السهل الممتنع في قراءة وضع الجبهات مع العدو الصهيوني
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
هناك حقائق دامغة تكون أمام أعين الناس والسياسيين ولكن يحجبها عنهم مناخ من التضليل الإعلامي والدعايات الكاذبة، ويكون ذلك بمثابة السحر الذي مارسه سحرة فرعون لأعين الناس للتأثير على الإرادة والدفع للاستسلام للاستبداد والاستعمار والفساد والتخلي عن الكرامة والمقاومة.
ولعل ما أطلقته المقاومة في الفترة الأخيرة من مفاهيم مثل “جهاد التبيين” ومبادرات الرد على الشائعات واتخاذ المنحى الهجومي في ذلك، وكذلك مطالبة الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله باستخدام البساطة و”السهل الممتنع” في التوضيح، هو الأسلوب الأمثل وهو المطلوب في هذه المرحلة الحرجة والحاسمة، والتي تشكل الدعايات والمغالطات السلاح الأكبر والأهم لمعسكر الأعداء.
وعلى سبيل المثال، فإن تصدير العدو الإسرائيلي لصورة القوة وأن له اليد العليا في التهديد وامتلاك مقود التصعيد والتهدئة، يمكن أن يتم نسفه باستطلاع صغير أجراه العدو نفسه يقول إن ما يقارب ثلث الإسرائيليين يفكرون في مغادرة الكيان.
فقد وجد استطلاع القناة 13 الصهيونية أن 28% من المستطلعين كانوا يفكرون في الانتقال إلى الخارج، 64% لا يفكرون بذلك، بينما 8% غير متأكدين، وعكس الاستطلاع تأثير مصادقة التحالف على القانون الجديد الذي عمق الانقسامات وإقراره رغم الاحتجاجات الحاشدة المستمرة والمعارضة الشديدة من كبار الشخصيات القضائية والأمنية والاقتصادية وتعهد الآلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين بوقف الخدمة.
وقال أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع – 54% – إنهم يخشون أن يؤدي الإصلاح القضائي إلى الإضرار بأمن “إسرائيل”، و56% قلقون من نشوب حرب أهلية.
وقبل الخوض في تقدير استخباراتي هام نشرته صحيفة “اسرائيل هايوم” لواحد من أكبر الخبراء بالجبهة مع لبنان وتوقعاته وقراءته لحال الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، نود إلقاء الضوء على بعض الحقائق التي تحجبها الدعايات:
1- تركيبة الكنيست وتوليفة الحكومات الصهيونية تعكس تشرذم الكيان الصهيوني، وتشرذم تياراته حتى داخل التيار الواحد والحزب الواحد، وهو ما يعكس التنافر الشديد داخل الكيان المصطنع، كما أنه ينذر بدخول الخلافات إلى مسار التصادم لأن الانشقاقات تعني الخلافات الجذرية، وبالتالي صعوبة التوافق واستئثار كل من يصل للسلطة بالقرار والدخول في دائرة مفرغة من الاحتقانات والضغينة، وهو ما وصل إليه حال الكيان حاليا.
2- السياج الصهيوني والحواجز على طول الحدود مع الجولان ولبنان هي حواجز دفاعية، وهو ما يعني أن العدو خائف ويترقب دخول قوات المقاومة لتحرير الأراضي المغتصبة، وأن نوايا العدو السابقة بالتوسع والتلويح باحتلال المزيد من الأراضي باتت في إطار الماضي ومحلها النسيان، والخوف الآن هو من فقدان الأراضي التي يسيطر عليها بالفعل.
وتقول التقديرات العسكرية الصهيونية وعلى لسان خبراء الاستخبارات، إن الجيش الإسرائيلي على وعي تام بالتهديد الذي يتطور، وفي السنوات الأخيرة قام ببناء حاجز على طول الحدود لمنع غزو من قبل قوة الرضوان، وأن حزب الله يعرف كيف يفاجئ “إسرائيل” ويجعل شعبه يعبر الحدود – كما يتضح من المهاجم المحتمل الذي تسلل مؤخرًا وشق طريقه إلى وادي يزرعيل بقنبلة قبل محاولة العودة إلى لبنان، وفقا لتقرير “اسرائيل هايوم”.
3- انتقال المقاومة الى الضفة وانطلاق الصواريخ من جنين في حالة تكررت نحو خمس مرات، هو اعلان صريح عن أن غزة اصبحت قضية مفروغ منها ولا مجال لقمعها أو عودة احتلالها أو غزوها، وأن الضفة في طريقها للوصول لذات المعادلة، حيث تمر بمسار مشابه لذات المسار الذي دشنته غزة وجعل الصهاينة يحلمون باليوم الذي يتخلصون فيه من كابوسها وابتلاع البحر لها أو تركها لأهلها.
وحول التقرير الصهيوني بصحيفة “اسرائيل هايوم” والذي كان على شكل حوار مع ضابط الاستخبارات السابق العقيد (احتياط) رونين كوهين صاحب الخبرة الطويلة في الحرب مع لبنان، والذي خدم في الفترة التي كان الجيش الإسرائيلي لا يزال منتشرًا في جنوب لبنان، حيث كانت الاشتباكات مع حزب الله في المنطقة الأمنية تحدث يوميًا، تقول الصحيفة إن شهادته وتقديراته لها وضع خاص وأهمية مضاعفة، ومما قاله كوهين للصحيفة:
“إن سلوك حزب الله في الأشهر الأخيرة يُظهر أنه غيّر سياسته وهي محاولة لتغيير قواعد اللعبة التي كانت قائمة منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، كما قال إن هذا يشير إلى أن السيد حسن نصر الله تلقى الضوء الأخضر من إيران لتحويل الوضعية من حشد القوة إلى وضعية الاستعداد للحرب” وفقًا للضابط الصهيوني.
كما تابع كوهين إن “الحدود الشمالية يمكن أن تصبح تدريجيًا ساحة قتال شبيهة جدًا بما كانت عليه المنطقة الأمنية في جنوب لبنان قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000″، ووفقًا لرونين فإن مثل هذا الواقع “يمكن أن يبدأ من أحداث مثل ما حدث مؤخرًا على الحدود الشمالية – نصب الخيام وإطلاق صواريخ مضادة للدبابات، والتسلل إلى قلب إسرائيل لوضع قنبلة على طريق رئيسي – ويمكن أن يشتد بعد ذلك”، وعبّر كوهين عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة وقال إن “على صانعي القرار الانتباه إلى دق ناقوس الخطر”، ومن موقعه كشخص تعرف على حزب الله “منذ الثمانينيات عندما كان لا يزال في مهده وأن أكبر مشكلة يواجهها الجيش الإسرائيلي في حال اندلاع اشتباكات مع حزب الله ليست آلاف الصواريخ التي يمكن أن يطلقها ولكن تسلل قوات الرضوان إلى “إسرائيل” ومناطق الاحتلال حتى انتهاء المعارك مع الجيش الإسرائيلي الذي سيضطر للكفاح من أجل استعادتها قبل ساعة وقف إطلاق النار”.
ويحذر من أنه في حالة بقاء مقاتلي حزب الله هناك فإن ذلك “سيشكل مأزقًا استراتيجيًا خطيرًا لـ”إسرائيل””.
هذه هي الحقائق وهذه هي التقديرات الصهيونية وهذا هو حال الكيان، ولكن الكثير من الأمور تبقى رهينة دعايات العدو وأعوانه لإبقاء الفزاعات التي تخدم المستفيدين ومصالحهم وأحقادهم على المقاومة.