السياسة في لبنان: لاعبون كثر يسدّدون على مرمى واحد…
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. عصام نعمان:
لبنان بلد تعدّدي، له خصوصية يتميّز بها وهي توافر كثرة من اللاعبين يتنافسون إفرادياً في ملعب واحد هو السياسة، ويتقاذفون كرة واحدة هي السلطة، ويسددّون الى مرمى واحد هو الحكم.
لعبة السلطة في لبنان لها خصوصيتها أيضاً اذْ لا يتوزّع لاعبوها على فريقين متنافسين كما في لعبة كرة القدم بل يلعب كلّ واحدٍ بمفرده ولمصلحته وحده.
لكلٍّ من المتفرّجين في مدرّجات ملاعب السياسة لاعبه المفضّل، له يهتف وعليه يراهن ليفوز.
للسياسة ملاعب عدّة في لبنان. ثمة ملعب للانتخابات النيابية، وآخر للانتخابات البلدية، وثالث للانتخابات النقابية. غير أنّ ابرز اللعبات وأكثرها ربحية ثلاث: لعبة انتخاب رئيس الجمهورية، ولعبة انتخاب رئيس مجلس النواب، ولعبة انتخاب رئيس مجلس الوزراء.
تتخلّل لعبات انتخاب كلٍّ من الرؤساء الثلاثة ألاعيب ومناورات وصفقات ومناوشات كثيراً ما تتسبّب باشتباكات بين اللاعبين أنفسهم وبين مختلف شرائح المتفرّجين ما يؤدّي الى تأخير إعلان النتائج. فانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية استغرق نحو سنتين ونصف السنة. و انتخاب سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء استغرق تسعة أشهر. وحده انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب تكراراً منذ العام 1992 لم يستغرق سوى ساعات معدودات وذلك بسبب توازنات داخلية واعتبارات خارجية وتحالفات سياسية وازنة.
بسبب المناورات الداخلية والتدخلات الخارجية التي كثيراً ما رافقت انتخاب الرؤساء الثلاثة، كما ممارسات أركان شبكة سياسية متحكّمة من متزعّمي طوائف ورجال أعمال وأموال يتعاطون السياسة ونافذين في أجهزة الأمن، تعمّقت أزمة لبنان المزمنة وتعقدت وانفجرت حروباً اهلية هدّدت حاضر البلد ومستقبله.
العجيب الغريب انه برغم كلّ الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية والإجتماعية ظلّ النظام السياسي صامداً لدرجة وصفه البعض بأنه اقوى نظام في العالم!
الحقيقة انّ أهل النظام ساعدوا أنفسهم بأن أبقوا سلطتهم متماسكة. لكن النظام يبقى عاجزاً عن الصمود طويلاً. فهو يترنّح حالياً نتيجة المديونية العامة الهائلة مئة مليار دولار أميركي وانفجار الأزمات المعيشية والاجتماعية، وتزايد هجرة اللبنانيين مع تعاظم عدد النازحين السوريين القادمين نحو مليون ونصف مليون نازح وازدياد التهديدات والمخاطر الصهيونية والإقليمية. كلّ ذلك لم يدفع أهل السلطة الى التوافق والإسراع الى ترميم هيكلية النظام المتهدّم. فقد استغرق درس مشروع قانون الموازنة للعام 2019 نحو 19 جلسة في مجلس الوزراء على مدى أسابيع، وقد يستغرق إقراره او رفضه؟ في مجلس النواب أسابيع أكثر. باختصار، النظام السياسي مترهّل، وأهل السلطة ليسوا أهلاً لترميمه والنهوض به. ما العمل؟
ثمة خياران: العنف او التسوية.
العنف جُرّب في الماضي وتسبّب بحروب أهلية. الى ذلك، فإنّ المنادين بالعنف سبيلاً الى الحلّ لا يقدّمون برنامجاً ولا طريقاً موصلاً الى نتائج إيجابية.
لا يبقى، إذاً، إلاّ خيار التسوية. فهل هي ممكنة، وما مضمونها؟
يُقال إنّ التسوية هي القاعدة الذهبية للسياسة اللبنانية كون لبنان بلداً تعدّدياً لا يستطيع فيه فريق ان يتغلّب على آخر ما يجعل التسوية مخرجاً وحيداً. لكن للتسوية شرطاً رئيساً هو وجود توازن قوى قادر على إنتاج تحالفٍ عريض لتعبئة وقيادة قاعدة جماهيرية وازنة وبالتالي إفراز مجموعة قيادية قادرة على الاضطلاع بالسلطة وإدارتها وفق برنامج وطني للتغيير والإصلاح متفق عليه. هذا الشرط غير متوافر حالياً وقد يتعذّر توافره بالنظر الى تعقيدات المشهد السياسي الراهن والتناقضات والمخاطر التي ينطوي عليها ويواجهها.
إذا توافر الشرط المطلوب فإن لا سبيل للخروج من الأزمة الراهنة إلاّ برضوخ أركان التحالف السياسي الممسك بمقاليد السلطة الى مطلب إعادة بناء الدولة من خلال قانون ديمقراطي للانتخابات يحترم أحكام الدستور ويكفل حسن تطبيقها لا سيما المادتين 7 و27 وخصوصاً المادة 22 منه التي تقضي بانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف. لتحقيق هذا الهدف المركزي يقتضي اعتماد قانون للانتخابات على قاعدة النسبية في دائرة وطنية واحدة.
إذا لم يتوافر هذا الشرط المطلوب، والأرجح انه لن يتوافر في المستقبل المنظور، فعلى القوى الوطنية والتقدّمية الداعية والعاملة للتغيير والإصلاح ان تتوافق وتعمل على بناء كتلة شعبية وازنة وقادرة على محاصرة أهل النظام والضغط عليهم بصبر ونَفَس طويل لإكراههم على التسليم بمطلب إعادة بناء الدولة من خلال قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس النسبية في دائرة وطنية واحدة.
أيّ خيار مغاير لن يؤدّي إلاّ الى تجريب المزيد من الشيء نفسه وهو ما تلهّى أهل النظام بممارسته طيلة السنوات السبعين الماضية.
أما آن الآوان لإنهاء الملهاة المأساة؟
وزير سابق
[ad_2]