السعودية: المُلك.. لم يعد لله
موقع إنباء الإخباري ـ
سحر بلوط:
عند دخول أي مَلكية في بلد إسلامي لا بد وأن ترحّب بك عبارة “الملك لله”. ولكن في مملكة آل سعود يختلف الأمر، فهناك لا مكان لإلهين، ولذلك قرر أولياء الأمر تنصيب إله واحد والاكتفاء برب سماء واحد أحد على العلم فقط. وبذلك تم الاستغناء عن قيم القرآن والاكتفاء بما يجده الملك أكثر إلزاماً من كتاب الإله نفسه.
قرابة الثمانين عاماً مرت على توحيد المملكة، مملكة قامت على أنقاض عدد من الإمارات والممالك. اشترت تاريخها بالمال والنفط وصنعت لنفسها مجداً شهد له أعظم الرؤساء الذين ما بخلوا يوماً عليها بسلاح أو دعم دولي أو حتى كأس شمبانيا. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على تقبّل الآخر ولو كان صهيونياً ورحابة صدر الإسلام المُسعوَد المتقبّل للخمر واللواط والدعارة السياسية. نعم، هي ممكلة قامت على الاغتصاب وضربت بعرض الحائط كل قيم النبي الأكرم فلم يبقَ من ذكر للرسول (ص) في السعودية إلا كإعلان تجاري باسمه على راية المملكة الهشّة إنسانياً واجتماعياً وسياسياً… ودينياً كذلك.
من القطيف والعوامية، بدأت أولى شرارات الثورة وتحديداً في الثالث من آذار2011، حين انطلقت مسيرات احتجاجية وبمشاركة نسائية ملفتة مطالبة بالإفراج عن رجل الدين الشيعي توفيق العامر الذي اعتقل بسبب دعوته إلى قيام ملكية دستورية ورفع التمييز الطائفي، وعن “سجناء منسيين”. في اليوم التالي كانت “جمعة الحشد” تلتها “جمعة الغضب”، وفي الجمعة الثالثة أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز وعوداً بالإصلاح ومكافحة الفساد، ومخصصات مالية بمليارات الدولارت لرفع الأجور، وتوفير آلاف الوظائف، وبناء نصف مليون وحدة سكنية للعاطلين عن العمل والموظفين والطلاب متوعّداً بضرب كل من يحاول زعزعة استقرار المملكة.
وطبعاً حافظ الملك على وعده الأخير فقط، وضرب الثائرين، بالأخص الشيعة منهم، ضربات متتالية موجعة حدّ الموت تحت التعذيب، متهّماً إياهم بالعمل وفقاً لأجندة إيرانية تهدف إلى أذية المملكة لا أكثر، رغم تأكيد ناشطين من الطائفة السنية أنهم يشاركون أهل القطيف والعوامية مخاوفهم وهمومهم ومطالبهم، لكن مصلحة المملكة اقتضت حصر الحراك بالطائفة الشيعية، واصفة إياه بالتمرّد على أسياد نعمتهم.
قُمعت الاحتجاجات دون رحمة وبوحشية تضاهي حياة الغاب، وألقي القبض على مئات الأشخاص الذين احتجوا أو تجاسروا على المطالبة بالإصلاح. واستمر التعذيب، فتطوّرت أساليبه كما استمرّت المحاكمات غير العادلة، والعقوبات القاسية من جلد وتعذيب نفسي وإعدام شمل 82 شخصاً. ثم فُرض حظر تام فتأجّل “يوم الغضب” أكثر من مرة.
وقد أُقرّت “إصلاحات” كثيرة منها:
1. التشدد بقانون الصحافة والمطبوعات ليغطي ما ينشر على صفحات شبكة الإنترنت تقييداً لحرية التعبير
2. إعتقالات دون توجيه أي تهم ولفترات طويلة شملت مدافعين عن حقوق الإنسان، وأنصاراً سلميين للتغيير السياسي، وأفراداً من الأقليات الدينية، وغيرهم من المطالبين بالإصلاح.
3. إعتقال رجال الدين الشيعة ومنع إقامة الشعائر الدينية وهدم مقامات وأضرحة.
4. إقفال منابر ومساجد واعتقال خطباء ورواديد شيعة.
5. إستنباط تهمة ” عصيان ولي الأمر في المملكة العربية السعودية” وعقابها أشدّ من الكفر والزنى طبعاً.
6. إعتقال أساتذة وأطباء ومحامين و… أطفال
7. إمداد المنتفضين على الملك والنظام، خاصة الشيعة منهم، بخدمات الكهرباء والماء حتى الخدمات الجنسية فتم استعمال كابلات الكهرباء للجلد، وخراطيم المياه وصفع أبدانهم العارية، وخزانات المياه للتعذيب بإيهام الغرق. أما الخدمات الجنسية فتنوّعت بين استعمال هراوات أفراد الشرطة واستخدام الآلات الحادة أو استخدام دليل الرجولة الوحيد الذي يحمله أي خاضع لأمر الملك.
8. الإعدام، منه ما نفّذ مباشرة على الأرض دهساً بسيارة الشرطة أو برصاص حي أو… بما يرضي الإله.
هذه الإصلاحات التي وعد الملك وغيرها، لم تلقَ ترحيباً إلا من المجتمع الدولي، فقد اكتفى بالتنديد الذي لم يطل بعمر ناشط حقوقي يوماً. والسكوت من المراقبين الدوليين على حقوق الإنسان ما هو إلا مشاركة بالجريمة، فما ينفع المعتقل تقرير من هنا واستنكار من هناك.
وتبقى المشكلة في الحراك السعودي أن الشعب المنتفض لم يجرّب يوماً قدرته على الرفض والانقلاب، بل لم يفقه وجودهما حتى يوم الغضب، الذي لم يك بالنضج الكافي كي يستمرّ بنفس العزيمة. وكما قال الناشط الحقوقي محمد فهد القحطاني فإن الشعب لا يملك ثقافة الثورة ولم يزل حراكه متواضعاً، بل وإن الطلب منه أن ينتفض بشكل كامل “كالطلب من طفل في صف الحضانة أن يكون عالماً نووياً”. لكن باعتقادي فإن العقود الماضية كانت كافية لاشعال بركان لا تخمده أي قوة على وجه البسيطة. ويبقى لنا أن نأمل بالثورة خيراً في العام الجديد وأن نساند ولو بالكلمة حق الشعب السعودي بنظام دستوري عادل يراعي اختلاف الطوائف والمذاهب ويعطي الأقليات حقّها الإنساني والاجتماعي والسياسي وحق الإنسانية البديهي بإلغاء النظام الملكي المتعفّن، المغتصب لثروات الأرض والبشر، والذي يعيث بالمملكة وجيرانها فساداً وجوراً.
وإن كانت أولى الخطوات ضعيفة، فلا بد من أن تستمر المسيرات وتستمد من عذابها وقمعها القوة والثبات في مواجهة النظام لاسقاط الدين السعودي الذي لا يمت للإسلام بصلة ويستقي من الوهابية الدخيلة على الإسلام عدوانتيها والتي تدعو إلى تطهير أمة الإسلام من الشرك في حين أنها تمارس، بعبادة الملك، الشرك بعينه وتبيح الممارسات الهمجية والحيوانية بحق من يخالفها الرأي والمعتقد.