السعودية و’داعش’ التي صنعتها
كامل داوود ـ “نيويورك تايمز”
ترجمة موقع “العهد”
“داعش” الأسود، و”داعش” الأبيض. الأوّل يشقّ الحناجر، ويقتل ويرجم ويقطّع الأيدي، ويدمّر إرث الإنسانية المشترك، ويهزأ بالآثار والنساء وغير المسلمين. أمّا الآخر فيرتدي ملابس أفضل وأكثر ترتيباً، ولكنّه يقوم بالأمور نفسها. داعش، المملكة العربية السعودية. وفي صراعه ضدّ الإرهاب، يشنّ الغرب حرباً على أحدهما، ويصافح الآخر. هذه آليّة الرفض، وللرفض ثمن: الحفاظ على التحالف الإستراتيجي الشهير مع السعودية على محكّ نسيان أنّ هذه المملكة تعتمد أيضاً على تحالف مع رجال دين يصدّرون الوهابية، ويشرّعونها وينشرونها، ثمّ يدعون لها ويدافعون عنها. والوهابية هي الشكل الأكثر تزمّتاً من أشكال الإسلام، الذي يتغذّى عليه تنظيم “داعش”.
المقال المنشور في نيويورك تايمز
والوهابية، هي تطرّف نشأ في القرن الثامن عشر، تسعى إلى استعادة الخلافة المزعومة القائمة في الصحراء، وعلى كتاب مقدّس ومكانين مقدّسين هما مكة والمدينة. نشأت الوهابية بين المجازر والدماء، وتظهر على أنها على علاقة سريالية مع المرأة، ومنع غير المسلمين من وطء الأرض المقدّسة، وقوانين دينية شرسة. وهذا ما يترجم على أنّه كراهية وسْواسية للتماثيل والصور، وبالتالي للفنّ، وأيضاً للجسد والعري والحريّة. فالسعودية هي “داعش” التي صنعت نفسها.
ونكران الغرب للسعودية ضارب: فهو يرحّب بالحكومة الدينية على أنها حليف له، ولكنّه يتظاهر بعدم ملاحظته أنها أكبر رعاة فكر ثقافة “الإسلام السياسي” في العالم. فالأجيال الصغيرة بين المتطرّفين فيما يسمّى بالعالم العربي لم يولدوا على أنّهم “جهاديون”. فقد نشأوا على نوع من “الفتاوى”، وهي نوع من الفاتيكان الإسلامي مع صناعة واسعة تنتج علماء الدين والقوانين الدينية والكتب وسياسات تمهيدية عدوانية وحملات إعلامية.
وعلى المرء أن يواجه التالي: أليست السعودية نفسها هدفاً محتملاً لداعش؟ بلى، ولكن للتركيز على هذا الأمر على المرء أن يتطلّع إلى قوة العلاقات بين العائلة الحاكمة ورجال الدين الذين يعلّلون استقرارها، وأيضاً بشكل متزايد يعلّلون تداعيها. لقد علق الملوك السعوديون بفخّ محكم: فقد أضعفتهم قوانين التوارث التي تحثّ على الانقلاب، وهم يلتزمون بالروابط المتوارثة بين الملك ورجل الدين. ويصدّر الشيوخ السعوديون “الإسلام السياسي”، الذي يهدد البلد ويمنح النظام شرعيّةً على حدّ سواء.
على المرء أن يعيش في العالم الإسلامي كي يفهم التأثير التغييري العميق لمحطات التلفزة الدينية على المجتمع من خلال النفاذ إلى روابطه الضعيفة: الأسرة والنساء والمناطق النائية. وثقافة “الإسلام السياسي” منشرة في دول عدّة، منها الجزائر والمغرب وتونس وليبيا ومصر ومالي وموريتانيا. وهناك الآلاف من الصحف “الإسلامية” والشيوخ الذين يفرضون رؤية توحيدية للعالم والتقاليد والملابس على الفضاء العام، وعلى تعبير الحكومة عن القوانين، وعلى طقوس المجتمع التي يظنّون أنها مدنّسة.
وتجدر قراءة بعض الصحف “الإسلامية” لرؤية ردّات فعلها على اعتداءات باريس. فالغرب هو أرض “الملحدين”. والاعتداءات جاءت نتيجة الهجوم على الإسلام. لقد أصبح المسلمون والعرب أعداء العلمانيين واليهود. والقضية الفلسطينية ترتبط باغتصاب أرض العراق والذاكرة الاستعمارية، وهي مغلّفة ضمن خطاب مسيحي يحدث الفتنة بين الجموع. هذا الكلام ينتشر ضمن الفضاءات الاجتماعية التالية، في حين أنّ فيما سبق، يرسل القادة السياسيون تعازيهم إلى فرنسا ويدينون جريمة ضدّ الإنسانية. هذه حالة انفصام كاملة توازي إنكار الغرب للسعودية.
وهذا كلّه يشكك في إعلانات الديمقراطيات الغربية الهادرة حول ضرورة محاربة الإرهاب. فحربهم يمكن فقط أن تكون قصيرة النظر لأنها تستهدف النتيجة بدلاً من السبب. وبما أنّ “داعش” ثقافة في المقام الأول وليست ميليشيا، كيف تمنعون أجيال المستقبل من التحول إلى “جهاديين” عندما يكون تأثير “الفتوى” والشيوخ والثقافة والصناعة التمهيدية العميقة متكاملاً؟
هل أنّ علاج المرض بالتالي أمر أسهل؟ نادراً ما يكون كذلك. فالسعودية تبقى حليفاً للغرب في ألعاب الشطرنج الكثيرة التي يلعبها في الشرق الأوسط. هذا ما تفضّله إيران، “داعش” الرمادي. وهنا يكمن الفخ. فالإنكار يخلق وهم التوازن. “والجهاد” مدان لأنه بليّة هذا القرن، ولكن لا يوجد اعتبار للذي أوجده أو الذي يدعمه. وهذا قد يحافظ على الوجوه ولكنه لا يحافظ على الأرواح.
لدى “داعش” أم، هي غزو العراق. ولكن له أب أيضاً وهو السعودية ومجمعها الصناعي الديني. وإلى أن يتمّ فهم الأمر، قد يتمّ ربح المعارك، ولكن ستتمّ خسارة الحرب. سيموت “الجهاديون” فقط كي يولدوا من جديد في أجيال المستقبل ويتربّوا على الكتب نفسها.
لقد جعلت اعتداءات باريس هذا الأمر يبرز مجدداً، ولكن كما حصل بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، هناك خطر أن يمحى من تحليلاتنا ومن ضمائرنا.
[ad_2]