السعودية وداعش: أزمة القبيلة والدين
موقع العهد الإخباري ـ
حسام مطر:
تاريخياً، نشأ حكم آل سعود على أساس “الإعتماد المتبادل” بين القبيلة (آل سعود) والدين (محمد بن عبد الوهاب)، أي عصبية العشيرة ومشروعية الدين، كلاهما شد عضده بالآخر. طغت هذه المعادلة منذ قيام الدولة السعودية الأولى، وصولاً الى القيامة الثالثة مع سلالة عبد العزيز. إلا أنه بمرور الوقت ظهرت إشكالية إفتراق السياسي عن الديني، وذلك بسبب تغير الدور السياسي لآل سعود في مقابل شبه جمود في المؤسسة الدينية. ففيما كان آل سعود يكيفون دورهم السياسي وسلوكهم الشخصي بناء على إكتشافات الطاقة وإلتزامهم دور الوكيل للهيمنة الغربية في المنطقة، إلا أنهم في ذات الوقت إحتاجوا لحفظ تشدد وأصولية المؤسسة الدينية من باب إدامة تسلطهم في الداخل، فالمؤسسة الدينية هي الجهار الثقافي لهيمنة آل سعود داخل المملكة. إذاً وبمرور الوقت إتجه آل سعود في السياسة نحو الإنتهازية المفرطة وفي الدين نحو التشدد المفرط، إلى أن بدأت تبرز بشكل جليّ آثار هذا الإفتراق والتناقض منذ بداية الثمانينات.
على أثر إنقلاب أسامة بن لادن على الولايات المتحدة ونظام آل سعود بعد طرد السوفيات من أفغانستان، حاول السعوديون إحداث بعض التغيير في المؤسسة الدينية لشرعنة الدور والسلوك السياسي للمملكة، فجرى ترويض جزء أساسي من المجال الديني. إلا أنه بفعل حاجة السعودية لاحقاً لضخ جرعات من التنظير المذهبي – التكفيري داخل المملكة وخارجها في سياق المواجهة مع إيران، ووجود جزء من البيئة الدينية خارج سيطرة المؤسسة الدينية الرسمية، وثم حاجة المملكة لإدامة قمع المؤسسة الدينية بشكل متزايد لمواجهة التحولات الإجتماعية – السياسية، تضخم التوتر والتناقض بين المجالين السياسي والديني داخل المملكة. في ظل هذا الفالق نشأت جماعات “المعارضة التكفيرية” التي نجح السعوديون في إختراق بعضها وتوظيفها فيما نجحت بعض هذه المعارضة في البقاء مستقلة عن النظام السياسي ونجحت في نسخ خيوط الـتأييد والنصرة مع بيئة شعبية حاضنة داخل المملكة ومع بعض المجال الديني الذي يسيطر عليه الحنين لنموذج “الدولة السعودية الأولى وطهرانيتها” وأصوليتها.
كما إستغلت السعودية تنظيم “القاعدة” ثم إصطدمت معه، تصطدم اليوم مع تنظيم “داعش” بعدما إستغلته في سوريا خلال السنوات الماضية. يفترق تنظيمي “القاعدة” و”داعش” حول ترتيب الأولويات إلا أنهما يلتقيان على ضرورة إسقاط آل سعود لأسباب عدة، الوصول الى النفط، الإمساك بمشروعية مكة والمدينة وثم للتوسع في الفتوحات “الإسلامية” وإقامة الخلافة. تطور دور وحجم “داعش” أكثر مما تصوره السعوديون، ويعود جزء أساسي في هذا “التضخم” الى الدور التركي، وهذا ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول نوايا الأتراك من توظيف “داعش”، هل يشمل أيضاً الضغط على السعودية؟ نتيجة لهذا الواقع، إضافة لتخوف آل سعود من إعادة تظهير صور المملكة كدولة راعية للإهاب كما حصل عقب هجمات 11 أيلول، ونتيجة الضمانات الأميركية لدور السعودية في المنطقة، إنخرطت السعودية في التحالف الأميركي لمواجهة “داعش” في نسختها العراقية بدايةً.
أدرك النظام السعودي أن إنتقاله لمواجهة “داعش” سيفرض عليه تحديات داخلية عدة من حيث ردة فعل البيئة الحاضنة داخل السعودية وجزء من البنية الدينية إضافة الى ردود فعل من العدو المستهدف أي “داعش”. بناء عليه إنطلقت حملة إعلامية – دعوية مركزة وشرسة تستخدم مجادلات شرعية، سياسية، ووجدانية لنزع المشروعية عن “داعش” والمروجين لها حتى من داخل المؤسسة الدينية بل وطالت الإنتقادات “جامعة الإمام محمد بن سعود” وإدارتها ومناهجها. وقد وصل مستوى الحملة الدعائية الى حد مطالبة أحد الصحافيين السعوديين بالدعوة للتعبئة العامة الشعبية لمواجهة “داعش” كما حصل غداة إجتياح نظام صدام حسين للكويت. غداً سيسقط المئات وربما الالاف من “الدواعش” السعوديين في حملة القصف الجوي الأميركي المقنن سعودياً، وهو ما سيزيد التوتر الداخلي في المملكة ويعزز أزمة الدين – القبيلة ( السياسة) وستطرح الأسئلة من داخل السعودية على نظام آل سعود، لماذا تقتلون من يقاتل الكافر الغربي أو الإيراني أو الشيعة والنصيرية، أوليست هذه تعاليمكم؟ التناقضات هي ميزة الحكم السعودي، نظام قابع في حقل ألغام متعدد الطبقات، حقلٌ صنعه بنفسه وسيحط فيه يوماً ما بعد أن ينفذ منطاده من الهواء، منطاد لا يملك إمكانية الإرتفاع بعد اليوم.