 2018، ما يكلف المالية العامة 1500 مليار دولار في العقد المقبل. ويؤكد الجمهوريون أنها سترفع النمو بمقدار الضعف إلى أكثر من 3%، ما سيؤدي إلى عائدات ضريبية جديدة. لكن محللين مستقلين يرون أن هذه العائدات ستعوض جزئياً فقط العجز الإضافي البالغ 1500 مليار.
وخفض الضرائب دائم للشركات، لكنه لن يستمر سوى إلى 2025 للعائلات، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق للأمد الطويل. وجميع الأميركيين تقريباً سيدفعون مبالغ أقل من الضرائب في 2018، لكن نصفهم سيفقدون القدرة الشرائية التي كسبوها، في 2027، حسب مركز سياسة الضرائب (تاكس بوليسي سنتر).
وكشف استطلاع للرأي نشرت شبكة سي إن إن نتائجه، أن الأميركيين يشككون في هذه الخطوة. ويرى ثلثا الأميركيين أنها ستعود بالفائدة على الأغنياء أكثر من الطبقة الوسطى.
ويتضمن النص أيضاً فتحَ أراضٍ محمية في ألاسكا أمام عمليات الحفر النفطي. ويرى الديمقراطيون أيضاً أن الإصلاح الضريبي هو هدية بمناسبة عيد الميلاد، لكن للشركات والأكثر ثراء فقط، وقالت عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن “إنه سطو.. سطو سيأخذ ملايين من الطبقة الوسطى لإعطائها إلى الأغنياء”.
تعزيز التفاوت الطبقي
تقرير صدر حديثا نشرته وكالة “فرانس برس” اعده أكثر من مئة باحث من 70 دولة اكد ان السياسات المعتمدة في امريكا والصين وروسيا قد زادت من نسب التفاوت في الثراء بين المواطنين. ويقارن التقرير بشكل غير مسبوق توزيع الثروات على المستوى العالمي وتطوره منذ حوالى اربعة عقود، انه من اوروبا وصولا الى افريقيا وآسيا او القارة الاميركية “تزايد التفاوت في كل مناطق العالم تقريبا”.
واوضح الباحثون ان هذه الظاهرة تطورت “بوتيرة مختلفة” بحسب المناطق واشاروا الى ارتفاع كبير للتفاوت في الولايات المتحدة لكن ايضا في الصين وروسيا، الدولتان اللتان اعتمدتا انظمة اقتصادية ليبرالية خلال التسعينيات.
وبحسب التقرير الذي اشرف عليه خصوصا لوكا شانسيل من معهد باريس للاقتصاد وتوماس بيكيتي مؤلف الكتاب الشهير “الرأسمال في القرن الحادي والعشرين”، فان حصة العائدات الوطنية التي يراكمها 10% من دافعي الضرائب الأكثر ثراء ارتفعت من 21% الى 46% في روسيا ومن 27% الى 41% في الصين بين 1980 و2016.
في الولايات المتحدة وكندا، انتقلت هذه النسبة من 34% الى 47% فيما شهدت اوروبا ارتفاعا “اكثر اعتدالا” (من33% الى 37%). واوضح التقرير “في الشرق الاوسط ودول افريقيا جنوب الصحراء والبرازيل بقي التفاوت في الثراء مستقرا بشكل نسبي” لكن على مستويات مرتفعة جدا.
اختلاف كبير
في العام 2016، كانت المناطق والدول التي تشهد اكبر معدلات التفاوت هي البرازيل (55% من العائدات الوطنية يملكها 1% الاكثر ثراء) والهند (55%) والشرق الاوسط (61%).
في هذه المنطقة “لا يزال يتم التقليل من شأن التفاوت الاجتماعي” بحسب التقرير الذي يتحدث عن تناقض بين الاحصاءات الرسمية في دول الخليج “وبعض جوانب سياستها الاقتصادية مثل اللجوء المتزايد الى عمال اجانب بأجر متدني”.
وفي ما يتعلق بمسار تطوره، بلغ الاختلاف في التفاوت “حدا أقصى بين اوروبا الغربية والولايات المتحدة اللتين سجلتا مستويات تفاوت متقاربة في فترة الثمانينات لكن الأوضاع فيهما اليوم مختلفة تماما” بحسب الوثيقة.
وفي العام 1980 كانت حصة العائدات الوطنية التي يملكها 50% من دافعي الضرائب الاكثر فقرا متماثلة في المنطقتين تقريبا: 24% في اوروبا الغربية و21% في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين استقرت هذه النسبة على 22% في الجانب الاوروبي فيما تراجعت الى 13% في الولايات المتحدة.
وفسر توماس بيكيتي هذه الظاهرة “بانهيار الأجور الأكثر تدنيا” في الولايات المتحدة لكن ايضا “بتفاوت كبير في مجال التعليم ونظام ضريبي غير تقدمي” في هذا البلد. واضاف “هذا يثبت ان سياسات الدولة لها أثر قوي على التفاوت”.
والضحية الاولى لهذه الدينامية بحسب التقرير الذي يستند الى 175 مليون بيان ضريبي واحصائي، هي “الطبقة الوسطى في العالم”.
وبين 1980 و 2016 فان ال1% الاكثر ثراء كانوا يستحوذون على 27% من النمو العالمي. اما ال50% الاكثر فقرا فكانت حصتهم 12% فقط من الثروات المنتجة لكن دخلهم ارتفع بشكل كبير. لكن الأمر لم يكن مماثلا بالنسبة لمن هم بين هاتين الفئتين والذين نما مدخولهم بصورة ضعيفة.
وحذر الباحثون من ان التفاوت سيتزايد بشكل اضافي في حال اتبعت كل الدول النهج الساري في الولايات المتحدة لكنه سيتراجع بشكل طفيف في حال اتبع مسار الاتحاد الاوروبي.
وخلص بيكيتي الى القول “هناك هامش مناورة، كل شيء رهن بالخيارات التي تعتمد” معتبرا انه من الضروري اجراء نقاش عام حول هذه المسائل.
العودة الى الاشتراكية
ولمواجهة فحش الاغنياء ارتفع عدد المسجلين لدى منظمة “الديموقراطيين الاشتراكيين في اميركا” من ستة آلاف الى اكثر من ثلاثين الفا منذ الحملة الخارجة عن المألوف التي قام بها المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في 2016.
لكن هذه الارقام ما زالت بعيدة عما تسجله الاحزاب الاشتراكية في اوروبا او في فرنسا حيث كان اكثر من 136 الف شخص مسجلين في الحزب الاشتراكي في 2016، وخصوصا بالنظر الى عدد السكان البالغ نحو 325 مليون نسمة.
ويرى مسؤولو الديموقراطيين الاشتراكيين في ذلك حركة غير مسبوقة مشيرين الى ان معدل اعمار المنتسبين تراجع من ستين عاما الى 35 عاما، ويصفون ذلك “بطفرة اشتراكية”. وتبلغ جاكلين سميث الثانية والعشرين من العمر فقط وكانت واحدة من المسؤولين عن الحملة الناجحة للي كارتر في فرجينيا بعدما التحقت بالديموقراطيين الاشتراكيين في كانون الثاني/يناير فقط.
وقالت لوكالة فرانس برس خلال تجمع بالقرب من واشنطن انها قامت بذلك “لمعالجة جذور المشاكل لا عوارضها”. واضافت “تهمني الاسباب التي اوصلت دونالد ترامب الى هنا اكثر مما تهمني معارضته”.
وتابعت سميث ان جيلا جديدا مستعد اليوم “لاعتناق العقيدة الاشتراكية والدفاع عنها علنا بشكل فعلي”، وهو تغيير كبير في الولايات المتحدة. ومنذ عقود، لم يكن وزن الاشتراكية على الساحة السياسية الاميركية كبيرا كما هو اليوم. وقالت كاثي شنيدر الاستاذة في الجامعة الاميركية في واشنطن ان نمو “الديموقراطية الاشتراكية في اميركا” يثبت ان الناخبين المعارضين لترامب لا يجدون هدفهم في الحزب الديموقراطي بالضرورة.
واضافت ان “هناك شريحة في المجتمع الاميركي تشعر ان الاحزاب السياسية لا تستجيب لمخاوفها”، مشيرة الى ان “الديموقراطيين الاشتراكيين قالوا +لدينا حل لكم+”.
اشترك في قناة النبأ على التلجرام لاخر التحديثات على الرابط ادناه:
https://telegram.me/nabaa_news
[ad_2]