الحريري يتحرّك .. روايتان عن التأخير الحكومي
على الرغم من التأكيدات الصحافية عن أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بدأ حراكاً متجدداً لم يفصح عن ماهيته ، وهو على الرغم من كونه حراكاً خجولاً حتى الآن، فإنه قد يمهد للقاء قريب بين الحريري وبين رئيس الجمهورية، خصوصاً ان الرئيس المكلف أوفد في الساعات الاخيرة الوزير غطاس الخوري الى قصر بعبدا، من دون ان ترشح اي معطيات حول نقاط البحث التي تمّ بحثها في القصر الجمهوري، بحسب مصادر لـ”الجمهورية”.
و لم تستبعد المصادر قيام الحريري بجولة جديدة من الاتصالات مع “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي، في وقت لم تنقطع فيه اتصالات الحريري ببري بشكل شبه مستمر، إن هاتفياً او عبر الوزير علي حسن خليل.
وفي السياق، أشارت صحيفة “النهار” الى ان الاوساط المعنية بمراقبة وتيرة الدوامة التعطيلية باتت تتعامل مع دفاتر الشروط التي تطرح تباعاً وراء الكواليس لاحداث توزيع للقوى داخل الحكومة العتيدة يحفظ التفوق وليس فقط الثلث المعطل لفريقي رئيس الجمهورية وتياره والقوى الحليفة الاخرى لهما، كأنها نذير تصعيد منهجي متدرج لا يبدو انه سينتهي في وقت قريب ولو نجح الرئيس الحريري حتى الآن في تعطيل انفجار سياسي يراد منه ان يحرج الرئيس المكلف ليخرجه، وكان كلامه واضحاً قبل يومين انه يسعى الى البقاء على اتصال وعلاقات دائمة مع القوى الاساسية التي ستضمها الحكومة.وتدرج الاوساط هذا الموقف في اطار ادراك الرئيس المكلف جدية ما يضمر له بعض الافرقاء السياسيين، فيما يصر على احباط محاولات التلاعب بالطائف التي برزت أخيراً على السنة شخصيات سياسية معروفة الاتجاهات والارتباطات الخارجية.
وقالت مصادر وزارية معنية بالتأليف لـ”الجمهورية”: انّ المسؤولية يتقاسمها الشريكان في التأليف، أي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فكلاهما يقاربان هذا الملف، كلّ من زاويته، ولا يبادران في اتجاه اي حلحلة، وكلاهما يرمي المسؤولية على الآخر. وفي النهاية كلاهما محشوران فلا رئيس الجمهورية يستطيع ان يحتمل ان يبقى عهده مشلولاً حكومياً، وتبعاً لذلك لا يستطيع ان ينأى بنفسه عن واجب القيام بمبادرة تنتشل الحكومة من حقل التعقيدات العالقة فيه، ولا الرئيس المكلّف يستطيع ان يبقى مُستنكفاً عن التحرّك الفاعل الجدي والمجدي والمبادرة الى طرح افكار وحلول ومخارج تكسر حلقة التعطيل، وتدفع في اتجاه التأليف.
الّا انّ هذه الصورة لا يبدو انها ستنقشع، بالنظر الى التباين الذي تبدّى في الآونة الاخيرة، فمصادر بارزة في تيار المستقبل اكدت لـ”الجمهورية”: ان الرئيس المكلف لا يعتبر الكرة في ملعبه، فهو ماض في العمل من اجل توليد حكومته، ضمن سقف صلاحياته الدستورية، وسبق له ان أعدّ صيغاً عديدة لحكومته، تراعي الشراكة والوحدة الوطنية والتوازن، ولكنها لم تلق التجاوب المطلوب معها.
اما في المقابل، فأشار مطلعون على اجواء بعبدا، الى انّ رئيس الجمهورية ما زال ينتظر ان يبادر الرئيس المكلف، وفق المسلمات التي طرحها عون، الى تأليف حكومة وحدة وطنية تقوم على احترام نتائج الانتخابات ولا احتكار للتمثيل الطائفي من قبل اي طرف، والا يأخذ اي طرف زيادة عن حجمه.
لكن الاوساط المتابعة لازمة التشكيل بدت متشائمة بالمدة التي ستسهلكها الازمة قبل التوصل الى حلها. واعربت عن خشية كبيرة ان تتسبب الازمة ان طالت باستدراج العوامل الاقليمية اكثر فاكثر من باب الربط القسري للواقع اللبناني باوضاع اقليمية متفجرة. ولاحظت ان البعد الخارجي لازمة التشكيل بدأ يعكس ازدواجية تأثر لبنان بالواقع الخارجي الاقليمي. فثمة جانب حديث من تأثيرات الازمة السورية التي بات معها رئيس النظام حريصاً على اعادة مد اصابعه الى الساحة اللبنانية.
و تتداول الاوساط السياسية عبر “الجمهورية” روايتين حول مسار التأليف. الأولى، تلقي المسؤولية على الرئيس المكلف باعتباره لم يضع معياراً معيناً من بداية مراحل التأليف واشتغل على اساسها، فلكان بذلك قد وفّر الكثير من الوقت، وجَنّب التأليف حالة المد والجزر التي سادته.
واللافت في هذه الرواية لحظها انّ اللقاء الاخير بين عون والحريري لم يكن سلبياً بل على العكس، شهد تقدماً على خط التأليف، بعدما طرح الرئيس المكلف على رئيس الجمهورية صيغة جديدة لحكومته، يمكن القول انها حظيت بشبه توافق عليها، حتى على حجم كل طرف، وخَلت من ثلث معطّل لطرف بعينه في الحكومة، الّا ان بعض النقاط بقيت عالقة وتتطلب معالجة، وان الحريري أخذ على عاتقه في هذا اللقاء معالجة عقدتي تمثيل القوات والاشتراكي، الا ان هذه المعالجة لم تحصل.
وتشير هذه الرواية الى ان الامور ليست عالقة في نقطة الصفر خلافاً لِما يقال، بل ان ثمة تقدماً حصل، والخلاف لم يعد عميقا لا على الاحجام، ولا على مسألة الحقائب، خصوصا الخدماتية، الا انّ النقطة العالقة ما زالت على موضوع إسناد حقيبة سيادية لـ”القوات”، وهو الامر الذي ينتظر ان تقتنع القوات باستحالة إسناد اي حقيبة سيادية لها، سواء أكانت الخارجية او الدفاع، فالتيار لن يتخلى عن الخارجية. ثم ان الدفاع، وكما هو غير مقبول لـ”حزب الله” ألّا تُسند اليه، فمن غير المقبول ايضاً ألا تسند لـ”القوات”، وهذا الامر ينسحب على الخارجية. ما يعني انّ مشكلة إسناد حقيبة لـ”القوات” لا علاقة لها بالحصص، انما هي مشكلة سياسية، مرتبطة بموانع داخلية كثيرة.
في المقابل تبرز رواية مناقضة للرواية الاولى، وفيها تأكيد انّ الامور وصلت الى الحائط المسدود، ولا يمكن الحديث عن اي اختراق ممكن في ظل الوضع الحالي، وذلك بسبب شروط العهد، لناحية رفض إعطاء “القوات” حقيبة سيادية، واكثر من 3 وزراء، ورفض إعطاء الحزب الاشتراكي اكثر من وزيرين، وتمسّك فريق رئيس الجمهورية بالثلث المعطل.
وتقول الرواية انّ هذه الشروط هي التي عطّلت التأليف حتى الآن، والحل بسيط وهو العودة عن هذه الشروط، التي ان بقي العهد متمسّكاً بها، ستبقى الامور على ما هي عليه. فـ”القوات” لن تتراجع عن مطلبها ولا الاشتراكي، وكذلك الرئيس الحريري الذي يبدو حاسماً في موقفه انه لا يؤلف حكومة في ظل هذه الشروط.
هاتان الروايتان، إضافة الى الوقائع السياسية التي تحكم خط التأليف، عزّزت الخشية لدى مرجع سياسي كبير من تعليق لبنان على خط الازمة ولأمد طويل.
وقال المرجع لـ”الجمهورية”: أسوأ ما نشهده هو الشراكة في التعطيل تحت السقوف العالية، ليس هناك عض اصابع، بل هناك عملية قضم اصابع وقطعها، ما يؤشّر الى انّ الامور على خط التأليف لا تؤشّر الى انها تتجه نحو الحسم السريع، بل الى الدخول في نفق طويل، خطورته انه يفاقم اولاً الازمات الداخلية على اختلافها وخصوصاً على المستوى الاقتصادي والمعيشي. وانه ثانياً، وعلى الرغم من عدم وجود تدخل خارجي ملموس، فإنّ هذا النفق قد يوصِل البلد الى لحظة تجده منضبطاً على الساعة الخارجية، والفراغ الحكومي قد يفتح الباب لأن يكون لبنان جزءاً من حالة المنطقة والفوضى الموجودة فيها.
وسألت مصادر دبلوماسية عبر “اللواء”: الا يُشكّل تأخير تأليف الحكومة إلى أيلول، رسالة غير إيجابية تجاه دول العالم، حيث كان المأمول مطالبة المجتمع الدولي من خلال حكومة تحصل على ثقة المجلس النيابي، وتتحرك من أجل توفير مظلة دولية لإعادة النازحين السوريين، وتحريك مساعدات مؤتمر سيّدر، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية في الجنوب والنهوض بورشة إعادة بناء البنى التحتية، وتحريك الاقتصاد.
ولاحظت أمس اوساط قريبة من رئاسة الجمهورية جواً عاماً يتعزز في البلاد بان أحد أسباب تعطيل تشكيل الحكومة هو معركة رئاسة الجمهورية. وقالت إن البعض ذهب الى حد تسمية الوزير جبران باسيل وكأنه الرئيس البديل أو من تتحضر المعارك من أجله مستغربة لجوء البعض الى التركيز على هذه النقطة في مقابل تجاهل اسباب وعقد اخرى أساسية تقف وراء عدم تشكيل الحكومة.
وذكّرت الأوساط القريبة من بعبدا بأن موضوع رئاسة الجمهورية بدأ طرحه منذ ما قبل الانتخابات النيابية وخصوصاً في معرض الحديث عن الاقضية الاربعة في دائرة الشمال الثالثة (البترون الكورة زغرتا وبشري) عندما قيل أنها مواجهة مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي بضم ثلاثة اسماء مرشحة للرئاسة وهي الوزير جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية ورئيس حزب “القوات اللبنانية “الدكتور سمير جعجع، ما يعني ان الحديث عن الاستحقاق الرئاسي افتعل منذ تلك الايام وتالياً فان التأخير في تشكيل الحكومة لا يتعلق بالحديث عن الرئاسة.
وتوقفت الاوساط عند الجهات نفسها التي صورت في حينه معركة الدائرة الثالثة بانها معركة رئاسية والفائز فيها مرشح رئاسي قوي والتي تربط اليوم بين موضوع الحكومة والاستحقاق الرئاسي الذي لا يزال يفصلنا عنه أكثر من أربع سنوات وثلاثة اشهر.
كما استغربت الاوساط كيف توجه الانتقادات الى دور رئيس الجمهورية بشكل أو بآخر في ما يتعلق بالترابط بين الحكومة والرئاسة سائلة” كيف يمكن رئيس الجمهورية الذي لا يزال في بداية عهده ان يعرقل تشكيل الحكومة بسبب الاستحقاق الرئاسي الذي لا يزال بعيد المدىِ؟ ”
وختمت ” بأن رمي موضوع الاستحقاق الرئاسي في سياق سوق أسباب تعطيل تشكيل الحكومة هدفه صرف الانظار عن العقد الأساسية وهو حلقة من حلقات استهداف العهد ومحاولة لذر الرماد في العيون”، موضحة ان ما نقله زوار الرئيس عون الاسبوع الماضي عنه من كلام بأن الحملة على الوزير باسيل مرتبطة بكون اسمه وارداً في السباق الرئاسي أتى رداً على سؤال عن استهداف باسيل منذ ما قبل الانتخابات ومنذ اعتبار الدائرة الثالثة في الشمال مؤشراً لهوية الرئيس الذي سيخلف رئيس الجمهورية.