«الحوثيّون» نحو «احتلال صنعاء… سلمياً
خطاب مفصلي خرج به زعيم جماعة «أنصار الله»، أمس، أكد فيه أن الصمت عن تجاوزات الحكومة اليمنية واستهتارها بمطالب الشعب لا يمكن السكوت عنهما، داعياً إلى مسيرات كبيرة لإسقاطها. تزامن ذلك مع انتشار كثيف لأنصاره «سلمياً» في العاصمة ومحيطها
الحوثيون في صنعاء كانوا جماعة متمردة في الشمال اليمني، ثم تمددوا جنوباً حتى وصلوا إلى تخوم العاصمة اليمنية. يوم أمس، أعلن زعيمهم عبد الملك الحوثي معركة إسقاط الحكومة اليمنية، المنبثقة عن نظام مدعوم من السعودية والغرب. عملية لا يريدها عسكرية، كما جرت العادة في معارك «أنصار الله» السابقة.
هذه المرة، يريد الحوثي استعراض قوته داخل العاصمة صنعاء، و«سلمياً». أنذر الحكومة اليمنية حتى يوم الجمعة من أجل التراجع عن قراراتها الاقتصادية الأخيرة، وخاصة قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، محذراً من أي اعتداء على الحشود التي دعاها إلى «الخروج والثورة» في مسيرات كبيرة تشمل البلاد كلها، وخاصة العاصمة صنعاء.
يصعب فصل خطاب الحوثي المفاجئ أمس عن الأحداث العسكرية والسياسية الجارية في المنطقة، وتحديداً في العراق، حيث أسقطت إيران ـــ مع حلفائها ـــ حليفها الفائز بالانتخابات نوري المالكي، الذي يُجمع خصوم إيران على رفض ترؤسه الحكومة في بلاد الرافدين، متسلحين بتقدم «داعش» في المحافظات الشمالية والغربية. أما في اليمن، فيبدو حليف إيران الأوثق، الحوثي، مصمماً على تعديل كفة الميزان، من خلال إسقاط النظام الموالي للرياض وواشنطن. إسقاط لا يعني بالضرورة خلع الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل الاكتفاء ـــ مرحلياً ـــ بامتلاك حق النقض «الفيتو» في العملية السياسية. وهذا التحرك يستند إلى التفوق الميداني للحوثيين على حساب الجيش وخصومهم السلفيين والإخوان من جهة، وإلى الاحتضان الذي تؤمنه للحوثيين إيران وحلفاؤها. بدا ذلك جلياً من طريقة تعامل الإعلام الإيراني وإعلام حزب الله مع الحدث اليمني، أمس. ففيما روّجت قناة «المنار» التابعة للحزب لخطاب الحوثي، ونقلته مباشرة ثم فتحت هواءها للتعليق عليه، كانت وكالة «فارس» الإيرانية تنقل في وقت متأخر أمس، عن «مواقع» لم تسمها، أن مصادر أمنية واستخبارية يمنية أكدت أن المئات من جماعة أنصار الله «انتشروا في مناطق عدة من العاصمة صنعاء استعداداً للسيطرة عليها». ونقلت المصادر عن قادة من الحوثيين أنهم أعدوا خطة لإسقاط صنعاء، وقسموها إلى عشر مناطق جغرافية ينتشر في كل منها المئات من «كتائب الحسين» المسلحة، وهي من أقوى الكتائب التابعة لهم.
هذه التطورات استدعت تدخل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر، الذي التقى الرئيس اليمني أمس «لمتابعة المستجدات المحلية ويجري على ضوئها تقديم إحاطة لمجلس الأمن الذي سيجتمع في 25 الجاري للوقوف على الوضع».
ورسم الحوثي، في خطاب مفاجئ مساء أمس، خريطة الطريق للتحركات التي تنطلق اليوم في صنعاء وباقي المحافظات. وحدد في ستة بنود النقاط التي سيعمل عليها في الأيام المقبلة، وفي مقدمها الاحتشاد بمسيرات ضخمة «من كل الأحزاب والطوائف» تتجه لاحقاً إلى العاصمة، إضافة إلى افتتاح مخيمات وساحات للاعتصام، على أن تتخذ «خطوات مزعجة للمستهترين بالشعب» لاحقاً في حال عدم استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين.
وبعدما حذر من المساس بالمتظاهرين، أكد أن جماعة أنصار الله لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي جرائم «ترتكب بحق أبناء شعبنا». كما توجه إلى الشرفاء في القوات المسلحة والأمن بدعوتهم إلى أن يكونوا في صف شعبهم «وألا يقبلوا بأن يكونوا أداة بأيدي الفاسدين». وعن الأهداف والمطالب، قال إنها محددة وواضحة وأولها إسقاط الجرعة، و«الحكومة الفاشلة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي بقيت حبيسة الأدراج وبعيدة عن الواقع العملي».
وجاءت كلمته عشية استعدادات أعلنتها الجماعة للخروج في تظاهرات، هي الثانية من نوعها، للمطالبة بإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية (الجرعة) وإسقاط الحكومة. ومن المقرر أن تنطلق المسيرات في ثلاثة أماكن في وسط العاصمة وجنوبها وشمالها.
في غضون ذلك، دعت وزارة الداخلية إلى تشديد الإجراءات الأمنية في مناطق الحزام الأمني المحيطة بأمانة العاصمة، مشددةً على منع دخول أي سلاح إلى صنعاء بما في ذلك الأسلحة المرخصة.
وشدد على أن «أنصار الله» يعبرون عن الشعب بكل فئاته، وخاصة أن الحكومة منذ بداية مسارها تحدثت عن الحكم الرشيد، «لكنها تنصلت من كل ما وعدت به وتوجهت إلى الإقصاء واقتصرت على تنفيذ رغبات النافذين».
أما عن مسيرة الإنذار التي خرجت الأسبوع الماضي، فقال زعيم «أنصار الله» إن الخروج «في ذلك اليوم المشهود كان عظيماً ومليونياً، وكان ينبغي لأولئك الصم البكم العمي أن يروا تلك المشاهد لشعبنا وهي تؤكد أنها لن تتراجع إلى الوراء»، مشيراً إلى أنه ما كان ينبغي صرف مبالغ هائلة من الميزانية العامة من أموال الشعب لمصلحة تمويل فتن وحروب حزب الإصلاح (المقرب من الإخوان المسلمين).
ولم يفت الحوثي الحديث عن «التخاذل العربي تجاه القضية الفلسطينية» ووصفه بأنه وصل «إلى مستوى التواطؤ مع العدو الإسرائيلي». وقطع الطريق على المبادرات الخليجية والدولية من خلال التأكيد أنه لا يمكن الرهان على دور خارجي، بل «لا أمل في الحكومة نفسها بعدما أثبتت أنها لا تحترم الشعب».
وكان الرئيس اليمني قد انتقد أمس الذين «لا يريدون الحوار ويفتحون جبهات الحرب في شمال وجنوب البلاد ويعملون على خلق الإحباطات»، وذلك بتلميح إلى تنظيم القاعدة الذي تخوض معه السلطات حروباً في محافظات عدة جنوب البلاد، وأيضاً إلى الحوثيين الذين يقاتلون في محافظة الجوف (شمال) بعد سيطرتهم الشهر الماضي على محافظة عمران.
وأشاد هادي، خلال استقباله مشايخ وشخصيات من مديريتي حراز وصعفان التابعتين لصنعاء، «بالمواقف الأخوية النبيلة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الذي بادر بصورة سريعة إلى تقديم الدعم من المشتقات النفطية التي كانت منعدمة في اليمن تماماً».
أمنياً، تواصلت اشتباكات في محافظة الجوف، شمال البلاد، وأسفرت عن مقتل 8 أشخاص، 7 منهم من الحوثيين وعضو من عناصر لجان الدفاع الشعبي (مسلحين قبليين)، وفق مسؤول أمني، وهو ما يرفع عدد القتلى منذ يومين إلى 50.
وكانت لجنة وساطة رئاسية قد وصلت أمس إلى الجوف في إطار حلّ النزاع، بعدما دعاها هادي إلى متابعة عملها وذلك عقب انسحابها الخميس الماضي، معلنةً إخفاق جهودها.