السفير القطري في طهران مجددا.. ما الذي أعاد المياه إلى مجاريها؟
الظروف التي تمر بها دول الخليج الفارسي ودولة قطر جعلت قرار الدوحة إعادة سفيرها إلى طهران غير مستغربا. هذا القرار يؤكد أمرين مهمين الأول أن قطر وبحركتها هذه قطعت الطريق على الكثير من التكهنات وأعلنت رفض المطالب السعودية لتسوية الأزمة فيما بينهم من جهة كما أنه يعبر عن اعتراف ضمني بالخطأ الذي ارتكبته الدوحة (سحب السفير من طهران) مسبقا تحت وطأة الضغط السعودي في حينها.
قطر كانت المتضرر الأكبر من قرار سحب السفير من طهران، القرار الذي أتى بسبب اللامنطق السعودي الذي كان ولا زال سائدا إلى اليوم. طبعا الطلب السعودي في حينها من الدول الخليجية بقطع علاقاتها مع طهران لم يلبى بالشكل الذي أرادته السعودية وفقط بضعة دول استجابت ولم تحقق أي نتائج من هذه الخطوة.
طبعا من الجدير الإشارة إلى أن قطر وعلى عكس السعودية والإمارات والبحرين لم تقفل سفارتها في طهران بل اكتفت بخفض مستوى التمثيل إلى القائم بالأعمال. اليوم وبعد حوالي السنة على هذه الخطوة وصلت قطر إلى قناعة أن سياسة المراعاة التي اتبعتها اتجاه السعودية لم تفدها بشيئ والأزمة الحالية وقطع العلاقات مع قطر خير شاهد على هذا الأمر. فالسعودية لا تقبل بمراعاة جزئية بل تريد تبعية كاملة لإرادتها.
هنا وبعد هذه الخطوة القطرية هناك سؤال يطرح نفسه وهو ما مقدار التأثر الإيراني والقطري من هذه الخطوة؟
في عالم السياسة ليس هناك من شيئ لا يملك تأثيرا ولو محدودا، كل حدث له تأثيره وحجمه في المعادلة. الأكيد اليوم أن الخطوة التي قامت بها قطر منذ حوالي العام اتجاه طهران لم تؤثر على طهران بالمطلق، بل على العكس أتت بتأثيرات سلبية على قطر نفسها، اليوم عودة السفير لها نفس التأثير الإيجابي على قطر التي لطالما استفادت من الورقة الإيرانية سياسيا وكانت ورقة رابحة بالنسبة للدوحة في مواجهة بعض الدول المجاورة.
اقتصاديا العلاقات الاقتصادية الإيرانية القطرية ضعيفة، اليوم وبسبب الأزمة مع السعودية باتت إيران بالنسبة لقطر مصدرا مهما لتأمين احتياجاتها الغذائية وخاصة الزراعية، والسبب القرب الجغرافي البحري بين البلدين مما يخفف تكاليف النقل وتأمين المواد الأولية التي باتت قطر بأمس الحاجة لها اليوم.
قطر في وقت سابق وكما معظم دول الخليج الفارسي رجحت استيراد المحاصيل الزراعية الأقل جودة على أن تستورد احتياجاتها من المحاصيل الزراعية الإيرانية ذات الجودة العالية والقليلة الكلفة بسبب قرب المسافة. اليوم من المتوقع أن تغير قطر هذه السياسة وقد بدأت بالفعل بوادر هذا الأمر تظهر.
عودة السفير القطري إلى طهران تعطي جوابا على سؤال مهم آخر وهو: هل يمكن أن تستمر دول المنطقة بمقاطعة طهران؟. كلا. هذا ما يؤكده عودة السفير القطري، والسبب أن إيران دولة كبيرة لها ثقلها وتأثيرها على الملفات والصراعات من الهند شرقا وصولا إلى المغرب غربا. ولذلك فإن قطع العلاقات ولو مرحليا سيؤدي حتما إلى خسارة لدول المقاطعة ولن تطول المدة حتى تعود هذه الدول بسبب الإلزامات السياسية والجغرافية للتنسيق وفتح العلاقات مجددا.
هنا من الجيد الإضاءة في المقابل على سياسة إيران واستراتجيتها في العلاقة مع دول المنطقة والعالم. فطهران تؤكد دوما على حسن الجوار والعلاقات البناءة. كما أنها لا تضغط على حلفائها من أجل تحديد سياساتهم ولا تضغط على أحد أراد قطع العلاقات مع طهران ولا تطلب منه العودة. السبب هو سياسة القوة الناعمة في الدبلوماسية الإيرانية.
إيران لا تريد التأزيم في المنطقة، وعلاقاتها السياسية مبدئية ومتزنة وليست متذبذبة كما بعض الدول الأخرى. وهذا الأمر أدركته قطر بعد أن حاولت إرضاء السعودية وقد وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم. ولذلك عادت قطر اليوم لتعزيز العلاقات مع طهران، علاقات تهم الدوحة أكثر من طهران وتعود بالفائدة الاقتصادية والسياسية على الدوحة قبل طهران فهل ستدرك الدول الأخرى المقاطعة هذا الأمر أم أنها ستستمر بسياسة التصعيد الغير مجدية والتي لا تصب بمصلحة أحد من دول المنطقة بالمطلق.
ختاما من الجيد تسليط الضوء قليلا على أسلوب الدبلوماسية السعودية في بناء العلاقات وما يترتب على هذه السياسة من أزمات نشهدها اليوم في الساحة العربية والخليجية. فالرياض وعلى عكس طهران تسعى لبناء تبعيات وليس علاقات متكافئة تريد من خلالها فرض أجندتها. ناهيك عن التعقيدات السياسية في نظام الحكم السعودي القائم على أساس قبلي عائلي غير ديمقراطي. كما أن هناك العلاقة السعودية الأمريكية تفرض بدورها على السعودية اتباع سياسات تؤمن مصالح الأمريكيين قبل دول المنطقة وهذا الأمر أدى ولا يزال لخلق توترات وأزمات في الكثير من الدول العربية والخليجية.