السقوط الأخلاقي للأمم المتحدة في اليمن
موقع الخنادق:
من الواضح أن تعاطي المنظمة الأممية، في كثير من القضايا والأزمات، لم يكن حياديًا ولا نزيهًا البتة ويفتقد للمصداقية والواقع أن التعاطي الأممي في مجمل القضايا والأزمات العربية دائما ما يأتي مصحوباً بأجندات ومشاريع ذات أطماع استعمارية (بريطانية – أمريكية – غربية) ويخضع لإملاءاتها وسياساتها بشكل كامل والتعاطي في القضية اليمنية هو مثال فاضح على وجه الخصوص.
نورد في هذه الورقة السقوط القانوني والإنساني الذي وصلت إليه منظمة الأمم المتحدة، ما أدى إلى سقوطها أخلاقياً. حيث تعمد إلى الاستثمار غير الأخلاقي للمعاناة الإنسانية في اليمن، ويشكل دورها أحد الأسباب الرئيسية في تعميق الأزمات وتفاقمها بعد تبريرها قانونياً للعدوان واكتفاء مبعوثيها بتقارير غير ذي جدوى وإصدارها لقرارات “أمريكية المحتوى” وطعنت بميثاقها ومقاصدها التي وضعت من أجلها.
مخالفة ميثاق الأمم المتحدة
تتصدر مقاصد الأمم المتحدة ميثاقها، في “حفظ السلم والأمن الدولي”، بخصوص قمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم. إلا أن الأعمال العدوانية في اليمن المستمرة حتى الساعة، منذ سبع سنوات، لم تتسبب في اتخاذ قرار دولي لوقف الحرب إنما لفرض عقوبات على جزء من الشعب دون الجهة المعادية مهملةً “حق تقرير مصيره”، ليسقط “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً” في اليمن ويتسع التمييز “بسبب الجنس أو اللغة أو الدين”.
وخلافًا للمادة السادسة من الميثاق، لم يتم فصل دول التحالف السعودي الإماراتي من عضوية الأمم المتحدة رغم إمعانها في “انتهاك مبادئ الميثاق”، والتي لا يمكن حصرها في انتهاك السلم والأمن الدولي وخرق سيادة الدول الأخرى والإمعان في قتل المدنيين من أهل اليمن.
تبرير العدوان قانونيًا
رغم انضمام اليمن إلى الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (29) عام 1947، والقاضي بضم اليمن إلى عضوية هيئة الأمم، إلا أنّ قرارات مجلس الأمن لم تكن منصفة بحقه. حيث دخل اليمن في عدة حروب وتعرض لعدوان خارجي في فترات زمنية مختلفة، وخلال تلك الفترات كانت القرارات الأممية ومجلس الأمن غائبة أو بعيدة عن الحل الحقيقي لتلك الحروب التي تتسم بالدعم الخارجي لأحد أطراف النزاع.
وبعد غياب أممي طال قرابة سبعة عقود، لم يصدر خلالها مجلس الأمن سوى أربع قرارات أمام عشرات الأحداث والحروب والاعتداءات الخارجية على اليمن. إلا أنه قد أصدر، منذ انطلاق الثورة الشعبية في 2011 ثمانية عشر قراراً بخصوص الأحداث في اليمن.
وصاية مجلس الأمن غير القانونية على اليمن
لا بد من عرضٍ لمخالفات مجلس الأمن في قراراته لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بالحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك ما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والتي حصرت تدخله على وجود حوادث تشكل خطراً حقيقياً يُهدد السلام والأمن الدوليين، أو في قمع جريمة عدوان على بلد ما، فمنذ بداية العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 وجّه مجلس الأمن إجراءاته لتشجيع تنفيذ “جريمة العدوان”، ما نقل الصراع في اليمن من نزاع سياسي داخلي بمواجهات عسكرية في إطار ضيق، تم السيطرة عليها إلى صراع ذي طابع دولي تورطت فيه عشرات الدول من مختلف قارات العالم وتوسعت جغرافيته لتشمل عدة دول وبما جعل مجلس الأمن ينتقل من حامٍ للأمن والسلم الدوليين إلى منتهك لهما وللقانون الدولي.
وفي سبيل ذلك سعى المجلس لفرض وصايته غير القانونية على اليمن من خلال أربع مراحل، وهي كالآتي:
المرحلة الأولى: كانت ممهدة لمحاولته تضليل المجتمع الدولي وإقناعه أن الحالة في اليمن تهدد الأمن والسلم الدوليين عبر القرار (2014) الصادر عام 2011 والقرار (2051) الصادر عام 2012.
المرحلة الثانية: أصدر القرار (2140) عام 2014 الذي قرر فيه المجلس أن الحالة في اليمن تهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة وفرض خلالها قرارات تتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية بموجب الفصل السابع، على الرغم من فشله في إثبات ولو حادثة واحدة تهدد الدول المجاورة أو السلام والأمن الدولي، بجانب تأكيده في مختلف قراراته بأن الأحداث في اليمن لا تتعدى الشأن والجغرافيا اليمنية، وأنها أحداث يغلب عليها الطابع السياسي فيما يتعلق بانتقال السلطة وتشكيلها، بل ورحب في القرار نفسه وبشكل غير مسبوق بالمتغيرات السياسية الإيجابية وتعاون جميع الجهات المعنية في اليمن في العملية الانتقالية.
نتيجة لذلك كان قرار مجلس الأمن رقم (2140) يُعد انقلاباً على المنظومة والقوانين والأعراف الدولية، كما كان هذا القرار مخالفة صريحة ومتعمدة لمقاصد وميثاق الأمم المتحدة وقراراته المحددة لأسباب التعامل مع الدول بموجب الفصل السابع، والمؤكدة عدم جواز التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية وانتهاك سيادتها ومصادرة حقوق شعبها في تقرير مصيرهم بدون أي تدخل أو تهديد خارجي.
المرحلة الثالثة: تمثلت في محاولة التفاف مجلس الأمن على نجاح ثورة الـ21 سبتمبر 2014 وإعلان كافة الأطراف والمكونات السياسية توقيع “اتفاق السلم والشراكة”، حيث اكتفى المجلس بالترحيب والدعوة للالتزام بالاتفاق.
بعد استقالة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، وخالد بحاح، وإعلان اللجنة الثورية العليا، كسلطة مؤقتة لإدارة البلد وإنقاذه من الفراغ الدستوري حتى تنفيذ بقية بنود “اتفاق السلم والشراكة”، وصولاً لانتخابات رئاسية ونيابية وتسليم السلطة سلمياً لمن يختاره الشعب، توالت بيانات الإدانة والشجب من دول مجلس التعاون الخليجي اختتمها مجلس الأمن بقراره (2201) الصادر في 15 فبراير 2015، حيث تراجع عن إلزام اليمنيين بالتقيد بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأعلن دعمه للمبعوث الأممي في رعاية الحوار الذي كان في ظل إدارة اللجنة الثورية العليا، للدولة، لم يحتوِ هذا القرار على أي إدانات لأعمال عنف أو تفجيرات، كونها انعدمت كالتفجيرات والأعمال الإجرامية لتنظيم القاعدة، وعادت المكونات للجلوس على طاولة الحوار في فندق موفنبيك، بالعاصمة صنعاء بإشراف ورعاية الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص جمال بن عمر.
المرحلة الرابعة: محاولات مجلس الأمن فرض الوصاية على اليمن تمثلت في تشجيعه ارتكاب دول التحالف جريمة العدوان على اليمن في 26 آذار/ مارس 2015، فعلى الرغم من استجابة القوى الوطنية والثورية لكافة طلبات المجلس الواردة في القرارات (2140) و (2201) و(2204)، وخلال فترة الأربعين يوماً من سياسة الصبر الاستراتيجي ، قامت قوات التحالف الذي تقوده السعودية بشن مئات الغارات على مختلف المحافظات اليمنية، ومجلس الأمن لم يقم بالدور المتوقع منه ولو بإصدار قرار يقضي بإدانة ووقف العدوان الذي لم يواجَه بعيار ناري واحد، بل شارك التحالف في جريمة العدوان بارتكابه مخالفتين جسيمتين لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني كالآتي:
المخالفة الأولى: بتجاهله إقدام التحالف على تنفيذ مُعلن لجريمة العدوان واستهداف المدنيين والتزم المجلس الصمت لعشرين يوماً نفّذ التحالف خلالها مئات الغارات على مختلف المحافظات اليمنية.
المخالفة الثانية: الجسيمة التي ارتكبها مجلس الأمن بحق اليمن والقانون والعرف الدولي، الذي سقطت من خلاله منظومة الأمم المتحدة ككل، حيث لم يتطرق نهائياً لإعلان التحالف وتنفيذه العمليات الهجومية على اليمن، وتغاضى بشكل متعمد وكلي عن المئات من جرائم الحرب التي راح ضحيتها آلاف المواطنين وترافقت مع قصف شعب بأكمله وفي مختلف محافظاته مسببةً دماراً هائلاً في البنى التحتية والأملاك العامة والخاصة، في محاولة لتضليل المجتمع الدولي وبعد ستة أيام من إصدار المجلس للقرار (2216) أعلن التحالف في 21 إبريل 2015 انتهاء عملية “عاصفة الحزم”، بحسب بيان الناطق العسكري للتحالف بعد 26 يوماً من بدء العملية التي التزم اليمنيون خلالها بضبط النفس وعدم الرد وإتاحة الفرصة لمجلس الأمن للقيام بمسؤولياته، الذي لم تصدر منه أي إدانة أو تدخل لإيقاف العدوان، ما شجع دول التحالف لاستمرار العدوان وإعلانها في نفس البيان عن عملية جديدة بمسمى “إعادة الأمل”، عادت فيها لقصف أراضي اليمن ومحاولة احتلالها.
جاء قرار مجلس الأمن رقم 2564 بعد صمت المجلس لقرابة سبع سنوات عن عدوان دول التحالف على اليمن، ولم يدن خلالها جريمة أو انتهاكاً واحداً قامت به قوات التحالف، ذلك القرار الذي أصدره مجلس الأمن في 25 شباط/ فبراير2021، كان قراراً استثنائياً ألغى التزامه بتطلعات الشعب اليمني، والذي كان يكرره في كل ديباجة من القرارات السابقة ترافق التزامه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، كما أعلن فيه لأول مرة إدانة أحد أطراف النزاع الذي نشأ نتيجة قيام دول التحالف بقيادة السعودية بعدوان مستمر على اليمن منذ 26 آذار/ مارس 2015 حتى تاريخه، لكن الإدانة لم توجه نحو الطرف الذي يقصف اليمن بالصواريخ والقنابل ليلاً ونهارا ويجوع شعبه بحصار مستمر منذ قرابة سبع سنوات، ولم تكن الإدانة لقتل واعتقال عشرات المسافرين والمسافرات ما بين مارب وصنعاء، بل كانت إدانة مجلس الأمن “الشديدة”، على : “التصعيد المستمر في مارب باليمن، بما في ذلك العملية التي نفذها الحوثيون في 7 شباط/فبراير 2021. وأيضاً على “استمرار هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، بما في ذلك على مطار أبها الدولي داعياً المجلس إلى “وقف فوري للهجمات دون شروط مسبقة”.
مؤخرًا، جدد القرار 2624، الذي صدر في 28 شباط/فبراير 2022، نظام العقوبات على اليمن لمدة عام، ووصف الحوثيين بأنهم جماعة إرهابية، وإدرج الحوثيين ككيان الى قائمة عقوبات اليمن، تحت حظر السلاح المستهدف في القرار 2216، لتورطهم في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن. وهذا ما يعني استمرار الهجمة الأممية على اليمن عبر قرارات مجلس الأمن، وهو استكمال لسلسلة القرارات السابقة، ويصب في إطار سياسية الهيمنة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة.
مبعوثي الأمم المتحدة: تقارير دون جدوى
يرتفع منسوب الأزمة السياسية اليمنية في ظل إصرار المنظمة عبر مبعوثيها على إغراق المجتمع اليمني والمجتمعات العربية في مزيد من الصراعات والأزمات، ومساعي هؤلاء المبعوثين الحثيثة نحو خلق مزيد من الانقسام، من خلال دعمهم المستمر للأدوات المحلية المنفذة لمشاريع التقسيم والشرعنة لها.
وحيث أن تقارير أممية قد أوردت عن تدهور الوضع الإنساني في البلاد، فضلا عن سقوط 377 ألف ضحية بشكل مباشر وغير مباشر في اليمن، فإن ذلك لم يترجم على أرض الواقع بأي إجراء يوقف الحرب، بل تحول إلى مجرد عداد للقتلى والجرحى وحالات المجاعة القاتلة التي يعاني منها الشعب اليمني.
التأثر الأممي بالموقف الأمريكي
تبدو الهيمنة الأمريكية ومحاولاتها المستمرة في الاستئثار على قرارات الأمم المتحدة جلية وواضحة في التحيز لدول العدوان وفرض عقوبات على الجهات الداخلية اليمنية السياسية والعسكرية. حيث تجاوزت الأمم المتحدة دورها الذي حددته المعاهدات والمواثيق التي أنشأت من أجلها المنظمة، في تعاطيها مع الملف اليمني الذي يتعارض كليا مع طبيعة مهامها واختصاصاتها الأساسية التي حددها ميثاق المنظمة.
فمنذ بدء العمليات العسكرية في اليمن دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد اليمن؛ وقد أتى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري على العمليات العسكرية التي تخوضها السعودية هناك، كما أشار إلى أن بلاده تدعم التحالف الذي تقوده السعودية من خلال مشاركة المعلومات الاستخبارية والإسناد اللوجستي إلى جانب المساعدة في عمليات التحديد والاستهداف. وفي بيان للمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي برناديت ميهان، عرضت العمليات العسكرية للحوثيين ضد الحكومة اليمنية، ولفتت إلى أن “أعمال الحوثيين تسببت في الفوضى، وهددت أمن وسلام المواطنين اليمنيين”.
أما على صعيد الدعم اللوجستي والاستخباري والعسكري، فقد أنشأت الولايات المتحدة غرفة عمليات مع السعودية “خلية التخطيط المشترك” لتنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية في اليمن وتوفير الدعم الأمريكي لتزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود للمعلومات، وتشير التقارير إلى أن الدعم الأمريكي اللوجستي والعسكري لعاصفة الحزم قد بلغ نحو 174 مليار دولار.